صحيفة المثقف

فسحة للبوح مع الكاتب والروائي العراقي علي غازي

751 علي غازيرسالتي للكتاب الملتزمين نبذ التطرف والتسلط وتغييب الفكر

يرى الكاتب العراقي علي غازي أن مفهوم الثورية فيه نوع من الفخامة التي لا تناسب واقعنا المربوط بثقل موروثه التأريخي، باعتبارها أسلوب من أساليب التغيير الإجتماعي، قد تؤدي إلى غاية إسقاط النظام، غير ان الكاتب علي غازي قد زاوج بين الثورة والثورية واستعملها في مجالات غير سياسية أي أنه أعطاها طابعا فنيا وثقافيا طالما الثورة تعني التغيير، وقال أن الثورة تحتاج إلى دعم جماهيري يتخطى الطائفية والهويات الشخصية حتى يصح عليها الاسم، ووفق المفهوم الإشتراكي لا يمكن أن تكون ثورة بلا نظرية ثورية، في رسالة وجهها للمبدعين العرب قال الروائي علي غازي: رسالتي كرسالة بقية الكتاب الملتزمين، في نبذ التطرف والجهل والتسلط وتغييب الفكر، يتحدث علي غازي في هذه الدردشة القصيرة عن أزمة المقف العربي وعلاقته بالسلطة ودوره في رسم الواقع العربي

سؤال/ الحركة الثقافية الثورية في الساحة العربية لم يعد لها وجودا، هل السبب يعود إلى أن المثقف الثوري غاب عن الساحة ما رأيك؟

- مفهوم الثورية، حسبما أرى فيه نوع من الفخامة التي لا تناسب واقعنا المربوط بثقل موروثه التأريخي، إذا تتبعنا الموضوع بدقة، سنجد الكثيرين لا شك، مارتن لوثر، روسو، غيفارا، لكن تأريخنا العربي ليس كذلك، فالمثقف هنا، مجرد ضحية لمجتمع أحادي النظرة، ولك ان تتصوري الحلاج، صراعات ابن رشد وابن سينا، بل أننا لا نكاد نرى شاعرا أو فيلسوفا في أي عصر من العصور، قد انتهت حياته بسلام، في العراق هناك موروث ضخم من الأسماء اللامعة التي قارعت حتى آخر نفس ظلم السلطة والدين والمجتمع، لكن لا يمكن إطلاق تسمية ثورية عليهم، حسب وجهة نظري، لأن الدائرة جدا ضيقة، والتأثير بقى في الإطار المعروف لدينا جميعا، لذلك كنا دائما نقول أن مجتمعنا ضحل ثقافيا، ومتقوقع على نفسه لدرجة أن تكون أولوياته منحصرة في سلسلة مطالب حياتية كمالية وليست فكرية.

سؤال/ مفهوم الثورية مصطلح شائك ومعقد، فكيف نقيم إذن ما يحدث في العراق وسوريا واليمن، هل هذا يعني ان البلاد العربية تفتقر إلى ثوريين؟

- وجب هنا أن نفرق بين الثورية والإيديولوجية، وما يحدث الآن هو صراع الآيدلوجيات وليس ثورات وأظن الفارق كبير ولا يحتاج إلى تعليل، فما يحدث في هذه البلدان معروف، الدموية والغلو في استخدام العنف لدرجة التطرف، ليس له أي مبرر أخلاقي، وإذا أردنا وصفه بأنه ثورة ينبغي علينا أيضا أن نصف الطرف المقابل بذات الكيفي، لا يكفي أ نرفع الشعارات بخلفية اثنية أو ثانوية تخص أفرادا، لنحصل على لقب ثورة أو ثورية، لأن الثورة في جوهرها، تحتاج إلى دعم جماهيري يتخطى الطائفية والهويات الشخصية حتى يصح عليها الاسم، وشرعيتها تأتي من التفاف الجميع حولها، وفهمها بالطريقة التي فهمتها بها كل الشعوب الأخرى، وهذا ما يجعل التمييز سهلا بين صناع العبث والفرسان الحقيقيين،

سؤال/ إذن القضية تتعلق بالمثقف والسلطة؟

- نعم وهو المحور الذي جعل من المثقف مجرد أداة بيد السلطة، ومعروف أن الإستبداد السياسي احتكار الحكم ومنع أي مشاركة للشرائح الشعبية والقوى المختلفة من تقاسم السلطة، والحقيقة أن الثورات الشعبية والنظرية الثورية وغياب دور المثقفين وحتى المفكرين والفلاسفة غائي أو مغيب لا فرق، حتى وإن تغاضى البعض عنه في مرحلة الزخم الثوري والتعاطف مع تطلعات الشعوب وحركات الجماهير .

سؤال / لنعد إلى الجانب الإبداعي، كيف تكونت القصة القصيرة في الوطن العربي وماهي الرسالة التي تؤديها القصة القصيرة.؟

- لا توجد مقاربات نظرية مؤكدة حول أصول نشأة القصة القصيرة العربية وإن كان البعض يرى أنها قديمة وموجودة بصيغة من الصيغ في السير والمغازي أو حتى المقامات، ولربما سنكون غير منصفين، إذا لم نشر إلى جهود جبران وجرجي زيدان والمنفلوطي، ورغم أن تجربتهم لم تكن على نحو عميق، بحيث يسهل تجنيس كتاباتهم على أنها قصص قصيرة مكتملة من حيث الشكل، لكنها فتحت الطريق خصوصا بعد الثورات العربية وحركات التحرر، منتصف القرن العشرين، أمام طبقة متنورة ليبرالية التوجهات، تأثرت بالثقافات الغربية وكتابها الكبار، كتشيخوف وموباسان، وجويس، وفي العراق على وجه الخصوص هناك أسماء لها فضل الريادة في المشهد الثقافي وكانت كتاباتهم تتحدث عن الهموم اليومية والفقر والتعبير عن الصراع النفسي بصورة ناضجة جدا، كيوئيل رسام، أنور شاؤول، عبد الملك نوري.

سؤال/ هناك اسماء مرموقة في الساحة الإبداعية العربية؟ هل تاثرتم باسم من هذه الأسماء؟

- إذا أردنا الإنصاف أكثر، في الحديث عن الموضوع فلابد طبعا من ذكر ذلك الجيل الذي كان لهم التأثير الأكبر على الساحة الثقافية، كفؤاد التكرلي، عبد الرحمن مجيد الربيعي، عبد الستار ناصر، محمد خضير، عائد خصباك، وارد بدر السالم وغيرهم الكثيري.، ولدينا اليوم مئات الأسماء المرموقة التي تكتب القصة القصيرة في الوطن العربي أشهرهم من العراق وسوريا والمغرب، ولهم تأثير جدا واضح على بقية الكتاب العرب، وفي رأيي البسيط، أن القصة القصيرة، لها قابلية مرنة على إلفات نظر القارئ، ليس من ناحية الحجم فقط، بل ما تتميز به من إمكانية خلق مساحة للأفكار الملحة ومعالجتها بأسلوب سلس وخالي من التعقيد

 سؤال / ماهي اهم التطورات التي شهدتها الرواية العربية

 - أظن أن روايائيينا العرب متأخرون بمراحل عن أقرانهم في أوروبا وأمريكا اللاتينية وحتى اليابان، ففي الوقت الذي ظهرت روايات مثل الطاعون، الغثيان، مئة عام من العزلة، والصخب والعنف، ظل البعض من الكتاب العرب يكتب بصورة نمطية وبمسميات عدة، كالواقعية، التي عنت للبعض الهبوط في التفكير لمستوى أبناء الحارات والفتوات والبلطجية، صحيح أبدع البعض روايات خالدة كموسم الهجرة إلى الشمال، وشرق المتوسط وبعض كتابات حنا مينا، لكنها ظلت تجارب فردية، لم تحسم النقاش حول تأثيرها إلا في وقت متأخر من القرن العشرين، حيث بدأت الكتابات تتغير وتتلون وتتعدد أساليبها مستفيدة من المدارس النقدية التي تطورت باطراد ملحوظ وعلى يد منظرين كبار.

 سؤال/ أحيانا يستعمل الروائيون الأسلوب الرمزي في كتاباتهم، لماذا التخفي في رأيك؟

- حسب وجهة نظري، هناك سببان، الأول متعلق بالأسلوب فالرمزية أداة من أدواة الكاتب، ومن خلالها يمكن ان يحقق نقلة في وعي قراءه، وتجاوز النمطي والمعتاد، والثاني يتعلق بالظروف التي تحيط كتابنا العرب فهم إما محبطون، وإما خائفون، حيث السلطة وممارساتها التعسفية، أو المؤسسة الدينية وسلوكها المتأرجح بين التأريخي والتجديد المتحفظ أصلا حتى في أرقى أشكاله، وهذان الأمران باعتقادي كافيان لتستر الكاتب وراء الرمزية لإيصال أفكاره.

 

سؤال/ هل قدمت الرواية العربية شيئا ما للمواطن العربي، أم أنها حوصرت فقط في الجانب الأدبي لغاية المتعة؟

- الرواية ليست وسيلة نقل أحداث كالصحف والقنوات الإعلامية، بل هي وسيلة تخاطب وحوار، ومنظومة معقدة لطرح الحقائق وإعادة هيكلتها، والروائي عندما يؤسس وجهة نظر غير تقليدية، سيصطدم بأسوار عديدة، وتحطيمها يحتاج جهدا ليس من قبله فحسب، بل حتى من قبل القارئ. وما أعرفه أن الوعي الجمعي لشعوبنا العربية، لا يزال متأخرا بمراحل، ولوائحه السوداء عريضة. كما أن القارئ العربي تعود النمطية واستعداده لتجاوزها يبقى محدودا على كل حال، لأن القاعدة ضعيفة وضيقة الأبعاد، لذلك فالحديث عن ذاك التأثير يبدو لي، فارغا مالم تؤطر العلاقة بين الطرفين وفق جدلية التفاعل المبني على التفهم العميق.

سؤال/ ماذا كانت رسالتك للقارء العربي من خلال ما كتبته؟

- في كتاباتي تناولت الكثير، بدءا بهموم المرأة وصراعها مع مجتمع ينظر لها كأداة تفقد بريقها مع أول إنكسار، ومرورا بأجواء الحروب والفقد، وضياع الاوطان، وفي كل ذلك كنت أؤكد على جملة مفاهيم، كإحترام الآخر، والتعايش معه رغم إختلافاته، وأن ما تعودنا عليه ليس بالضرورة أن يكون الطريقة المثلى لمواصلة الحياة وفهمه، ورسالتي كرسالة بقية الكتاب الملتزمين، في نبذ التطرف، والجهل، والتسلط، وتغييب الفكر، أنا لا أدعي أني مثالي، أو كاتب بارع من الطراز المتقدم، لأني في الغالب، أكتب ما أراه ممكن التناول، بمعالجة صحيحة تضمن تكامل العمل، أما إن كان ما أكتب قابل للفهم وفق ما أردته أنا، فذلك لا يهمني، لأن عقيدتي ممنهجة وفق المبدأ القائل بموت الكاتب، والقارئ، في النهاية حر في الفهم حسب ما لديه من ثقافة.

 

حوار علجية عيش

.........................

بطاقة فنية:

 الروائي العراقي علي غازي من مواليد 1968 صدرت له عدة أعمال منها: الفصول الأربعة وهي عبارة عن مجموعة قصصية نشرت بالقاهرة سنة 2017، وقصص قصيرة جدا بعنوان : ذهبوا مع الريح طبعة العراق - 2018، إعدام شيوعي، تحت الرماد، أربع روايات قصيرة، منها روايته الأخيرة سيبورا صدرت في 2019، وكما هو ملروف يجمع علي غازي في كتاباته بين القصة والقصة القصيرة والرواية، قال عنه النقاد أن كتاباته تختلف عما يكتبه الآخرون، وأن نظرته للرواية تختلف كذلك عن التي يراها الروائيون أنفسهم بأنها فن أدبي يعتمد على الحبكة والأماكن، ولا تخرج عن كونها تقدم فائدة معلوماتية، إلا أن كتابانه تميزت بتفاصيل واقعية وإنسانية دقيقة، وتبين أنه يحمل مشروعا فكريا.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم