صحيفة المثقف

اسم على مسمى

صحيفة المثقف: "يمه عبالك حية" هذا ما بدر لذهن المولدة لحظة رأته لكنها لم تنطق - خشية أن تنقص مكافأتها - بل زمت شفتيها عنوة وهي تضعه في حجر أُمه حتى لم تخطر ببالها عبارات التهنئة المعهودة وحين نظرته أُمه التي كانت ابتسامتها تشع فتنير وجهها لأنها أنجبت أخيراً الذكر الذي ينشدانه هي وزوجها نظرت اليه فتقلصت شفتاها على ابتسامتها وهي تقول لنفسها بصوت هامس

: "عيونه مثل الحية" رحلت ابتسامتها بلا رجعة . ثم انتبهت الى أًم زوجها وهي ترتد شيئاً ما عن الطفل بعد النظرة الأُولى لكنها أرغمت نفسها على تقبيله وتهنئة أًمه . وأخيرا جاء الزوج فقد أتمت المولدة عملها وخرجت لتبشر الرجل بوليده وتدعوه لرؤيته .

ما كاد الأُب ينحني على الطفل حتى هتف مروعاً بصوت لم يحضر نفسه لكتمانه

: " هذا حية "

ثم اسماه " ثعبان " وبذا كرّس اسمه الصفة فيه . نفرت منه أُختاه أولا ثم الآخرون .

وفي الجوار لم يحبذ الأطفال أن يلعبوا معه أمام منازلهم ولا على الأرصفة ، أما في المدرسة أول التحاقه بها وحين وقفت المعلمة عند اسمه ثم قرأته بصوت عال وهي منحنية فوق سجل الأسماء وقد ظنت إن في الكتابة خطأ ما ... هناك من أجاب نعم فقالت له دون أن ترفع رأسها

: قف

ولما رأته قالت

: هه أنت اسم على مسمى إذن نفر الطلاب منه ومن اسمه وقرروا مع أنفسهم وفي سرائرهم الا يلعبوا معه . فظل وحيداً وإن كان لهذا نفع وأثر حميد فهو سعيه جاداً الى طلب العلم في كل مراحل الدراسة فليس له أصدقاء يشغلون من وقته جزءاً . كان صديقه الوحيد كتابه لذا تفوق في كل المراحل وعوض النقص بطلب العلم والانصراف الى المعرفة لنيل التفوق . في ثانوية الناحية المختلطة كان يرى بعض الأحيان سهاماً للمودة تنطلق من العيون في غفلة من العيون لكنه طبعاً كان خارج قوسها ومرماها . وتكرر ذلك في الجامعة فظل فريداً ورضي بالتفوق بدلاً . طوال حياته لم يدع للمشاركة في ايما فريق رياضي لذا كانت رياضته الوحيدة هي السير الحثيث فكان يصل في سيره الى ركن من المدينة يغيره بين آن وآخر فيجلس على صخرة أو حجارة أو حتى على الأرض مباشرة ليفكر ويفكر حتى يتلبسه السأم فيعود الى داره والى حجرته ليقرأ ويقرأ .

تخرج طبيباً من أوائل دفعته وعين حيث أراد ولما حان وقت زواجه اختار زميلة له فتقدم مباشرة لذويها خاطباً دون استشارتها وبغير تمهيد للأمر خشية رفضها وهذا ما حدث فعلاً . كان خلوقا ً جداً واسمه ألجأه الى حياء إجباري، غير إن أحداً لم يحبه أبداً ولا أمه التي كان يرضيها بشتى الوسائل .

ومع إن صفة عينه ضؤلت عبر الزمن غير إن الاسم لا ينفك يذّكر بها وأخيرا في إحدى الليالي وقد طفح كيله وضاقت نفسه كتب طلبين وكان أحدهما عاجلاً حيث تفرغ لمتابعته منذ الصباح الذي انبثق بعد تلك الليلة فأخذ إجازة ومضى الى مركز القضاء وقصد محكمة الأحوال الشخصية ليرفع لها "طلب تغيير اسم" أما الطلب الثاني فقد احتفظ به حتى يتم له الأمر الأول وفيه " طلب نقل لمحافظة بعيدة لا يعرفه أحد فيها .

***

سمية العبيدي - بغداد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم