صحيفة المثقف

عظمة وجمال فن الكاريكاتيري

khadom shamhod2يذكر ابن خلدون في كتابه - مقدمة ابن خلدون - بان الفن وتأثيره على النفس لا يقل عن سطوة السيف وقدرته على التأثير في نفوس الرعية .. والفن الكاريكاتيري هو فن تعبيري ضاحك ساخر ناقد وتذوقه ورسمه جزء من مفهوم الحرية في التعبير والنقد والفكاهة والامتاع .

وحرية التعبير والمعتقد شرعتها الانظمة الديمقراطية الحديثة، كما وردت ايضا في القرآن الكريم (لا اكراه في الدين) . وخلال القرون الماضية ظهرت عدة حركات فكرية منها التفويضية والتي نادت بها جماعة المعتزلة . وكذلك جماعة الجبرية . وجماعة الامر بين امرين التي انطلقت من مفهوم الآية الكريمة (وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى) . وغيرها من الحركات التي ناقشت حرية الانسان في الافعال والمعتقد .

عراقة فن الكاريكاتير:

الفن الكاريكاتيري فن عريق وقديم وقد سجلت الحضارات الاولى حضوره الى جانب الفنون  التشكيلية الاخرى وقد اخذ في تلك العصور مفهوم الاسطورة والخرافة، كأن تتركب الصورة او العمل النحتي من رأس انسان وجسم حيوان . وكان ذلك يعتبر من المعتقدات الدينية في تلك الحضارات القديمة، ولكن بمفهومنا اليوم هو نوع من الكاريكاتير الساخر . وقد وجد رسم في زمن الفراعنة يمثل غراب يتسلق على سلم يعود الى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، كم عثر على رسم في روما يمثل المسيح –ع- مصلوبا ولكن برأس حمار ويعود تاريخه الى ما بين 85 و95 ميلادية . وكان فن الكاريكاتير في زمن الاغريق مهمشا ومشاكسا حيث يذكر ان ارسطو نعته (بالفن البشع) كونه يخرج عن القيم الجمالية للشكل التي وضعها فلاسفة الاغريق في ذلك الوقت . وبعد عدة قرون تطورت المفاهيم وتغيرت الاذواق فدخل الكاريكاتير الحياة الاجتماعية . وكما كان فن الكاريكاتير والسخرية موجودا في الرسم فهو ايضا موجودا في الادب والشعر، فالاول يرسم صورة منظورة على الورق والآخر يرسمها في الخيال عبر الكلمات . والمعنى والهدف واحد. وكانت كتب الادب العربي مليئة بالنوادر والهزل والسخرية والفكاهه.

وهي كثيرة ومعروفة ..

ارى ثم وجها شوه الله خلقه

فقبح من وجه وقبح حامله   / الحطيئة

كاريكاتير اليوم:

و قد شهدت اوربا والعالم العربي في العصور الماضية نهضة كبيرة في فن الكاريكاتير. وكانت بداية اول ظهوره في اوربا على يد الفنان دافنشي 1503 . وبعد اختراع الطباعة عام 1452 وو صول الورق الى اوربا من الشرق عن طريق الاندلس، ظهرت الكتب والمجلات والصحف ومنها ما اختص بالرسوم الكاريكاتيرية الساخرة والضاحكة . فظهرت صحيفة في فرنسا تدعىRire  ريري سنة 1824، وظهرت اخرى في المانيا تسمى سيميليثيو سيمون Simplicissmus عام 1896، وفي روسيا ظهرت صحيفة كرولوديل عام 1922 Krolodil وفي الولايات المتحدة ظهرت صحيفة نيويورك 1924 The new yorke . كما ظهر عدد من الفنانين الكبار الذين مارسوا الفن الساخر مثل الفنان الفرنسي دومير 1808 الذي كان يرسم في صحيفة جاريباري عام 1832، والفنان الانكليزي وليم هوغار الذي يعتبر من اعظم فناني اوربا في ذلك الوقت 1697، والفنان الاسباني فرانثيسكو غويا 1746. صاحب رسوم النزوات وغيرهم.

وفي عالمنا العربي ظهر عدد من الفنانين في مجال الكاريكاتير فاقوا فناني الغرب كما ظهرت مجلات مختصة بفن الهزل والفكاهه . وكانت اول صحيفة عربية مختصة بالكاريكاتير ظهرت في مصر في 21/3/ 1877 اسمها –ابو نظارة زرقاء – وكان قد رسم بها عمالقة الفن المصري مثل: رخا، عبد السميع، صاروخان، صلاح الليثي، ثم جاء من بعدهم: صلاح جاهين، البهجوري، اللباد، حجازي، طوغان .. وغيرهم . كما ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر في مصر مجلتي الصباح وروز اليوسف وكانتا ميدانا جميلا لظهور عددا كبيرا من فنانين الهزلي والسخرية .. وفي سوريا ظهرت اول صحيفة للهزل في 2 / 4/ 1909 اسمها – حط بالخرج – حيث رسم فيها عدد ممتاز من فناني الفكاهه منهم توفيق طارق، علي الارناؤط، ثم جاء من بعدهم علي فرزات، ياسين خليل وغيرهم .. وفي العراق ظهرت اول مجلة للفكاهة هي - حبزبوز عام 1931 ورسم بها رواد الفن العراقي مثل فائق حسن، عطا صبري، سعاد سليم، عبد الجبار محمود .. وغيرهم ثم ظهرت بعد ذلك عدد من المجلات الفكاهية مثل: قرندل، الحصون، الوادي، الزهراء، وغيرها ورسم بها كل من غازي عبد الله وحميد المحل . ويعتبر غازي عبد الله مؤسس المدرسة العراقية لفن الكاريكاتير .. بعدهم ظهر الفنان بسام فرج 1964 ورسم في عدد من المجلات العراقية منها، المتفرج، الفكاهه، القنديل، وغيرها .. ثم جاء من بعدهم كوكبة جديدة من رسامي الكاريكاتير ذو مستوى راقي وممتاز ويملك تقنية حداثوية عالية . اما ناجي العلي الفلسطيني فكان واحد من ابرز رسامي الكاريكاتير الناقد والساخر في عالمنا العربي وقد اشتغل في عدة صحف وتناقلت رسومه معظم الصحف العربية ثم استشهد .. واما فن الكاريكاتير في بقية الدول العربية فقد ظهر متأخرا ..

الفن الناقد والساخر:

يعتبر فن الكاريكاتير اكثر الفنون فهما وشعبية وانتشارا واكثرها تأثيرا ونقدا في المجتمع . وقد تعرض من جراء ذلك كثير من الفنانين الى السجن والاعتقال وحتى القتل .. واليوم اصبح فن الكاريكاتير اكثر سطوعا وفعالية نتيجة لسهولة توفر وسائل النقل من صحافة وانترنيت وتلفزيون وغيرها يضاف الى ذلك فان فن الكاريكاتير متعة وجمال وفكاهه يدخل احيانا السرور الى نفوس الناس .. وبما ان احد مهام فن الكاريكاتير هو النقد وتقييم الاعمال لهذا على الفنان ان يفيض حباً وجمالاً واحتراماً للاخرين في حالة ممارسة ذلك . مهما كانت أفكارهم وطرز حياتهم التي يتبعونها في أعمالهم، فالاساس في التقييم هو ان لا يخرج من حيث التحليل والنقد عن أطاره العام والاحترام والانصاف والحق . فالسخرية والتجريح من المحرمات وعلى الفنان الناقد الانصاف وسلوك الاسلوب العلمي والعقلاني ومراعات قواعد النقد . وقال تعالى " (فاذا الذي بينك وبينه عداوه كأنه ولي حميم)

القيم الجمالية في الكاريكاتير:

لا يعني ان القيم الجمالية تكمن فقط في المحاكات والموضوع كما هو عند الناقد والمفكر الانكليزي راسكين، وان الخط واللون وطاقاتهما الجمالية ليس لهما دورا في الفن . حيث يؤكد كثير من النقاد على ان هناك ما لا ينضب معينه من القيم الجمالية النوعية التي تقوم على الانحراف والمبالغة سواء كان في التخطيط او التلوين او التشكيل او العفوية، بما يختلف عن اوضاع اشكال الطبيعة او المحاكات . ونجد فيها احيانا متعة روحية ساحرة نابعة من الذات قد تفوق اعمال المحاكاة . وبالتالي نجد القيم الجمالية النوعية موجودة في كل ركن من اركان الفن سواء كان في فن الكاريكاتير او فن المحاكات. وقد صدر لنا كتابا في هذا الحقل تحت عنوان – فن الكاريكاتير –لمحات عن بداياته وحاضره عربيا وعالميا -2003 .

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم