صحيفة المثقف

حوار مع الحاصل على جائزة نوبل ماريو فارغاس وحديث عن:

979 vargas2قوة الأدب والقومية الجديدة والحُب في عمر الــ ٨٣.

أجرى المقابلة: الصحفية يودت ليره*

ترجمها عن الألمانية: بشار الزبيدي

***

مقدمة:

يعيش ماريو فارغاس يوسا خلف أسوار عالية في أحدى الأحياء الغنية في شمال مدينة مدريد. جيرانه هم سفراء دول الكويت والجزائر وفنزويلا. عندما ذهابنا لمنزله انفتحت بوابة ضخمة قبل أن يفتح الخادم الذي يرتدي  زي رسمي وقفازات بيضاء باب الفيلا الكبيرة المؤدي إلى مكتبة الكاتب ماريو فارغاس. أرض المكتبة مفروشة بسجادة فارسية، والنوافذ محجوبة بستائر خضراء مخملية. على الطاولة صندوق خشبي كبير مليء بالسجائر. وفوق الموقد لوحة زيتية لشريكة حياته الحالية (إيزابيل بريسلر)، المُكناة بلؤلؤة مانيلا. يجلس الحائز على جائزة نوبل للأدب ماريو فارغاس اوسا أمام مكتبه الضخم على كرسي ذو ذراعين جلديين وهو يرتدي بنطال بيج وقميص كتان أخضر غامق وقدميه الحافيتين موضوعتين في خُفان جلدية. يُعتبر الكاتب البيروفي واحد من أهم الكتاب المعاصرين، وقدم مؤخراً سيرته الذاتية الفكرية في كتابه الجديد "نداء القبيلة".

الحوار:

الصحفية: كيف ينبغي لنا مُخاطبتك؟ كونت ماريو فارغاس يوسا؟

ماريو: لا ..ماذا تقصدين، يكفي أن تُناديني ماريو.

الصحفية: لكنك تحمل هذا اللقب: يا سيد ماريو فارغاس يوسا.

ماريو: أوه، لا، هذا هو لقب النبلاء الذي منحني إياه ملك إسبانيا بعد حصولي على جائزة نوبل. وأنا لا أستخدمه

الصحفية: هل تكتب هنا في هذه القاعة الفخمة؟ هل كتبت في هذا اليوم؟

ماريو: نعم. أكتب كل يوم. أنا دائماً أعمل. ساعات الصباح هي المفضلة بالنسبة لي. ابدأ مُبكرًا، في الساعةِ الخامسةِ. وعند الساعة السادسة، أمارس الرياضة  البدنية لمدة ساعة لأني أبقى جالساً طوال اليوم. بعد ذلك أستحم، أتناول الإفطار، وأقرأ الصُحف، ثم أباشر العمل. أنا أكتب حتى الساعة الثالثة. هناك كُتاب الليل وكُتاب النهار. أنا أنتمي  لكُتاب النهار.

الصحفية: أتكتب كل يوم؟

ماريو: نعم كل يوم، حتى يوم الأحد. لأني أكتب مقالات صحفية.

الصحفية: لقد كتبت 59 كتابًا في 55 عامًا. ما الذي تعمل عليه حاليًا؟

ماريو: أنا أكتب في رواية تدور أحداثها في غواتيمالا في عهد الرئيس جاكوبو أربينز. والذي نُظم ضده عام 1954 انقلاب من قبل وكالة المخابرات المركزية. كان الأمريكيون متوترين بشكل رهيب لأنهم اعتقدوا أنها كانت ثورة شيوعية. لكنها كانت حكومة ديموقراطية اجتماعية. قُتلَ خلف أربنز، كاستيلو أرماس، في ظروف غامضة بعد ثلاث سنوات، وهي عملية اغتيال لم يتم توضيح ملابساتها ابداً.

الصحفية: أنت تسافر كثيرًا، وتكتب أيضاً في نفس الوقت؟

ماريو: أكتب في كل مكان، حتى في غرف الفنادق، سأقوم بهذا الأمر أيضاً في يوليو في بيرو وألاسكا. على الأقل بضع ساعات في اليوم. حتى عند السفر، أحافظ على حيوية مشاريعي: سيما مقالاتي ورواياتي. يُمكن أن تكون اوقات الاستراحة والانقطاعات قاتلة. أنا بحاجة لهذا النشاط، وإلا سأقتل نفسي.

الصحفية: لقد قلت ذات مرة: إذا لم أتمكن من الكتابة، فسأطلق الرصاص على نفسي.

ماريو: هذه هي الحقيقة الخالصة. إذا لم أكتب، كنت سأقتل نفسي بالفعل. (يضحك بصوتٍ عالٍ)

الصحفية: هل ما زلت تكتب بنفس هذا الشغف؟

ماريو: دائماً. هذه هي حياتي، وجودي. الكتابة هي طريقة للحياة. حياتي تدور حول عملي ككاتب. ابحث كثيرًا ودائمًا، وليس بالضرورة أبحث عن الحقيقة التاريخية، أو لأني امنح نفسي الكثير من الحريات، وإنما لأكون قادرًا على التماهي مع الحقبة والشخصيات.

الصحفية: قال فيليب روث إنه لم يبق له شيء للكتابة في سن الشيخوخة.

ماريو: الأمر مختلف معي. سوف أموت إذا لم أتمكن من كتابة ما لا يقل عن عُشر المشاريع التي ما زالت في ذهني. ما زالت هناك عشرة كتب على الأقل لأكتبها.

الصحفية: ما الذي يُلهمك؟

ماريو: الحياة. لم أكتب شيئا، لم يكن مُتعلقًا بحياتي. هذه هي الموضوعات التي تحفزني، الأشياء تحدث لي. تجارب معينة تلامسني بعمق في عقلي الباطني.

الصحفية: أنت آخر الناجين من هذا الجيل من كتاب أمريكا اللاتينية العظماء.

ماريو: نعم، جيل الازدهار.

الصحفية: غارسيا ماركيز من كولومبيا، وخوسيه دونوسو من شيلي، وخوليو كورتاثر من الأرجنتين، وكارلوس فوينتيس من المكسيك.

ماريو: إنه امتياز مُحزن، لكن هكذا هي الحياة. الكثير من الأصدقاء ماتوا.

الصحفية: هل تفتقدهم؟

ماريو: فلنقل، كان وقتًا رائعًا، حقبة اكتشفت فيها أوروبا والولايات المتحدة واكتشف فيها العالم أدب أمريكا اللاتينية، الذي كان موجوداً منذ فترة طويلة ولكنه كان حبيساً. لم يغادر أمريكا اللاتينية. وفي وقتٍ واحد، في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، تم اكتشاف أدب أمريكا اللاتينية. وحتى أمريكا اللاتينية نفسها بدأت في قراءة وإعادة اكتشاف مؤلفيها، مثل خورخي بورخيس.

الصحفية: حقبة مؤثرة.

ماريو: نعم، خاصة لأننا اكتشفنا أن لدينا هوية أمريكية لاتينية مُشتركة. عندما كنت في بيرو، لم أكن أعرف ماذا يكتب المرء في كولومبيا والإكوادور وشيلي، باستثناء ربما بابلو نيرودا. لم يكن لدينا أي فكرة ماذا يعني أن تكون أمريكي لاتيني. كانت المرة الأولى التي شعرت فيها بهذا الشيء، عندما كنت أعيش في باريس. وذلك عندما بدأت في قراءة أدب أمريكا اللاتينية. كان من المُلهم أن نشعر بأننا، من المكسيك والأرجنتين وبيرو، ولدينا نفس الجذور.

الصحفية: لكنك لا تفتقد غابو، غابرييل غارسيا ماركيز؟

ماريو: صداقتنا وأخوتنا تحطمت بفعل الخلافات السياسية. كما هو الحال دائماً. حيث بدأت الانقسامات، المشاجرات. ولكن الحقيقة: كانت هناك دائما صداقة نجت من هذه الخلافات السياسية.

الصحفية: هل هناك أصوات جديدة في أدب أمريكا اللاتينية؟

ماريو: بالتأكيد.

الصحفية: من هم؟

ماريو: على سبيل المثال، البيروفي ألونسو كويتو. عمره يزيد عن 50 عامًا، لكنه يبدو مثيراً للاهتمام بالنسبة لي، فهو بارع للغاية، لأن كتاب أمريكا اللاتينية لم يعودوا اليوم ضيقي الأفق. ولا يقفوا عند حدود بلدانهم. وقد أعطى هذا الأمر أدب أمريكا اللاتينية رؤية دولية أكثر حداثة. على النقيض من الحياة السياسية، التي ظلت محدودة، وضيقة الأفق كثيراً.

الصحفية: ماذا تقرأ حالياً؟

ماريو: اقرأ الكلاسيكيات، وقراءتها مراراً وتكراراً. في سن مبكرة، قرأت أولئك الذين اناروا طريقي مثل: فلوبير، فوكنر، وحتى سارتر، الذي نأت نفسي منه كثيرًا، ولكن كان هناك وقت، أثر فيه سارتر تأثيرًا كبيرًا عليَ. ما أجده مثيراً للاهتمام اليوم هو أن هناك الكثير من الكتاب، في جميع البلدان، وهناك حياة ثقافية غنية، لم تكن موجودة معنا. وقد تضاعف عدد الكُتاب الشباب، مما يُصعب علينا متابعتهم.

الصحفية: اعتَقَدَ سارتر أن الكاتب يُمكن أن يؤثر على القصة. هل انجزت ذلك؟

ماريو: هذا الأمر صعب القياس. فهو شيء غير مرئي، لكنني أعتقد أن الأدب يؤثر على الناس وله آثار اجتماعية وسياسية. بدون شك.

الصحفية: حتى اليوم؟

ماريو: أنا مقتنع بذلك. لكن في الحياة العصرية، يبدوا هذا الأمر أكثر صعوبة. أصبح الأدب ثانويًا بالنسبة للأنشطة الأخرى مثل الموسيقى والأفلام والتلفزيون - والتي لها تأثير أكبر. تم دفع الأدب إلى الحافة. لكن الأدب ما يزال أقوى وسيلة لنشر الأفكار. لسوء الحظ، في حياتنا اليوم، الأفكار أقل أهمية من الصور. فنحن في زمن ثقافة الشاشة.

الصحفية: هل هذا جيد أم سيء؟

ماريو: المجتمع الذي يضم العديد من القراء أكثر حرية وأكثر نقداً. أحد  تأثيرات الأدب هو إنتاج الناقدين لذوي السلطة. أن الشعب الذي لا يقرأ ،يَسهُل التلاعب فيه. القُراء الجيدون هم المتمردون، بالمعنى السياسي والديني والجنسي. الأدب ليس مجرد ترفيه. بالتأكيد، قراءة شكسبير مُسلية أو سيرفانتيس وجوته وتوماس مان، هذا رائع. ولكن بعد بعد تجاوز هذه المتعة نحصل على المزيد. والفكرة هي أنه إلى جانب حياتنا، هناك حياة أخرى أكثر كثافة وأكثر غنى. هذا يخلق فينا نوعاً من التمردِ ضد الواقع. وهذا بدوره محرك التقدم.

الصحفية: هل انت مُتمرد؟

ماريو: أعتقد نعم. أعتقد أنني مُتمرد. فقط لأنني قارئ نهم. أعتقد أن الأدب الجيد يجعل القُراء نُقاد جيدين في العالم.

الصحفية: ماريو، يا لها من مكتبة فاخرة. هل قمت بتصميمها؟

ماريو: لا. هذا صعب التفسير. إنها مكتبتي الآن، ولكنها كانت تخص زوج زوجتي السابق. كان وزيراً للشؤون الاقتصادية في عهد الرئيس الاشتراكي فيليب غونزاليس.

الصحفية: هل هذه كُتُبك؟

ماريو: كلا، هذه كلها كُتبهِ. لقد كان مُثقفاً. هنا خانة كاملة لكُتُب علم الفلك، هناك رياضيات، هناك للأمام كُتُب عن السفر، وجدار كامل من الكُتُب حول مصر القديمة.

الصحفية: وأين هي كُتُبك؟

ماريو: كُتُبي موجودة في منزل مُنفصل ، يقع في مكان قريب.

الصحفية: عمرك اليوم 83. هل تفكر في الماضي؟

ماريو: اتذكر بعض المراحل والأحداث بحنين، لكنني لا أعيش في الماضي على الإطلاق. أنا أحب الحاضر كثيراً، وغالبا ما أفكر في المستقبل. العمر يجعل الناس أكثر حكمة، يتعلم المرء التمييز بين ما هو مهم وغير مهم، ما هو عميق وما هو عابر، وهذه هي ثروتنا نحن كبار السن.

الصحفية: ما هو أكبر نجاح تمتلكه؟ جائزة نوبل للآداب؟

ماريو: لا. نجاحي بأنني أكتب عموماً. اخترت هذا العمل عندما كان الأمر صعبًا جدًا. إذا كان لديك مهنة أدبية في ذلك الوقت، ستبتعد عن المجتمع. كان من اليأس تمامًا أن يعيش المرء من الكتابة. هذا الأمر لا يمكن تصوره. شعر والدي بالقلق عندما اكتشف أني كتبت الشعر.

الصحفية: لقد صفعك والدك. وأرسلك إلى أكاديمية عسكرية لإبعادك عن الكتابة. كان هذا موضوع أول روايتك.

ماريو: كان يعتقد بأن ما أقوم به هو تذكرة مجانية للفشل. وأنني لن اكسب المال عن طريقه. وبأنني كنت شخص بوهيمي. هكذا كانت فكرته عن الكاتب. إما اليوم فقد أصبح الأمر أسهل بالنسبة لشاب يريد الكتابة. بالنسبة لي بدا ذلك ميئوسا منه. كانت الكتابة شيئًا يخص المحامين والمدرسين والأساتذة في أيام الأحد. لم يكرس أحد حياته للكتابة.

الصحفية: إذًا هذا أكثر أهمية لك من جائزة نوبل؟

ماريو: جائزة نوبل هي يانصيب. بعض الذين فازوا بها يستحقونها. والبعض الآخر استحقها، لكن لم يتحصل عليها. كان الفائز بجائزة نوبل الأولى شاعراً لم يعد يقرأ له أحد. كان اسمه برودوم، لا أحد يعرفه، حتى في فرنسا.

الصحفية: هل كانت هناك هزائم في حياتك؟

ماريو: بالطبع، هزائم، فشل، أخطاء،هذا أمر مؤكد.

الصحفية: هلا ذكرت لنا منها؟

ماريو: يجب على المرء أن لا يتذكر الفشل، إذ من الأفضل وصحياً، أن لا نسبح في الجروح. لكنني ارتكبت الكثير من الأخطاء. حاولت تصحيح بعضها وحاولت نسيان أخرى.

الصحفية: ألا تريد الافصاح عن أي خطأ؟

ماريو: كنت شيوعياً. كان ذلك خطأ فادح. كنت عضواً لمدة عام فقط في الحزب، لأن الستالينية كانت مُغلقة جدًا، وطائفية، ومُتعصبة، لدرجة أنني تحملتها لمدة عام فقط. لكن لفترة طويلة اعتقدت بأن الماركسية، الشيوعية الراديكالية ،كانت هي المخرج للبشرية  من الظلم.

الصحفية: لكن ماهو أكبر أخطائك؟

ماريو: الخطأ كبيرا، ما يراه المرء من فشل تام في المجتمعات الشيوعية. كتابي الجديد - نداء القبيلة - هو سيرة ذاتية تتعلق باكتشاف الديموقراطية والليبرالية على أساس خبرات ملموسة ومؤلفين مهمين، من آدم سميث إلى كارل بوبر إلى فريدريش أوغست. لقد كانت قضية شخصية بالنسبة لي: من الجماعية إلى مجتمع حُر وديموقراطي، إلى دولة قانون. لقد أثبت لنا الزمن أننا على صواب: انهيار الاتحاد السوفيتي، وتطور الصين إلى دولة رأسمالية، وإن كانت دكتاتورية. وانظر ماذا يحدث في فنزويلا الاشتراكية. إنه أمر مأساوي للغاية، فظيع للغاية، أي ينساق كل شيء في مثل هذه الأرض الغنية، إلى الخراب.

979 vargas1

الصحفية: ماذا تتذكر عن وقتك مع فيدل كاسترو؟

ماريو: كان لدي حديث واحد مطول مع فيدل كاسترو. في ذلك الوقت، كان لدي حماس كبير للشيوعية الكوبية، وكان جيلي بأكمله يشعر بهذا الحماس، بدا لي ذلك وكأنه تجربة خارقة بالنسبة لي. كنت مُعجبًا كبيرًا بالثورة الكوبية حتى اندلاعها.

الصحفية: كيف حدث ذلك؟

ماريو: كان سببها حادثة باديلا. كان هيبيرتو باديلا شاعراً ترك الشعر من أجل الانضمام إلى الثورة. أصبح وزيراً، كان نزيهاً تماماً. لقد سقط في السخط لمجرد أنه انتقد السياسة الثقافية، وليس الثورة نفسها. وضعه كاسترو في السجن وأتهمه بأنه يعمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية. يا لها من بلاهة. لقد اعترضنا في وقتها على ذلك.

الصحفية: احتج العديد من المثقفين اليساريين. كانت سوزان سونتاج من بينهم وخوليو كورتاثار وكارلوس فوينتس وهانس ماغنوس إنتزنسبيرغر.

ماريو: لقد كان انكسار كبير. وحتى ذلك الحين، كان مثقفو العالم يدعمون كوبا. فقد رأوا في كوبا حداثة وشيوعية ديموقراطية. أقر الكثير منا بأن ذلك لم يكن صحيحاً.

الصحفية: هل كانت تلك هي اللحظة الحاسمة - في حياتك أيضًا؟

ماريو: كانت واحدة من اللحظات. ولكن قبل ذلك، كان لدي دلائل. عندما أنشأوا معسكر UMAP). الوحدات العسكرية لمساعدة الإنتاج). في الحقيقة كانت هذه معسكرات اعتقال، تضمنت مجرمين معاديين للثورة ومثليي الجنس. كنت أعرف الكثير من المثليين، وثوريين حقيقيين، وشعراء، وراقصين، ورسامين، ومجموعة El Puente. لقد عانوا كثيراً  وتم إرسالهم إلى معسكرات الاعتقال، وقُتل بعضهم. منذ ذلك الحين بدأت الشكوك في داخلي وبدأت مسيرتي النقدية.

الصحفية: هل وجدت فلسفتك، والليبرالية، في وقت متأخر جداً.

ماريو: بالطبع، متأخر جداً. ذهبت إلى إنجلترا في سن السادسة والثلاثين، متأخرة جدًا. ولكن أن تكون متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً.

الصحفية: ما هي حالة عالمنا في عام 2019؟

ماريو: أود هنا أن أقتبس لــ بوبر. قبل أشهر قليلة من وفاته، جاء إلى إسبانيا. قال الصحفيون في المؤتمر صحفي: "العالم في حالة سيئة. فقال لهم: نعم، العالم سيء، يوجد الكثير من العنف، الكثير من الفقر، الآلاف من المشاكل. لكن إذا كنتم دائماً تعتقدون أن العالم سيء، تذكروا إن حالنا لم يكن أفضل أبدًا في تاريخ البشرية. أبداً. هذه الإجابة ينبغي أن تمنحنا الجرأة. جوابه كان صائب تماماً.

الصحفية: ولكن هناك الكثير من الفقر والظلم الدائم، لا سيما في أمريكا اللاتينية.

ماريو: لكن الظروف المعيشية تحسنت حتى بالنسبة لأولئك الذين هم في حالة سيئة للغاية. قبل ذلك كان شعورهم أسوأ. خاصة بالنسبة للشباب، من المهم ألا يقعوا في هذا التشاؤم الكسيح، وهذا هو أسوأ شيء بالنسبة للمجتمع.

الصحفية: كيف ترى الموجة الشعبوية الجديدة، والقومية في العالم؟

ماريو: هذه مشكلة كبيرة. الشعبوية لا تنفصل عن القومية. والقومية هي واحدة من أكبر الكوارث في تاريخ البشرية. فيما إذا كان هناك شخص يعرف بأن أوروبا هي التي خاضت حربين عالميتين بملايين من القتلى بسبب القومية. الدين وحده فقط من يسبب الكثير من الضحايا، وسفك الدماء، والظلم بالقدر الذي تسببه الشعبوية، التي تتمثل مقوماتها الرئيسية في القومية. على المرء محاربة الشعبوية والقومية بكل الوسائل، باسم الديمقراطية والحرية.

الصحفية: أوروبا يتم الاستيلاء عليها حالياً من قبل الشعبويين وأمثلة على ذلك: أوربان، فيلدرز، انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وحزب البديل من أجل ألمانيا.

ماريو: ما تفعله الشعبوية حاليًا أمر فظيع. وهذا يعني أن الذاكرة غير موجودة. بالأمس عشنا ما أفسدته القومية والآن منتشرة في كل مكان، حتى في إسبانيا.

الصحفية: من أين أتت الشعبوية بالذات في الوقت الحاضر؟

ماريو: أنه تفكير قبلي. الحنين إلى شيء لم يكن موجوداً. الحنين إلى مجتمع متجانس تمامًا ،يتحدث بنفس اللغة وله نفس العرق وذات الإله ونفس التقاليد. لم يكن هذا الأمر موجودة أبداً، أبداً، فقط في عهد رجال الكهوف، والهمجية. ولكنه هذا الحنين إلى الماضي يمنح الناس بطريقة ما الهدوء.

الصحفية: لكن لماذا ظهرت الان؟

ماريو: هذا مرتبط بالتطور السريع لهذا العالم. نحن نعيش في واقع لا علاقة له بالماضي. هذا يخيف الكثير من الناس، يخيفهم. ومن هنا يأتي التوق إلى الماضي، وهو أمر غير واقعي. هنا في إسبانيا نشهد ثورة في العادات. يشعر الكثيرون بالإرهاق من نهضة النساء والتغيير الاجتماعي. فأين إذن يفرون؟ في الخيال، في هذه الفكرة عن مجتمع موحد تمامًا، متجانس، صحي، حيث يتعرف الجميع على بعضهم البعض. هذا لم يكن موجودًا ولن يوجد أبدًا. خاصة اليوم، لأن الحدود قد رُفعت، لأننا جميعًا مواطنون في العالم، سواء أردنا ذلك أم لا. ولكن الحنين إلى القومية عاد للظهور مجدداً، خاصة في أوروبا، وهذا أمر مخيف.

الصحفية: ليس فقط في أوروبا. أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية.

ماريو: نعم هناك ايضاً. كيف يمكن للمرء أن يشرح أن هذا البلد، الذي يمتلك الطليعة في الحداثة، اختار شخصًا مثل ترامب؟ هكذا شخص جاهل ديماغوجي،غير مؤهل إطلاقاً لهذا المنصب وهذه المسؤولية. هذا صعب الفهم. المفاجأة الكبرى بالنسبة لي هي أن هناك جزء يشعر بأنه يمثله. يعتقد المرء أن الولايات المتحدة هي سرة العالم الحر. هذا الأمر مرعب جداً جداً.

الصحفية: ماذا يُمكن ان نفعل؟

ماريو: من المهم أن ينجح الاتحاد الأوروبي ويأخذ دور البطولة. المشروع الأوروبي ليس مهمًا لأوروبا فحسب، بل للبشرية جمعاء. ليس من الجيد أن ينقسم العالم إلى كتلتين. إن وجود أوروبا أمر أساسي وبالتالي أمر مهم لوحدة أوروبا. أوروبا هي مهد الديمقراطية. مهد الحرية. أعطت أوروبا العالم حقوق الإنسان، وهيأت الفرد.

الصحفية: لقد تنحيت عن الاحتجاج على القومية بل حتى عن نادي القلم  الدولي.

ماريو: نعم، اعتكفت لأن نادي القلم وقع في أيادي بعض ممن يريدون استقلال كاتالونيا. لقد استدرجوا رئيسة النادي القلمي، وهي فتاة أمريكية تعيش في المكسيك. لذا فقد وضعت القلم في خدمة حركة الاستقلال، التي اناهضها بقوة.

الصحفية: لماذا؟

ماريو: ببساطة. لم تتمتع حركة الاستقلال بالأغلبية في كاتالونيا. انهم بعيدون عن 50 في المائة. وهو اختراع من القرن التاسع عشر للقومية. لم تكن كاتالونيا مستقلة أبدًا ولا يومًا واحداً. أولاً كانت جزءًا من فرنسا، ثم إسبانيا. في إسبانيا كانت هناك مناطق مستقلة مثل: بلنسية، أراغون، ولكن ليس كاتالونيا، إنها اختراع للبرجوازية في القرن التاسع عشر. الاستقلال سيكون مأساة لإسبانيا وأوروبا. إذا وصلت كاتالونيا إلى ذلك مع أقلية، فماذا يجب أن يقول الباسك، الغاليسيون، بلنسية؟ ستكون هذه سابقة لبقية أوروبا. أوروبا تزيل الحواجز والحدود كما ينبغي أن يكون والآن يأتي هذا الزحف القومي؟ لهذا السبب من المهم للغاية محاربته - باسم الحرية والديمقراطية.

الصحفية: أنت تمدح الليبرالية والرأسمالية في كتابك. ولكن هناك الكثير ممن يلقون اللوم على الزيادة في الفوارق بين الفقراء والأغنياء، والأزمة المالية وإزالة الغابات المطيرة وكارثة المناخ. لقد دفعتنا الرأسمالية التوربينية إلى هذا المنعطف.

ماريو: هذا ليس صحيحاً. رغم أن هناك أيضًا بين الليبراليين طائفيين يعتقدون أنه يمكن حل كل شيء بالسوق. لكن الليبرالية كانت دائمًا تمثل الطليعة في كل الإصلاحات الكبرى التي دفعت الإنسانية إلى الأمام. لم يكن المفكرون العظماء في الليبرالية طائفيين، ولم يكونوا متعصبين. لقد كان آدم سميث دائمًا مهتمًا جدًا بالقضايا الاجتماعية، فقد دعا لليبرالية الاقتصادية لجعلها في مصلحة جميع الناس، وخاصة الفقراء، ثم المزارعين، حتى يتمكنوا من الافلات من الظروف المعيشية الحيوانية.

الصحفية: الانتقاد هو أن العولمة تساعد الأثرياء، قبل كل شيء، على أن يصبحوا أكثر ثراء.

ماريو: هذا ليس صحيحاً. العولمة هي واحدة من أفضل الأشياء التي حدثت للعالم. إنها تسمح لدولة فقيرة أن تصبح دولة مُزدهرة لديها سياسات جيدة. أفضل مثال هو جنوب شرق آسيا. كانت هذه البلدان فقيرة للغاية مع عدد قليل من الناس الأثرياء. اليوم هم أثرياء للغاية - بفضل العولمة. هل زرتِ سنغافورة من قبل؟

الصحفية: كلا لم أزرها.

ماريو: دُعيت إلى سنغافورة. كان لدي أصدقاء هناك وترجيتهم: بأن يروني الفقراء، ويأخذوني إلى الأحياء الفقيرة. أخذوني إلى منطقة الطبقة الوسطى وقالوا: هؤلاء فقراء. لم يكن ذلك ممكناً لولا العولمة - على الأقل من الناحية الاقتصادية. من الناحية السياسية، حسنًا، سنغافورة ليست نموذجًا للديموقراطية. والدول في أوروبا التي لم تعد تعاني من الفقر على الإطلاق، هي دول ديموقراطية – مثل السويد وسويسرا، لقد قضت على الفقر. الدول التي انجزت هذه المهمة هي دول ذات ديموقراطيات ليبرالية.

الصحفية: هل هناك سياسيون يعجبونك كما كنت معجب بـ رونالد ريجان ومارغريت تاتشر سابقاً؟

ماريو: كنت معجب بهما كثيراً، لقد عشت في إنجلترا آنذاك. لقد كانت ثورة حقيقية. عندما وصلت، كانت إنجلترا بلدًا حافلًا  بالحريات نعم، ولكن في حالة انحدار، فقد فشل فيها الاشتراكيون مثل المحافظين. كانت السيدة تاتشر ثورة حقيقية. أعطت بريطانيا الطاقة، والديناميكية من جديد. هذا جدير بالملاحظة.

الصحفية: هل تعرف السيدة تاتشر؟

ماريو: نعم، تعرفت عليها. دُعيت لتناول العشاء. كنت محظوظا. قرأت تاتشر لبوبر وهايك، اللذين كتبت عنهما في كتابي. لم تكن خائفة من قول أن أكبر مفكر بالنسبة لها كارل بوبر وأن هايك قدم لها الإرشاد حتى في الاستشارات الاقتصادية.

الصحفية: هل تحدثت مع رونالد ريغان؟

ماريو: مرة واحدة. قلت له: أنا معجب بك كثيرًا، لكن كيف يمكنك أن تدعي إن لويس لامور هو أفضل أديب؟ لديكم عظماء مثل والت ويتمان، إدغار ألن بوي وويليام فوكنر. فقال إن لامور كتب العديد من الروايات عن الغرب المتوحش، ورعاة البقر التي هي ثقافة أمريكية عظيمة. (يضحك).

الصحفية: لكن  هل برأيك ما زال اليوم هناك ليبراليون كبار؟

ماريو: نعم ما زال هناك، لكن لا يوجد أحد يصل إلى مستوى تاتشر أو ريغان.

الصحفية: من هم؟

ماريو: أنجيلا ميركل تبدو رائعة بالنسبة لي، فهي تقوم بعمل ممتاز. إنها أقل أيديولوجية من تاتشر أو ريغان، لكن يمكن تسميتها امرأة دولة عظيمة. تنبع قلة شعبيتها الحالية من حقيقة أنها استقبلت المهاجرين. تخيل هذا، إنها مبادرة إيثار مُثيرة للإعجاب، ولكن الألمان ليسوا على قدم مساواتهم. لقد ساهمت بشكل كبير في التقدم والازدهار وتحقيق الديموقراطية في ألمانيا. سوف يعطي التاريخ أنجيلا ميركل كل الحق.

الصحفية: أنت نفسك اكتشفت السياسة في وقت مبكر جدًا، في سن الثانية عشرة.

ماريو: كانت عائلتي قريبة من أحد أعظم رؤساء بيرو، خوسيه لويس بوستامانتي إي ريفيرو، كان محام نزيه جدًا. أسوأ ما قيل عنه ،بأنه كان كما لو أنه رئيسًا لسويسرا. ثم انقلب رجال العسكر ضده. كان للانقلاب عواقب وخيمة على عائلتنا. كنت صغيراً وأنا في وسط السياسة.

الصحفية: هل لديك احفاد؟

ماريو: ستة.

الصحفية: ما هي اهتماماتهم الكبيرة؟

ماريو: اثنان فقط من أحفادي مهتمين بالسياسة. واحدة تدرس السياسة في جامعة كولومبيا في نيويورك. إنها ليبرالية للغاية، مما يجعلني سعيدًا جدًا.

الصحفية: ألا يهتمون بتغيرات المناخ؟

ماريو: قبل كل شيء، يواجه الشباب مشكلة لم تكن موجودة بالنسبة لنا: قلة الوظائف. التي تضغط عليهم بشدة. شبابك مختلف تمامًا عن شبابي. اليوم، الوظيفة هي امتياز، خاصة في البلدان المتقدمة. الشباب يعيش في حالة تخوف كبيرة. لقد جرنا هذا إلى حالة من الخمول، ومحاولة النسيان من خلال العيش على الهوامش مع الموسيقى والمخدرات. لكنهم أكثر حرية منا. لديهم الكثير من الحريات في حياتهم الجنسية، من خلال الحركة النسوية. الحركة النسائية قوية جداً. التي فرضت إرادتها أخيراً، من خلال رفع المظالم الواقعة على النساء. وأخيرا سيربحون معاركهم.

الصحفية: هل تساعدنا على فهم قارتكم. يا لها من قارة مجنونة. لنبدأ مع فنزويلا.

ماريو: مأساة. مهزلة. أن يتفكك مثل هذا البلد الغني بشكلٍ كامل. اللاجئون موجودون في كل مكان، سبعمائة ألف منهم في بلدي بيرو، أكثر من مليون في كولومبيا. في بيرو، يُسمح لهم بالعيش والعمل لمدة عام، وهذا تضامن. كنت هناك آخر مرة في عهد الرئيس شافيز، كنت مُحتجزًا على الحدود، وتم استجوابي، وكان هذه الحادثة سيئة.

الصحفية: ثم على الجانب الأيمن البرازيل، التي يحكمها بولسونارو.

ماريو: أنه ديماغوجي للأسف، لن ينجح في البرازيل. إنه محرض عظيم، وغير مؤهل. الأمر المخيف في البرازيل هو أن لولا، وهو ديماغوجي فاسد، خلفه ديماغوجي، الذي يأمل المرء منه فقط بأن لا يكون فاسد. انه لأمر محزن أن يبقى ما يُسمى بلد المستقبل دائمًا بلد المستقبل.

الصحفية: في المكسيك، من ناحية أخرى، يحكم الشعبوي اليساري لوبيز أوبرادور.

ماريو: أنه تراجع آخر نحو الشعبوية.

الصحفية: هل ترى إطلاقاً شيئًا مثل الليبرالية في أمريكا اللاتينية؟

ماريو: هناك بعض المحاولات، لكنها لا تجلب سوى القليل من الثمار، على سبيل المثال في الأرجنتين في عهد الرئيس ماكري. ماكري لديه أفكار جيدة. لكنه لم يجرؤ على القيام بعلاج الصدمة في هذه البلاد التي انهارت في سنوات حكم الرئيس كيرشنر، سنوات الديماغوجية، والفساد والشعبوية. لقد حاول ماكري تبني سياسة التدرج، وهي محاولة لإصلاح البلاد بشكل تدريجي. كان ذلك خطيراً. لذا يلومه الناس على أشياء التي كان على كيرشنر الإجابة عليها.

الصحفية: في أكتوبر هناك انتخابات.

ماريو: آمل أن ينجح مساره الإصلاحي إذا فاز في الانتخابات. إذا لم يفز، فستكون هذه كارثة بالنسبة للأرجنتين، كارثة حقيقية.

الصحفية: فقط الأخبار السيئة من أمريكا اللاتينية.

ماريو: لكن هناك أيضا حالة التشيلي، التي لا يذكرها أحد. تشيلي كانت دولة فقيرة وهي الآن مُزدهرة للغاية. لم تعد تنتمي إلى أمريكا اللاتينية، فهي قريبة من العالم الأول. وقد نجح التشيليون في تحقيق هذا الازدهار عن طريق الديموقراطية. لديهم يسار غير متعصب وقَبِل السياسة الاقتصادية الليبرالية التي أخرجت التشيلي من الديكتاتورية. كانت للتشيلي سياسة جيدة من اليسار واليمين، لذلك فهي نموذج يحتذى به.

الصحفية: في بلدك بيرو هناك .....

ماريو: ... خمسة رؤساء إما في السجن أو هاربين أو قتلوا أنفسهم - بسبب الفساد. مع العلم أنهم مُرتشين من قبل شركة Odebrecht البرازيلية. وتم إنشاء هذا  الارتباط عن طريق رئيس البرازيل لولا. الفساد مُتجذر بعمق في حياة أمريكا اللاتينية. هذه حقيقة. لحسن الحظ، هناك بعض القُضاة في بيرو وكذلك في البرازيل يقفقون ضد مثل هذه الأمور بشجاعة وكفاءة كبيرة.

الصحفية: لقد نافست في عام 1990 لتُصبح رئيس بيرو. لماذا لا تعود الآن، في هذه الساعة التاريخية؟

ماريو: مهنتي ليست في السياسة. في ذلك الوقت، انخرطت في السياسة لقيادة الحملة ضد تأميم البنوك. كما حققت حركتنا نجاحًا كبيرًا، ازداد الضغط عليَ يومها كي أصبح مُرشحًا للرئاسة.

الصحفية: كنت على وشك الفوز مع حزبك (حركة الحرية) ضد فوجيموري، الذي انتهى به المطاف في السجن.

ماريو: نعم، لكن السياسة لا تهمني. لم اقبل ابدا بمنصب ومع ذلك، بقي شيء من حركتي. وأعقب ذلك سياسة مفتوحة اجتذبت الاستثمار والازدهار. لا أريد أن أكون مُتكبراً، لكن هناك أفكار ليبرالية من حملتنا ما زالت باقية- على الرغم من الأزمات.

الصحفية: كيف ينظرون لك أبناء بلدك اليوم؟

ماريو: ينظر لي جزء منهم بكثير من المحبة، ولكن ليس الكل ينظر لي بعين العطف. يعتقدون أن أفكاري يجب أن تُحارب بقوة.

الصحفية: يُطلق عليك الليبرالي الجديد.

ماريو: سيكون هذا الأمر أقل حده. كانت هذه مجرد شتيمة لمحاربة الليبرالية. ولكن مع كل زيارة للبيرو، ألاحظ تراجه هذا الأمر.

الصحفية: هل تشعر اليوم بأنك بيروفي أم إسباني؟

ماريو: أنا مواطن من العالم. أنا بيروفي ولدي جواز سفر إسباني، لكنني كنت دائماً أرغب في أن أكون مواطنًا في العالم. ولقد حققت ذلك. هذا يجعلني أكثر سعادة.

الصحفية: فعلياً مواطن في العالم؟

ماريو: يمكنني العيش في العديد من الأماكن في العالم دون أي مشكلة. لقد عشت في العديد من الأماكن - في باريس ولندن وحتى ألمانيا وشعرت دائمًا بأنني في وطني.

الصحفية: في المانيا؟

ماريو: نعم في برلين. شعرت هناك بأني في وطني، رغم أنني لم أتحدث لغة البلد.

الصحفية: اين كنت تسكن؟

 ماريو: في أكاديمية العلوم في غرونن فالد. كان الشيء العظيم في هذا المكان هو: السماح للمرء بالعيش هناك مجانًا لمدة عام. الموسيقيين والشعراء وعلماء الأحياء والأنثروبولوجيا والكُتُاب. يتم توفير شقة ومساعدة من قبل سكرتيرة وتعمل على ما تعمل عليه أنت بكل الأحوال. كان هناك شرط واحد فقط: تناول الغداء في أكاديمية العلوم ثلاث مرات في الأسبوع. كنت سعيدًا جدًا في برلين في ذلك العام.

الصحفية: يبدو أنك شخص سعيد على الإطلاق.

ماريو: يجب أن لا تكون سعيدًا طوال الوقت. فقط في لحظات قصيرة. وإلا سيكون الأمر روتينياً. لكن عندما أنظر إلى كل شيء، فأنا أكثر سعادة من التعيس.

الصحفية: لا بد لنا من الحديث عن الحب. ما مدى أهمية الحب في حياتك؟

(ينظر فيرغاس لوسا مرة أخرى إلى اللوحة الزيتية الكبيرة لإيزابيل بريسلر على الحائط. وكانت ترتدي فستان سهرة أحمر).

ماريو: الحب يلعب دوراً محورياً. الحُب يثري الحياة، ويعطي الكثير من الزخم، ويجعل حياة المرء أكثر تفاؤلاً، وأكثر إبداعًا. غياب الحب يجعل الحياة حزينة.

الصحفية: هل ما يزال هذا الحال في الشيخوخة؟ هل يوجد فرق بين الحب في عمر 18 و83؟

ماريو: بعمر الــ 80 يُعتبر المرء من ذوي الخبرة، ولكن عندما يعصف الحب، فإن التجربة برمتها غير مجدية. التجربة تنفق، تنطفئ. الحب في سن 80 ليس هو نفسه في سن 18. إنه حُب أقل عصفاً. ولكن إن وجد، فإن الحياة تُصبح أفضل بكثير.

الصحفية: هل ما زلت تعيش الحب بشغف؟

ماريو: نعم، أعتقد ذلك. أنا بالتأكيد أحاول ذلك.

الصحفية: يُمكن للمرء أن يلحظ ذلك أيضاً. أنت مُلاحق باستمرار من قبل المصورين.

ماريو: إنهم في كل مكان، ولا يوجد مكانًا غير متواجدين فيه، إنه شيء فظيع للغاية. يلاحقون زوجتي. الليلة نذهب إلى مباراة تنس كبيرة. صهر زوجتي هو رقم 34 في العالم في لعبة التنس، ولديه مباراة في رابطة محترفي التنس ATP Masters. سيكون أيضاً هناك المصورون.

الصحفية: السؤال الأخير: كم عدد الكتب التي ما زلت تريد كتابتها؟

ماريو: لدي ما يكفي من المشاريع. لن أنتهي بهم جميعًا أبدًا. عندما أنتهي من كتاب ما، فإن مشكلتي الأكبر هي: ما الذي أختاره الآن؟ لدي الكثير. حلمي الكبير أن أموت أثناء الكتابة وقلم الحبر في يدي. ما زلت أكتب باليد وبالحبر.

الصحفية: ماريو، شكرا لك على المقابلة.

ماريو: كانت محادثة طويلة. لقد ثرثرت فيها كطائر القمري.

 

.....................

* صحيفة شتيرن الألمانية بتاريخ ٦ حزيران  ١٩ ٠ ٢   

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم