صحيفة المثقف

على جسر المسيب سيبوني

hamodi alkenani2بدعوة كريمة من الاديب سلام كاظم فرج توجهنا صباح يوم الجمعة الثاني من اذار الى داره الكائنة في ناحية سدة الهندية أنا والروائيان حميد الحريزي وعلي لفتة سعيد والكاتب المشاكس ابن العم طارق الكناني وكنت اتولى قيادة السيارة ولم اسمح لأي اعتراض على اختيار الطريق باعتباري انا القائد ولكن ليس القائد الضرورة خوفا من لسان الاديب صباح الجاسم السليط الذي كان ينتظرنا - قبالة معمل حرير السدة الذي لم يعد ينتج الحرير بقدرة العهد الجديد كما كان من قبل- على الشارع الواصل بين ناحية السدة وقضاء المسيب الذي خلده المطرب الراحل ناظم الغزالي بأغنيته الشهيرة "على جسر المسيب سيبوني" أخرجت هاتفي وسلمته الى طارق الكناني ليتصل بصباح وان يقول له بالنص (ها ابو خشم انت وين) وفعلا فعل الاديب طارق الكناني ما قلته له وكان رد صباح الجاسم كما توقعته ها ابو شبجة شبيك ما تبطل من سوالفك ولكن طارق ضحك وقال له انا طارق وليس حمودي فرد عليه صباح لا فرق عندي فانتما تشكلان مصدر قلق للذين يرغبون بحك خشومهم بلا رقيب من مسؤول مهما صغر او كبر حجمه . وبعد ان تركنا قضاء المسيب خلفنا وسيارتنا ترقص رقصة الحصان على هذا الطربق الرابط بين السدة والمسيب والمؤدي الى المحاويل ومعسكرها الذي اصبح خرابا وبقايا من ملامح من كثرة الحفر والمطبات والبرك ..

الاديب حميد الحريزي كان يجلس على يميمني اما على الكراسي الخلفية كان يجلس طارق الكناني وعلي لفتة سعيد الذي ما انفك يسأل اين وصلنا وما هي العلامات الدالة على مكان صديقنا صباح الجاسم ولما قلت له هنالك قصاب في بداية الشارع المؤدي الى بيت صباح قال ها مثل الذي سألوه اين داركم فقال عند (المطي المربوط الى عمود التيل) مقولة يتندر بها العراقيون على بساطة بعضهم. توقفنا قريبا من مدخل الشارع وبعد دقائق اطل صباح الجاسم وهو ينوء بكرشه الذي لم اعهده من قبل وبعد عناق حار وتبادل العبارات الخشمية للتعبير عن حميمية اللقاء صعدنا السيارة مواصلين رحلتنا الى بيت ابي هشام سلام كاظم فرج ومرشدنا الى داره ابو ايلوار صباح الجاسم الذي كان يأمرني بالسياقة من غير ان اتكلم او اتلفت يمينا او يسارا او اتلفظ بكلمات توبيخ على سائقي الستوتات والتاكسيات المخالفين لانظمة السير، صباح الجاسم هو الاخر لم يختلف عن ذلك العراقي الذي قال دارنا عند عمود التيل اذ قال لي توقف عند افران الزيتون لاتصل بسلام حتى يدلنا على الشارع الذي يوصلنا الى داره وبعد دقائق جاءنا هشام نجل سلام الذي اركن سيارته ونزل منها محييا ومعانقا و مرحبا بعدها قال اتبعوني . حال الحي الذي سرنا في احد شوارعه ليس بافضل حال من معظم نواحي واقضية محافظات الوسط والجنوب حيث تنعدم مظاهر الاعمار بكل جوانبها وتسود اكوام الازبال والمستنقعات بين الفضاءات ومساحات الارض المتروكة بين الدور حتى انني طلبت من طارق تصوير المشاهد لنبين مدى الاهمال واغماض اعين المسؤول فقال لي بصوت عال يمعود بيش يفيد التصوير، المسؤولون لا اعين لهم ترى ولا اذان يسمعون بها لا تهمهم نظافة الشوارع والاحياء وردم البرك الاسنة وازالة اكوام الزبالة فتذكرت كلام المرشد السياحي في طهران عندما قال لنا محافظة طهران تعاني من شحة في الزبالة واخذت تستوردها من باقي المحافظات لاستخدامها في توليد الطاقة الكهربائية . وليس تجنيا فقد اصبح المسؤول عندنا لايكترث لكل كلام يشير الى الاهمال المقصود وغير المقصود من قبله.

1574 hamodi

في الشارع الفرعي بالقرب من دار سلام وجدنا خيمة كبيرة منصوبة تمتد لاكثر من مائة متر مكتظة بالكراسي وفيها بعض الجالسين الذين سلمنا عليهم وردوا علينا السلام قائلين تفضلوا استريحوا لكنني قلت لهم (ما بينا حيل للطلايب) . وفي بابه العامرة كان ابو هشام واقفا ينتظرنا ووجهه تعلوه ابتسامته الهادئة مرحبا بهدوئه المعروف قائلا: اليوم هو عيد عندي لاني التقيكم ثانية بعد فراق خمس سنوات . توزعنا على الارائك متقابلين في غرفة الاستقبال الجميلة حيث اتخذ سلام مكانا له بيني وبين الاخ حميد الحريزي اما ابو خشم كان يجلس قبالتنا والى جانبه الاخ علي لفتة سعيد الذي يلتقي سلام وصباح لاول مرة والى جانبه يجلس طارق الكناني .. وبعد كلمات الترحيب الحار من قبل الاخ سلام قلت له احذر معاوية وعمرو بن العاص قال ومن هما قلت علي لفتة سعيد وطارق الكناني فصاح صباح الجاسم لا تصدقه فلا عجاجة تهب الا من ارض بابل وهو يرمقني بعينيه ضاحكا مردفا (الميت ميتي واعرفه شلون مشعول صفحة).

استذكرنا انا وسلام تعليقاتنا على صفحات المثقف في السنين الفائتة والمشاكسات في الحوارات والاراء وخاصة بين سلام كاظم فرج والكاتب البديع الصديق العزيز صائب خليل وتعليقاتنا على معلمنا الكبير عدنان الظاهر والشاعر الجميل سامي العامري وسمطنا اياه بباقات من عبير الكلام وعرجت على وصفي الذي اطلقته على سلام في حينها (شيخ الانتهازيين) فرد مبتسما اتشرف بهذا الوصف واني افتخر اني وجدت في انتهازيتي الشيء الذي يجعلني اضحك من غير تكلف .. تشعب الحديث عن الادب والثقافة عن الشعر والسرد والمسرح عن الكم الهائل من النتاج المعروض في المكتبات عن المنتج العراقي الادبي ورأي بعض ادباء ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وتحامل بعضهم على الكثرة من الروايات العراقية التي صدرت بعد التغيير والتي يصل عددها الى ما يقارب السبعمائة رواية متناسين الفترة الزمنية الفاصلة وعدد الجامعات التي اسست اذ لا تخلو كل محافظة عن جامعة او جامعتين والوعي الجمعي والانفتاح الذي حصل بعد التغيير اذ جعل جميع من يمتلك القدرة على الكتابة يكتب من غير خوف او تردد او خشية رقيب .. كانت لنا اراء في هذه الجلسة بعضها نال الموافقة وبعضها نال عدمها لكن مازلت اقول ان الاسماء التي جعل منها الترويج الاعلامي كبيرة دائما تنال الحظوة حتى وان جاءت بعض كتاباتهم دون الطموح وهبطت عما عهدناه عند كاتبها من قبل .. طارق الكناني لم يسكت على جوع فهو الذي يقول دائما (عمي ترا من الاذان تريكت يالا جيبوا الطبيخة خلينا ناكل حتى نكدر نسولف على كيفنا) .. والسوالف التي على الكيف هي التي تتناول الوضع السياسي وحالة الاقتصاد المتردي والاعمار المتلكيء وفساد المسؤول حتى جعلوني انهض صائحا لو قيض لي واصبحت بقدرة قادر عضو مجلس نواب اول شيء اقوم به هدم داري المتهالكة واعادة بنائها على الطرز الحديثة وتبليط الشارع المطلة عليه وشراء جكسارتين وبيك اب تويوتو وزوق صيد كلاس فايبر فقاطني صباح الجاسم هاي انت عضو مجلس نواب لو صياد سمك .. قلت له لا تشريع يمنع عضو مجلس النواب عن ممارسة هواياته ثم ان المرحومة امي قد رمت حبل سرتي في هور صليب (هور ابو نجم) قبل ثمان وستين عاما وذكرت لهم كيف كانت امي ترقصني وترقص اخواني بعبارة وهي تردد (بعينة تلوك المنذرة برجلة تلوك القندرة عينك لجدام لترد لورا) رحم الله امهاتنا رحلن الى دار الاخرة من غير ان تهب عليهن رياح الحداثة والتغيير وهموم (داحش والآيسس) .. كانت المائدة عامرة بالسمك وبما لذ وطاب وكان يشاركني السمكة علي لفتة سعيد الذي لايمل اكل السمك يوميا ففطاره سمك وغداؤه سمك وعشاؤه صيادية اي مرقة السمك .. علي لفتة سعيد انسان لطيف وجميل الصحبة لكنه مشاكس وعنيد وشديد التشبث بما يطرح من اراء وبعدما فهمته اصبحت لا اناقشه في شيء لاني احترم اراءه وايمانه بما يراه يتوافق مع هواه .. حميد الحريزي كان مستمعا جيدا ويتقاطع بلطف وبدراية في الحديث وهو مبتسم لا تبين على ملامحه وتعابيره علامة عدم رضا، اما طارق الكناني الذي شبهته بعمرو بن العاص فيا ويل الذي اطلق عليه لسانه ولهذا تقدم احد المسؤوليتن عليه بشكوى مطالبا بمليار دينار رد اعتبار .. صباح الجاسم مهووس بالشجر والقرع والفلفل الحار وانواع الحشائش ذات النفع وعندما يتحدث يتحدث بهدوء من غير انفعال عن التفاؤل الذي لا حدود له للقادم من الايام ..

لقد طال الحديث وتناول الشرق والغرب والشمال والجنوب لا حرب باردة فيه وصواريخ مجنحة لكن هموم وطن اصطلحت عليه الايام والخطوب فتشظى انسانه بين هذا التيار وذاك واصبح لون كل شيء لديه باهتا لا طعم له لكن املنا هو تماما مثلما يؤمن ابو خشم لابد من امل ولابد من تفاؤل وتعود اللمة والابتسامة تعلو وجوه الجميع !

عند الساعة الثالثة نظرت بوجه طارق الكناني فوجدته يتثائب اذ كانت ساعة قيلولته المعتادة في سيم كارت رقم واحد او رقم اثنين فلطارق مكانان يتقيلل فيهما رقم واحد داره في حي المعلمين ورقم اثنين داره في حي التعاون .. نظرت بوجه حميد الحريزي فتبين لي انه يود الرحيل لان السيدة ام امجد اتصلت به تطلب منه العودة وما عليه الا تلبية الامر . أما صباح الجاسم فلا احد ينتظره غير اشجار حديقته التي تعود ان ينام في ظلها . ودعنا سلام كاظم فرج وهو يقول لنا كان اسعد يوم هذا اليوم اذ اعدتم لي شيئا من حيوية الامس وهمسات لحظاته التي سرقتها منا الاحداث وداعا والى لقاءات ان بقينا على قيد الحياة !

 

حمودي الكناني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم