صحيفة المثقف

هل سيتكرر سيناريو "سانت إيجيديو" لحل الأزمة الجزائرية؟

علجية عيشالجزائر اليوم تتخبط في ظل التوتر القائم بين السلطة والمعارضة وغياب الحوار مع الجماهير ومحاولة تبرئة أشخاص هنا ولوم أشخاص هناك، وهي في حاجة الآن إلى حركة لا هي دينية ولا هي سياسية من أجل الدفاع عن الثورة الجزائرية وعن الجمهورية الجزائرية، في إطار مبادئ أول نوفمبر 1954 من أجل الخروج بحل يرضي الشعب ويكون في مستوى طموح الشعب ورأب الصدع والحفاظ على مؤسسات الدولة

مقال الدكتور محمد قماري الذي اعتدت متابعة ما يكتبه، وهو يتحدث عن سقوط المثقفين في مقال له بعنوان: "يسقط المثقفون" نشر في جريدة صوت الأحرار بتاريخ 24 جويلية 2008 عدد 3170، الصفحة 12، تحدث فيه عن موقف حركة الضباط الأحرار في مصر الذي كان مطلبهم الأساسي الإصلاح في بعض المناحي التنظيمية في الجيش وفي السياسة، بعدما نخر الفساد مؤسسة الدولة المصرية في عهد الملك فاروق، هذا الحراك الذي قاده الضابط محمد نجيب كانت نتيجته إبعاده عن السلطة بعد صراع بينه وبين جمال عبد الناصر، حيث لم يعد كما قال هو صوت يعلو عن صوت الزعيم، بل لا يسمح للزعيم أن يسمع صوتا آخر إلا أن يكون رجع صدى لصوته هو، ولا شك أن الدكتور محمد قماري يتذكر هذا المقال، الذي حسب اعتقادي صالح لكل زمان ويتماشى مع كل حدث يقع في الساحة العربية، لأن الأمر يتعلق بعلاقة المثقفين بالثورة، يقف فيها المثقف بين خيارين اثنين هما: إما الموالاة إلى حد يفقد فيها المثقف المبدع حركة التفكير الحرّ، أو يفضل الهجرة التي هي نوع من الانتحار للمثقف .

ولن أدخل في تفاصيل ما كتبه الدكتور محمد قماري الذي احتل مقاله نصف صفحة تقريبا، ولكن يمكن الإشارة أن حركة الضباط الأحرار في مصر تركت أثارها على كل المستويات، ليس في مصر وحدها بل في كل الأقطار العربية، ولعل حركة "رشاد" في الجزائر التي يقودها ضباط سابقون في المؤسسة العسكرية جعلوا من حركة الضباط الأحرار نموذجا، حيث كشفت مصادر عن المسيرة التي سنظمتها حركة رشاد والتي تنطلق من باريس ضد العهدة الخامسة، وهي كما هو معروف تحسب على التيار المعارض للنظام القائم الذي ظل على حاله طيلة 57 سنة، أي منذ الاستقلال إلى اليوم، دون أن يحدث أي تغيير جذري في البلاد، بعد عشرية سوداء كاملة منذ توقيف المسار الانتخابي في بداية التسعينيات، ولكن الشعب الجزائري المحب لبلده آمن بمشروع المصالحة الوطنية الذي وضعه الرئيس السابق اليامين زروال، وجسده الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، لا لشيء إلا لإطفاء نار الفتنة التي قتلت الآلاف من أرواح الجزائريين في الوسط المدني والعسكري جلهم من الشباب، لكن الأمور كانت تزداد سوءًا يوما بعد يوم ولم تغيير القوانين ولا الدساتير من وضع البلاد، في ظل الأزمة المالية الخانقة، التي دفعت بالشباب إلى الهجرة الغير شرعية، مفضلا الموت عبر أمواج البحر على أن يعيش حياة الذل والعبودية المقننة، تحولت سواحل الغرب إلى محط أنظار السباب من اجل بلوغ الضفة الأخرى، لأن السلطة ظلت تحافظ على مصالحها الخاصة ولم تبادر في التفكير في مصالح الطبقة المحرومة في البلاد والوقوف مع المظلومين والمقهورين، ولم تحقق مجتمع العدالة.

و هاهي السلطة اليوم تستغل مرض الرئيس وعجزه عن مواجهة الشعب وعلى المباشر، لدرجة أنها أصبحت تفكر وتخطط وتقرر في مكانه، وتتكلم باسمه هو، بل أنها تعلن عن ترشحه، وهو لا يقدر حتى على الكلام، إن الحديث هنا ليس على الرئيس كشخص، بل من باب كونه مسؤولا، هذا المسؤول الذي ظل مدة 20 سنة في الحكم، دون أن يتحقق التغيير الذي ينشده المواطن، والقضاء على الفساد ومحاكمة مافيا المال والاقتصاد، وأمام إصرار الموالاة على بقاء الرئيس لعهدة جديدة وهو في حالته المرضية هذه، كان على الشعب أن يختار ويقرر، فكانت المسيرات السلمية التي انطلقت في الفاتح من مارس من يوم الجمعة، قادتها جماهير من الشباب رافعين شعارات عديدة ليؤكدوا أنهم مع الشعب وللشعب وبالشعب، وعلى الشعب أن يقول كلمة الفصل بأن الشعب لا يلدغ من نفس الحجر، والحقيقة أن تمسك السلطة بالرئيس المريض له معنيين لا ثالث لهما، وهو إما الحفاظ على مصالحها وإما أنها مغلوبة على أمرها، لأن قرار ترشيح الرئيس لولاية جديدة جاء من وراء البحار لخدمة أجندات أجنبية، وهذا يعني أن القوة الثالثة التي تركها الجنرال ديغول يوم مغادرته الجزائر في بداية الاستقلال هي التي تسير وتقرر، ولا خيار للشعب في أن يقرر مصيره بيده.

و هنا نعود إلى الدكتور محمد قماري الذي قال يوما أن "العالم غدا عالم بلا رجال"، نعم، هو أمرٌ يحتاج إلى إعادة نظر وأن يطرح السؤال من جديد: هل عقرت الجزائر ولم تعد تنجب الرِّجَال؟ وهي التي أنجبت الأبطال وقدمت أحسن الدروس لنهضة الشعوب الإفريقية وأروع الأمثلة في تحريرها من قيود الإستعمار؟، لدرجة أنها لم تتأقلم مع موجات التغيير التي شهدها العالم، وعجزت على تقديم البديل، بعدما عجزت جبهة التحرير الوطني في تقديم رجل في وزن العربي بن مهيدي، ومصطفى بن بوالعيد، والعقيد عميروش وعبان رمضان ومحمد الصالح يحياوي، واليامين زروال، وبعدما أخلط التكتل الإسلامي أوراق الإسلاميين، واستقطب مختلف التيارات التي تخالف توجهاته وإيديولوجياته، فقد قبل التكتل الإسلامي أن يصافح التيار العلماني من أجل الوقوف ضد مرشح السلطة دون أن يقدم برنامجا سياسيا واقتصاديا يعزز مؤسسات الدولة ويؤسس حكومة راشدة، تكرس الديمقراطية وتحقق العدالة الاجتماعية، وبذلك تحقق شعار: العيش معا في سلام، واليوم والجزائر تتخبط فهي في حاجة إلى حركة لا هي دينية ولا هي سياسية من أجل الدفاع عن الثورة الجزائرية وعن الجمهورية الجزائرية، وفق مبادئ أول نوفمبر 1954، ما نخشاه هو أن يتكرر سيناريو التسعينيات، وتدخل الجزائر في حرب أهلية ثانية، وأن يتكرر معها سيناريو "سانت إيجيديو" لحل الأزمة الجزائرية والخروج من المأزق.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم