صحيفة المثقف

دفاعا عن الجمهورية.. السلطة في الجزائر تستغني عن سيف الحجاج

علجية عيشالسلطة في الجزائر حفظت الدرس جيدا بحيث لم تشهر "سيف الحجاج" على المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشارع في مسيرات سلمية ضد العهدة الخامسة ولحقهم  الطلبة الجامعيون ثم أصحاب الجبة السوداء، ذلك كي  لا يتكرر سيناريو أكتوبر 1988 وتظاهرات الفيس المحظور الذي وقف ندا للند أمام نار السلطة والآلة الحديدية، وذلك حفاظا على النظام العام، وكما قال الدكتور عبد الرزاق قسوم فإن الوطن يتسع لكل أبنائه، أيّا كانت قناعتهم وأيًّا كان مذهبهم، فلا نجعل من الإنتخاب وسيلة للإكتئاب أو الإنتحاب، بل نريده مادة لتعميق الإنتماء والإنتساب وفي ذلك فصل الخطاب

منذ أن انتشر خبر أن الرئيس الجزائري ووزير الدفاع الأسبق المجاهد اليامين زروال سيصدر بيانا رسميا يوضح فيه موقفه من الإنتخابات الرئاسية، ودعمه مرشح السلطة عبد العزيز بوتفليقة من عدمه، والشعب ينتظر بلهفة وشوق مضمون هذا البيان الذي إما أنه سيقدم للجزائريين الذين خرجوا في مسيرات شعبية وصفة الدواء للخروج من الأزمة وتحديد لهم من هو الأحق بكرسي المرادية، وإما أنه سيضع الملح على الجرح كما يقال، لأن الأزمة في الجزائر تطورت وتعقدت أكثر بعد فشل المعارضة في اختيار مرشحها التوافقي، وانسحاب عديد من الأحزاب من المشروع، لكن الرئيس زروال لا خرج عن صمته ولا أصدر بيانا كما ذكرت المصادر، لكي يدافع عن الجمهورية والحفاظ على مكاسبها، في ظل من تنشره وسائل الإعلام العربية والأجنبية بأن الرئيس غادر سويسرا إلى وجهة مجهولة مثلما جاء في مقال نشرته أور تيوز، لمن الرئيس الأسبق اليامين زروال ظل صامتا يراقب ويتابع عن بعد ما يحدث في الجزائر، واصبح الكل يغني ليلاه كما يقال، فهذا مع ترشح الرئيس وذاك ضد بقائه في الحكم.

و قال هؤلاء أن 20 سنة بركات، وحتى لو قلنا (من وجهة نظر الملاحظين) أن الرئيس المريض الغائب حاليا منذ اعتلائه الحكم في 1999، وُفِّقَ في تحسين الوضع في البلاد عن طريق مشروع المصالحة الوطنية وأعاد للبلاد أمنها واستقرارها، لكن الرجل كما تقول التقارير عالج مشاكل الجزائر من الخارج من خلال تنقلاته المتكررة، لكن  مذ سقط اسير المرض لم يعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يطهر امام الشعب الذي وثق فيه وانتخبه لأربع عهدات كاملة، وهو - ايّ الشعب-  نطكالبا بالتكميف مع المستجدات الإقليمية، ولا يمكن أن تسير البلاد في غياب الرئيس، الذي أصبح عاجزا عن إدارة شؤون البلاد، وحماية ترابها من كل المخاطر لاسيما الإرهاب، وللجزائر تجربة رائدة في هذا المجال، ولعبت دورا سيايا في محاربة هذه الظاهرة، واصبحت مرجعية للعديد من الدول، لكن؟ الجزائر في حاجو إلى رجل قادر على مواصلة "المسيرة" وتحقيق الحكم الراشد، في إطار استراتيجية شاملة، وهذه ألأخيرة تحتاج إلى إمكانيات ووسائل قوية، أي إلى دمٍ جديدٍ، ولكن.. لا زروال أصدر بيانا ولا الرئاسة كذلك، وهذا من باب الوفاء بالعهود والعقود بين الأفراد والجماعات واستلهام رسالة أول نوفمبر 1954 التي كانت خلاصة فكر سياسي وطني.

و لعل التركيز على شخص الرئيس الأسبق اليانمين زروال فلأن هذه الأخير يمتاك انصارا داخل المؤسسة العسكرية ويمتلك نفوذا مباشرا عليهم، ثم أن الرئيس الأسبق اليامين زروال ورفاق دربه أيام الثورة الذين مازالوا على قيد الحياة، يمثلون نخبة الجزائر سياسيا وعسكريا، وبالتالي فهم  مطالبون اليوم بالتدخل العاجل والسريع لإخراج البلاد من الأزمة وتعزيز شرعية الحاكم والحفاظ عليها إن تطلب الأمر، هذه الشرعية التي يمنحها المحكوم  (الشعب) للحاكم، خاصة وأن هذه الشرعية كما يقول  المنظرون في عالم السياسة  تعرقلها جهات خارجية تصر على بقاء الوضع في الجزائر على حاله، وتضرب مصداقية الشعب الذي قال كلمته، وخرج إلى الشارع يطالب بالتشبيب والتجديد وتغيير الوضع،  ومن هذا المنطلق وجب على زعماء الثورة الجزائرية وقادتها أن يفصلوا في الأمر ويحددوا لمن تمنح هذه "الشرعية المشروعة"، وأن يوضحوا مفهومها أولا، طالما هي مرتبطة بالحكم الراشد، الذي يرتكز على ثلاثة محاور أساسية هي: " بناء الديمقراطية، حرية التعبير واحترام الحريات الفردية"، خاصة وأن هذه الشرعية منقسمة وغير منسجمة، أي الشرعية الداخلية والشرعية الخارجية وعلى رأسها فرنسا  والولايات المتحدة الأمريكية اللتان تتابعان الأحداث باهتمام شديد لما يحدث وتسعى كل واحدة منهما إلى فرض إملاءاتها  على الحكومة  الجزائرية وإقناع الرأي العام بما يناسب مصالحها هي، وتضغط على السلطة الجزائرية كي لا تحتكم إلى الإرادة الشعبية.

الصراع حول الإنتخابات الرئاسية المقبلة ورفض الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة ليس بسبب مرضه، لأن الرئيس سقط أسير المرض في 2013 وأعيد انتخابه بطريقة أو بأخرى في انتخابات 2014، لكن المشكل هو "جهوي"، لأن معظم من في الحكم هم من منطقة الغرب،  ما كشفه الإعلامي رياض الصيداوي في دراسته بعنوان : "صراعات النخب"، نشرت في أسبوعية الأطلس المحظورة  أنه في 04 جانفي من سنة 1999 كانت مكالمة هاتفية تنصتت عليها المخابرات الفرنسية جرت بين الجنرال اسماعيل العماري رئيس قسم مكافحة التجسس والأمن الداخلي في المخابرات الجزائرية والجنرال صنهاجي القائم  بالأعمال العسكرية في سفارة باريس، حيث طلب فيها العماري من صنهاجي التدخل لدى صديقه سيد أحمج غزالي للتخلي عن ترشحه لفائدة بوتفليقة، خاصة وأن الإثنين من منطقة الغرب المفترض أن تكون القاعدة الصلبة  لبوتفليقة، حتى أن العماري كانت له رغبة قوية في ترشيح مولود حمروش، ولو افترضنا أن السلطة تصرُّ على أنيكون الرئيس القادم من منطقة الغرب، كان على حزب جبهة التحرير الوطني أن يختار مرشحا من الغرب مثل الطيب لوح، أو عبد الحميد سي عفيف، طالما أنه ممنوع على أن يكون الرئيس الجزائري  من الشرق أو من الجنوب، وهو ما حدث في انتخابات 2004 والإنقلاب على مرشح الأفلان رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، لا لشيئ إلا لأن هذا الأخير من منطقة الشرق، تجدر الإشارة أن الرئيس اليامين زروال كان قد أبدى عن موقفه سابقا، عندما خرج عن صمته، وأصدر بيانا تناول فيه الأوضاع الجزائرية خاصة ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، منتقدا في ذلك  حكم بوتفليقة، وقال إن منصب الرئاسة مهمة ثقيلة عقليا وبدنيا .

الجزائر مهددة المصير والمستقبل الوطني برمته

كانت هذه مجرد ملاحظات قد تصلح لصياغة  فرضيات تأخذ بعين الإعتبار المتغيرات التي تعيشها الساحة السياسية في الجزائر، ووضع تصورا دقيقا لإتجاه محدد نحو الواقع الإجتماعي والسياسي، فليس سرا  كما قال العقيد محمد الصالح يحياوي بأن الجزائر تتفاقم يوميا تداعيات أزمتها ومخاطر محنتها الأليمة وبآفاق لا زالت غامضة ومربكة للجميع، بل مهددة المصير والمستقبل الوطني برمته،  عندما تساءل إذا ما كان التداول على السلطة خيار وضرورة وطنية،  فهاهو التاريخ يعيد نفسه  في الجزائر التي ما تزال تبحث عن رئيس يقود البلاد، والجميع يقف في حيرة وحسرة وخوف على مساقبل البلاد وقيم النضال والوفاء للوطن وأيضا لقيم الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية وسيادة وأمن الشعب الجزائري، لقد شخص العقيد محمد الصالح يحياوي قبل وفاته الإنتخابات الرئاسية ووضعها تحت المجهر حتى لا نقةل على طاولة العليات الجراحية، منذ مجيئ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلىلا سدة الحكم في 1999، وقال أن هذه الإنتخابات كانت فرصة ذهبية للوطن لتأكيد نهائي وحاسم لسيادة الشعب، كما كانت فرصة ذهبية لحزب جبهة التحرير الوطني، لكن أخطاء قيادة  الجبة في تلك السنة ( 1999) قد تحولت مع الزمن إلى خطايا سياسية كارثية.

و قال يحياوي أن الأحزاب السياسية هي مبادئ وبرامج ومواقف وسياسات وليست ابدا اشخاص وزعامات وامتيازات وصراعات من أجل السلطة للسلطة فقط، وكما قال هو فقد أضاعت جبهة التحرير الوطني وقيادتها الفرصة وأهدرت  المناسبة الثمينة لتاكيد شرعيتها الشعبية، ونحن بدورنا نقول ان حزب جيهة التحرير الوطني لم يستمع إلى نبض الشعب، ونبض قواعده النضالية، لما أجبرهم على التوقيع على استماارت تريح بوتفليقة لولاية جديدة، بحجة الإنضباط، ولو أن هذه التوقيعات هي شكلية، ولا يختلف إثنان أن المناضلين يغيرون مواقفهم يوم الإقتراع ويمنحون أصواتهم للأفضل، لكن الأفلان اليوم لم يحترم إرادة الشعب السيد في القرار والخيار، كون المجتمعات من وجهة نظره وحدها تعيد صياغة مستقبلها جيلا بعد جيل بوسائل ثلاث هي:  (تواصل دائم، تعلم نافع وتشريع عادل)، وقد وضع العقيد محمد الصالح يحياوي رحمه الله يده على الجرح عندما قال: " إن لغة الشعب  وكرامته وكبريائه ومعتقداته لا يمكن أن تنزل بقرار سياسي أن رئاسي إلى مستوى الطابوهات الشخصية اليوم وغدا وفي بلاد العالم المتحضر، والترشح لرئاسة حق دستوري مشروع للحجميع مادام الحكم السيد في النهاية في حديثه عن الإنتخابات الرئاسية والتدول السلمي الديمقراطي على السلطة.

و كما قال  الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في مقال له بعنوان: "الإنتخاب...و الإكتئاب" نشر بجريدة البصائر عدد 856 بتاريخ 07 ماي 2017  ما يكون لنا أمام الخطاب العنصري الفرنسي والأمريكاني أن يطأطئ الشعب الجزائري رأسه وهو يلاحظ جزءًا عزيزا من وطنه يسام الخسف، ويعاني القصف ويهدد بالنسف، هذا الخطاب وجب أن يحجب عن الإنيسان والإنسانية، لأنه خطاب لا إنساني، وبالتالي فعلى كل إنسان عاقل  أن يقف "ضد" وأن يحشد كل الطاقات لهدم التبعية الأجنبية حتى لو كانت في صالح الجزائر، محذرا من أن يتحول الإنتخاب إلى الإكتئاب والإضطراب ثم الإنتحاب وسوء المصاب، وأوضح أن الإنتخابات امتحان مصيري عسير.. إلى أن يقول: إن الوطن يتسع لكل أبنائه، أيّا كانت قناعتهم  وأيًّا كان مذهبهم، وأن الوطن غفور رحيم، فلا نجعل من الإنتخاب  وسيلة للإكتئاب أو الإنتحاب، بل نريده مادة لتعميق الإنتماء والإنتساب وفي ذلك فصل الخطاب، على العموم يظل الرئيس بوتفليقة الذي قضى 20 سنة في الحكم يصنع الحدث، حتى وهو طريح فراش المرض، وحتى وهو مقعد على كرسي متحرك، ليس لأنه مجاهد أو "زعيم"، وإنما الذين منحوه هذه المدة هيا لهم أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مبعوث من الله كما قال مسؤول في حزب سياسي، أي أنه نبيٌّ وأن المحيطين به هم " الصحابة"، وهذه قمة الخزعبلات السياسية حتى لا نقول أن الذي يمثل الحزب القوي وعاءً بدأ يخرّف.

 

علجية عيش بتصرف

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم