صحيفة المثقف

(48 ـ 105)

حيدر جاسم المشكورهناك أكثر من سبب للذنب، لكن العقوبة تبقى واحدة مهما اختلفت الأساليب.

يُقال: أُشير على الحمير باتباع حمار منهم، فرفضوا جميعهم ذلك، بزعمهم:" نحن اعرف بإمكانية الحمار". هكذا بدأ وسام تتمة حكايته. واستطرد قائلاً: والحمير مثلنا رضوا ورضخوا رغم معرفتهم بمن يمثلهم. هكذا كان أبي يصف حال الامة الخانعة.

أول لقاء مأساوي سُجل في ذاكرتي وفي حافظةٍ منه لا تقبل النسيان.. ربما كل لوثة في تاريخ الانسان، صامدة ضد أعتى موجات الزهايمر، على البقاء إلى أمد بعيد.

كان المُحقق زاهد النايف، الذي لا أعرف رتبته، لكونه مدنياً، إلا أن كل الحاشية، كانت تحت طوعه وأمرته، ينادونه بكلمة (سيدي). وعلى الفور حفظت هذه الكلمة، فدأبت على استخدامها بمناسبة ومن غير مناسبة، معه أو مع غيره. هكذا كان الخوف يدافع عن نفسه بأدب محض.

كان تحت يده تقرير مفصّل، عني وعن عائلتي، فبدأ بسؤالي: اسمك.؟

ـ بدر منعوت، لا، وسام بدر.. منـ ..عوت.

وهو يطالع الوجوه من حوله، قال: بقر ملعون.

قلت في نفسي:" لعنة الله عليك، أنا أشرف من عشيرتك".

نظر إليَّ شزراً: ما رأيك.؟

أجبته بذكاء: ألف لعنة.

فردّ عليّ بتشنج: عليك وعلى الذين خلّفوك؛ بغل ابن البغل.

وفي نفسي جولات من الألم: عدنا لذكر الحمار، لو يعلم صلة القربى من أهله؛ لما تكلم.

فنهرني مستشاطاً غضباً: بم تهمهم؛ (دماغ سز).

لم أجد غير كلمة سيدي أناور بها: سيدي.. سيدي..

ضحكوا جميعاً.. ففرحت، أنا الطفل الذي أضحك رجال الأمن الواجمين.. الوجوه العبوسة التي لا تقصها المنشار.. فاستعطفتهم ليس تصنعاً، إنما واقع حال، وفي لحظة حنق وحقد على أبي قلت: أريد أمي.

لم يتوان لحظة بالرد عليّ: …. أمك أبن القحبة.

فصدقته القول: الحكومة والأمن أعلم بذلك، هكذا كانت نفسي اللوامة، نزاعة للحقد على كل من حولي، أهلي، ورجالات الحكومة، والدنيا بأسرها.

فنده عليّ متسائلاً ومستعيباً: أنت أهبل يا ول.

في نفسي تسبح الكلمات:" وابن أهبل ـ لو كنت أقوى على نطقها؛ لكنها حشرجت في الصدر.

وفي كل مرة يزداد غضبه، خاصة عندما يجدني أنوء تحت وطأة الصمت.. فنطق أخيراً كلمة الفصل، عندما طلب من حاشيته: أريد زجاجة من المقاس الخاص.

وإذا بأحد الجلادين، يتناوش زجاجة كبيرة فارغة، وكأنها نخب نجاحه: هذا مقاس جديد يناسب مختلف الأعمار.

المحقق يلوي بوزه ككلب: إذا لم تجدوا أكبر منها، فضعوها في دبره من العقب.

صرخ سامي بتصنع: واويلاه.

إلا أن باسم تناوش زجاجة المشروب التي بين يديه وهو يتحسس عقبها، بهزج: يا ويلي على ذيلي.

فحملق به وسام مطيل النظر، وهو يعرف ما تنطوي عليه طبيعته السيئة: أخيراً اعترفت بذيلك.

باسم مبرراً ذلك: أليس أخوة عاد من يصفوننا بذلك ـ وهو ينظر إلى جمال.

حتى تحولت الوجوه اتجاهه بشكل عفوي، تنتظر الرد، لكن جمال أبى ترفعاً من ملاحاته؛ وألتزم السكوت.

 

فصل من روايتي الجديدة (حلم الرب) قيد التنفيذ

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم