صحيفة المثقف

للأحرفِ الحمراءِ.. أُمنيةٌ باقية

إباء اسماعيللوحاتُ الحياةِ تكبرُ بلا إطارْ

يضمُّها عنفوانُ السّماءِ

ونزيفُ الأرضْ..

أزهارُ البنفسَجِ تنْمو

 في  حدائقَ لا تتَّسعُ للرَّاحلينْ...

ولا قبورَ تُضيءُ جوفَ الأرضْ!

أسْتعيدُ لحظاتِ موتي القادمْ

لعلّي أنبعثُ من غصنِ شجرةٍ،

ورقةً خضراءَ جديدةْ.

أتأرْجحُ على الطُّرقاتِ

فَراشةً منْ رياحِ الغربةْ

حينَ تهبُّ رياحُكَ الخريفيّةُ

في طريقي!!

**

أيّها الطّائرُ الذي

 فَقدَ جَناحيهِ من وطأةِ الضّبابْ!

استيقظْ في خِضَمِّ اللحنِ الحزينِ

على وقْعِ خُطا الراحلينْ!..

لا أياديَ تُلوِّحُ لأجْنحتي...

جسدي صار جَرَساً

في كنيسةْ،

ودعاءً

في مئذنةْ،

صارَ صفيراً في رياحِ الحربِ،

ورَماداً معْجوناً بدماءِ الغائبينْ...

صارَ أغنيةَ طفلٍ

يبكي حضْنَ أمّهِ،

شمعةً في محرابْ،

ووطناً

يتهجّى أنفاسَهُ اللاهثةْ!!..

**

أتَجَمهرُ أنا وجسدي

هذا الذي صار جسدَكَ

صار فقاعاتِ أحْلامٍ مُشْتهاةْ

وخريفاً من زمنٍ بلا حُبّ ..

أُبدِّدُ يومي

على أطباقِ الذاكرة،

وساعاتي

على ترّهاتِ الصّمتْ...

أقرضُ أحرفي

بقصائدَ تحترقُ

أضعُها في مدخنة الروح وأبَخّرها

كي تفوحَ منها رائحةُ الشِّعرِ

في بنفْسجكَ الحزينْ..

ها أنذا تحتَ شموسِ الحُبِّ،

في أقبيةِ ظلامِ الغربةْ!..

وفي وطنٍ يتآكَلُ

ويزفُّ أعراسَ ياسمينِهِ

 بين أيدي الأطفالْ...

و يوزّع نجومَ براعمهِ الحزينةَ

على طلّاب المدارسْ..

هَلْ سيُخصِبُ الحلمُ يوماً؟

وترحلُ كوابيسُ الحربِ

 عن أسْطحِ منازلِ الراحلينْ؟!!

***

يا لتلكَ البيوتِ التي كانتْ

 مُضاءَةً بالحكاياتِ

والطفولةِ

كيفَ صارتْ أحجاراً صمّاءْ

 معجونةً بدماءِ المُغادرينْ؟!..

كتبٌ ملقاةٌ ، وألعابُ أطفالٍ بلا أذرع

وجماجمُ مُصطفَّةٌ

وقيثارةُ طفلٍ

 يعزفُ آخرَ موسيقى أحْلامهِ

قُرْبَ مدفأةِ الرَّمادْ!..

***

كَمْ طعمُ دموعِك مالحٌ

ومرٌّ أيها الوطنْ!!

كم مَبْسمُكَ الخَفيُّ

عصيٌّ على الظهور الآنْ!!

آآآآهْ على غزَلِ الحُبّ الذي باتَ يُملأُ

في خوابي الموتْ!!

كأنهُ لم يكنْ..

رحلتْ الصَّبيَّةُ وحبيبُها

رحلتِ الأمُّ

ورحلتْ الخوابي المُعتّقةُ بماءِ الحياةْ...

السلامُ عليكَ يا وطنَ الأحجارِ الكريمةْ!

كلُّ حجرٍ فيكَ أبكيهِ

كما أبكي كلَّ جرحٍ فيكْ

هكذا يُدْمي قلبي وأحرفي..

السلام عليكَ يا بُستانَ روحي

 المنفتحَ على أشجارِ الحزنِ

ثماراً للأغنياتِ الحزينةْ ..

كلُّ يومٍ أرتدي سوادَ الأرَقْ

وأنقشُ نجومَ قلبي بحَفنةٍ

من ليلِ الحزنِ الطويلْ ..

إلى متى أيتها العاصفةُ المشْؤومةْ

إلى متى ستظلّين مُنسَكبةً

 كالجحيمِ على قلْبي،

على أرضِ أجْدادي

على بقايا أحْلامي

يا غيومَ الليالي السوداءَ ارحلي...

ها هو الصبحُ يترنَّحُ بضوئهِ المخْتفي

 تحتَ ظلالِ الطّرقاتِ الفارغةِ

منْ أهلِها الغائبينْ!!..

وجوهُهمْ صارتْ أرغفةً من بقايا الرجاءْ

و دموعُهمْ تنسكبُ كشلالاتٍ جفَّتْ مياهُها

وغَصّتْ سواقيها بترابِ الخَرابْ!!..

***

أتَجَمهَرُ ضدّي أنا

أنا ضدّي أنا

أنا ضدُّ البصيرةِ العمياءْ،

 ضدُّ اللاشيء الذي يتبعثرُ داخلي

أنذرُ نفْسي للحُبِّ الذي يتبقّى لي

إنْ أذِنَ الحُبُّ لي،

أنْ أتهجّى باسْمِهِ

و أنثرَ أحرفَهُ نجوماً في السماءْ...

إنْ أذِنَ الحبُّ لي،

أنْ أنقشَ اسمَهُ

على  قبورِ شهداءِ الوطنْ.

***

يا عشقُ! أنت الذي سمّيتَهمْ شُهداءَ

سَمّيتهمْ واحداً واحداً

و أحْصيتَ بطولاتِهمْ واحدةً واحدةْ ...

 يا عشقُ! اسمَعْهُمْ

و لبِّ نداءاتِ أرواحِهمْ

 وقدْ صارتْ في سمائِكْ!!..

***

شِعر: إباء اسماعيل

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم