صحيفة المثقف

المجلس الاعلى لمكافحة الفساد وهيئة النزاهة

بغداد عاصمة الثقافة العراقية...ملفات فساد منذ 2013

كشف تحقيق استقصائي أعده موقع خارطة درج هدر 112 مليون دولار بين أروقة وزارة الثقافة، على مشروع “بغداد عاصمة الثقافة العراقية” الذي انطلق عام 2011، تبعثرت بين إنتاج أفلام لم تعرض ومسرح لم يرمم وكتب لم تظهر، ودار أوبرا لم يرتفع منه سوى حجر أساس على كف من الإسمنت- ويقول التقرير إن الأنقاض ما زالت تتكدس على خشبة مسرح الرشيد وسط بغداد منذ قرابة 16 عام،، والأروقة التي شهدت عروضاً مسرحية لكبار الفنانين العرب والأجانب، باتت اليوم مكبّاً لكراسٍ محطّمة وأثاث متهالك !!!

تدهورت حال مسرح الرشيد، أشهر مسارح العاصمة أواخر القرن الماضي، مذ تعرضه للتدمير والنهب خلال الفوضى التي رافقت الغزو الأميركي للعراق عام 2003.  رغم وعود الحكومات المتكررة بإعادة تأهيله، ثم تخصيص 31 مليون دولار لإعماره، من ضمن نصف مليار لمشروع “بغداد عاصمة الثقافة العراقية 2013″، ولا يزال المسرح على حاله؛ ليس أكثر من أنقاض حرب،، فشل مشروع تأهيل مسرح الرشيد، يحاكي مصير مشاريع كثيرة استهدفت ضمن مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013، وقد خصّصت الحكومة العراقية انذاك (579) مليار دينار تأهيل مسارح ودور سينما وقاعات فن تشكيلي لتنفيذه على مدى أربع سنوات، رغم أن وزارة الثقافة اعلنت في موقعها الالكتروني أنها تتحمل صرف مبلغ 133 مليار دينار فقط من المبلغ المخصص، لكنّ المشروع انطلق وانتهى من دون ترميم أو إعادة بناء تلك المراكز الثقافية. ويرصد هذا التحقيق، دهاليز فساد وهدر رافقت تنفيذ المشروع، وكيفية تمرير عقود وصرف أموال من دون سند، مقابل عجز مؤسسات رقابية، بما في ذلك هيئة النزاهة العراقية والمنظومة القضائية عن تقديم المسؤولين المتورطين في هذه القضية للمحاسبة، على رغم مرور خمسة أعوام على إقفال المشروع. انطلقت تلك المشاريع عام 2011 وانتهت بحفل ختامي دام ثلاثة أيام في نيسان/ أبريل 2014،، عضو لجنة النزاهة البرلمانية السابقة النائب عالية نصيف، تلخّص حجم الفساد الذي شاب ذلك المشروع: “المسؤولون الكبار في وزارة الثقافة جميعهم متورطون، سواء من تم استبعادهم لاحقاً، أو أولئك الذين احتفظوا بمناصبهم حتى الآن

واشار التقريربان مسؤول رفيع في وزارة الثقافة يكشف كيف تعاملت الوزارة مع الأموال المخصّصة لمشروع بغداد، “ميزانية الوزارة كانت ضعيفة جداً، ولا تكفي لتسيير عملها، ولهذا اعتمدت على تخصيصات المشروع لدعم الميزانية”. على رغم ذلك “عادت أموال ضخمة إلى وزارة المالية”، من دون أن تحديد قيمتها، كما يشرح المسؤول الذي طلب حجب اسمه. أما المشاريع التي لم تنجز “فقد نهبت المبالغ المخصّصة لها، بطريقة أو أخرى، في غياب كامل للرقابة. باختصار لم يكن هناك أي رقيب على صرف الأموال في هذا المشروع وتابع قائلا \ غياب الرقابة كان السمة الأبرز في الملفات التي تعقبتها معدّة التحقيق بين عقود مشاريع لم تنجز، ومشاريع لترميم معالم أثرية لم يبدأ العمل بها، أو مناقلة أموال لم يعرف مصيرها بعد التحويل. كما تتبعت إنتاج عشرات الأفلام، التي لم يصل معظمها إلى صالات العرض، وطباعة مئات الكتب معظمها ظلّ حبيس المخازن

ويذكر التقرير ان حفرة عميقة بـ21 مليون دولار، وحجر أساس نقش عليه اسم وزير الثقافة الأسبق بالوكالة سعدون الدليمي (2010-2014)، هذا كل ما تبقّى من مشروع “دار الأوبرا”، الذي روّجت له الحكومة العراقية كأبرز منجزات مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية،، أما المشاريع التي لم تنجز “فقد نهبت المبالغ المخصّصة لها، بطريقة أو أخرى، في غياب كامل للرقابة في 15/9/2011، غربلت وزارة الثقافة 16 شركة عراقية وعربية وعالمية من بين 141 شركة تقدّمت للمناقصة الخاصّة لإنشاء دار الأوبرا والمجمع الثقافي. وفي المحطّة التالية وقع الاختيار على شركة “روتام” التركية مقابل 146 مليون دولار، على رغم أن هذه الشركة أسّست فرعها في العراق في 1/3/2011، أي قبل 6 أشهر فقط من اختيارها

وبحسب الوثائق التي حصلت عليها كاتبة التحقيق، فإن الشركة لم تلب في عرضها سوى أربعة من بين 11 شرطاً وضعتها الوزارة في تعليمات التقديم للمناقصة وعلى رغم ذلك وقّع وزير الثقافة الأسبق، سعدون الدليمي، العقد المرقم (21 لسنة 2011) مع شركة روتام، التي تسلّمت 10 في المئة من قيمة العقد (14.6 مليون دولار) كسلف تشغيلية، و5 في المئة تحت بند تحسين الأداء (7.3 مليون دولار)؛ أي (21.9 مليون دولار)، ما يوازي 4.3  في المئة من مخصّصات مشاريع بغداد عاصمة الثقافة العربية. بموجب العقد، يفترض بالشركة إنجاز المشروع وتسليمه كاملاً خلال فترة (540 يوماً) أي منتصف 2013

وتجنب معظم المسؤولين في وزارة الثقافة الرد على محاولات كاتبة التحقيق للوقوف على ردودهم حيال قضايا فساد تتهم بها الوزارة،، ويؤكدالتقريران سعدون الدليمي وزير الثقافة وكالة إبان انطلاق مشروع بغداد عاصمة الثقافة تجنب الرد على اتصالات كاتبة التحقيق على مدى أكثر من عام. وبمحض مصادفة تحقّق اللقاء معه في مبنى مجلس النواب خلال حضوره إحدى الجلسات في 27 آذار/ مارس 2019 وكان تعليقه على التفاصيل التي طرحتها كاتبة التحقيق، بأنه يرفض الرد على الاتهامات التي وجهت إليه في ما يخص مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية. واكتفى بالقول: “أنا شخصياً أفخر بما قدمته في هذا المشروع، علماً أنني كنت وزيراً للدفاع ولم يكن وزيراً للثقافة،، و سعت معدّة التحقيق إلى مقابلة فرياد رواندوزي – الذي حمل حقيبة الثقافة بعد الدليمي لكنّه تجنّب الاستجابة لمحاولاتها المتكررة على مدى ثلاثة أشهر، على رغم أنه كان أعلن رغبته في إحالة ملف فساد مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية إلى القضاء حال تسلمه للوزارة (2014-2018)

في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أعلن راوندوزي عبر وسائل الإعلام، أن وزارته رفعت أربعة ملفات فساد للجهات التحقيقية، أحدها يحوي قضايا ذات صلة بمشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية. لكنه أقرّ بأنه لا يملك صلاحية معاقبة أي من وكلائه أو المدراء العامين في الوزارة الضالعين في تلك القضايا،،لأن لديهم حصانة !!! رغم ذلك، حصلت معدّة التحقيق على وثيقة موجهة من المفتش العام في وزارة الثقافة فراس خضير تركي، إلى مكتب الوزير مؤرخة في 24/ 12/2014، أي بعد انتهاء المدّة المقررة لإنجاز المشروع بنحو 6 أشهر، يؤكد فيها أن العمل متوقف هناك وأن الشركة لم تقدّم التصاميم الخاصّة بالمشروع. ولفت آنذاك إلى أن عدد الموجودين في موقع العمل لا يتجاوز خمسة أشخاص

في 29/12/2014، سحبت وزارة الثقافة المشروع من شركة “روتام”، وطالبت المصرف المتحد للاستثمار، بمصادرة خطاب الضمان الذي قدّمه بالإنابة عن الشركة التركية لإعادة (21،9 )مليون دولار  لكن المصرف المتحد امتنع عن سداد المبلغ للوزارة.

إلى جانب فشل مشروع دار الأوبرا، أثار مشروع “خيمة فعاليات الاحتفاء ببغداد عاصمة الثقافة العربية”، جدالاً واسعاً لدى الكشف عن المبلغ الذي خصّص لها أواخر العام 2014. إذ تعاقدت وزارة الثقافة مع شركة “سان غيتس” اللبنانية لتجهيز خيمة مستأجرة ونصبها في حديقة الزوراء العامة وسط بغداد، مقابل أكثر من مليوني دولار لمدّة ثلاثة أيام فقط،، ويقول التقريران رئيس “هيئة النزاهة” القاضي عزّت توفيق، يبلغ كاتبة التحقيق بوجود ملف واحد حول قضية دار الاوبرا، يتصل بقيام أحد المدراء في الوزارة باستلام “عمولة” غير مشروعة من الشركة المتعاقدة على تنفيذ دار الأوبرا. “مع ذلك صدر قرار بإغلاق القضية، والإفراج عن المتهم لعدم كفاية الأدلّة”، كما يضيف توفيق دون أية تعليقات إضافية

في أيلول/ سبتمبر 2013، طلب المخرج وعضو لجنة اختيار الأفلام فارس طعمة التميمي إعفاءه من عضوية اللجنة، منتقداً إجراءات الوزارة ذات الصلة باختيار الأفلام المقرّر تمويل إنتاجها ضمن ميزانية مشروع بغداد عاصمة الثقافة. يعتقد التميمي أن رأي اللجنة كان مهمشا بالكامل، وأن وزارة الثقافة اعتمدت أفلاماً سبق أن رفضتها اللجنة. وهو يؤكد أن 20 فيلماً  “يعضها لم يكن صالحاً، وبعضها الاخر لم يكن يستحق أن يطلق عليه اسم فيلم أصلاً

 ووفق دليل أصدرته وزارة الثقافة عام 2014، فإن كلفة إنتاج الأفلام الـ37 ضمن المشروع، بلغت 16 ملياراً و482 مليون دينار عراقية (13.7 مليون دولار أميركي) التميمي يعزو تمرير هذه الأفلام إلى “المحسوبية” التي كانت تتحكم بقبول الأفلام المقترحة أو رفضها. ويستشهد برفض اللجنة – التي كان عضواً فيها- فيلمين من إنتاج فنانين يمتّان بصلة نسب مع الدليمي. لكن سرعان ما وافقت لجنة اختيار الأفلام البديلة عليهما مقابل 1.7 مليون دولار

وخصّصت وزارة الثقافة 3.8 مليون دولار لطباعة 600 كتاب أدبي وثقافي، بواقع ألفي نسخة لكل مطبوع وبتقسيم المبلغ على عدد الإصدارات، يتبين أن الوزارة خصّصت 6333 دولار للمطبوع الواحد، بغض النظر عن عدد الصفحات أعلى سعر طباعة،، وبسؤال ثلاث مطابع محلية عن كلفة طباعة ألفي نسخة لكتاب من 300 صفحة، جاء الرد بأن لا يتجاوز 3000 دولار!!

ويؤكد مثقفون عراقيون  أن فضائح الفساد في المؤسسات الثقافية ووزارة الثقافة العراقية لم تعد خافية على أحد، ففي كل موسم ثقافي أو مهرجان أدبي هناك فضيحة مدوية تلوك تفاصيلها وسائل الإعلام المختلفة لعدة أشهر، وهذا الأمر يتطلب عملية إصلاح عاجلة لإدارة المؤسسات الثقافية وإقصاء كل من تلوثت أفكاره بلوثة الفساد،، الفساد كظاهرة أخذت تستفحل وتستشري في معظم مفاصل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في العراق، وما يؤسف له أن تطال هذه الظاهرة جسد المنظومة الثقافية ومؤسساتها ومنظماتها واتحاداتها، سواء كانت ثقافية منها أو إعلامية، فقد أصبحت المنظومة الثقافية اليوم غير محصنة ضد الأمراض الاجتماعية بعد أن تعرضت مؤسساتها إلى جملة من التدخلات الحزبية وباتت مسرحاً لتجاذباتها وتخضع لمحاصصتها المقيته التي جاءت بأفراد غير مؤهلين لقيادة المؤسسات الثقافية وإدارة الفعاليات والمهرجانات الأدبية والأنشطة الثقافية والفنية. اضافة الى التدخل الحزبي السافر في الشأن الثقافي أسهم بتردي الواقع الثقافي وانعكس سلباً على مجمل المنظومة الثقافية والأدبية والفنية والإعلامية وتسبب بتراجع أداء المؤسسات المعنية بها حتى بات الانتماء لهذه المؤسسات الثقافية لا يبعث على الفخر مثلما كان في السابق

نحن بامس الحجة لثورة ضد الفساد والفاسدين، والطبقة الثقافية تطالب المجلس الاعلى لمكافحة الفساد وهيئة النزاهة باعادة فتح ملفات الفساد الخاصة بوزارة الثقافة،، فهل نحن فاعلون ؟!!

 

نهاد الحديثي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم