صحيفة المثقف

ما الذي يُشبه الشمس؟

عامر كامل السامرائيتأليف: Lie Zi Lie Yokou

ترجمة: عامر كامل السامرائي

***

الرَيّبة

لم يجد الرجل فأسه في مكانها. كان واثقاً من أن السارق هو أبن جاره. راح يَرقُبُ الشاب في ذهابه وإيابه: كانت مشيته تدل على إنه لص. رَصَدَ تعابير وجهه: كانت تشبه تعابير اللص. أَصْغى إلى كلامه: وكأنه يصغي إلى لص تماماً. باختصار شديد، كل تصرفات الشاب كانت تدل على أنه لا يمكن أن يكون إلا لصاً، ولا شيء آخرَ سواه.

بعد مدة خرج رجلنا هذا ليحرث حقله فوجد فأسه هناك. وعندما عاد يتطلع من جديد إلى تصرفات الشاب لم يلحظ عليه شيئاً من تصرفات اللصوص.

**

سُبل متعددة

شَرَدَ حَملُ جار المُعلم يانغ زي، فأرسل في البحث عنه جميع خَدَمِهِ، بل طلب من خادم يانغ زي أيضاً أن يذهب معهم.

- ما الذي تقوله؟ - صاح يانغ زي. – أأنت بحاجة إلى كل هؤلاء الرجال للبحث عن حملٍ صغير؟

- ماذا عساي أن أفعل وسُبل الحقل هنا كثيرة، من يدري بأي اتجاه ذهب؟ – وضح الجار.

عندما رجع الخادم سأله يانغ زي:

- ها، هل عثرتم على الحمل؟

أجابه الخادم بالنفي، فسأله يانغ زي، كيف لا تستطيعون العثور عليه.

- سُبُل الحقول متشعبة – ردَّ الخادم. – ومتداخلة مع بعضها البعض، ولم نستطع أن نقرر أيَّ سبيل نقصد، فرجعنا.

أستغرق يانغ زي في التفكير، والتزم الصمت لوقت طويل، بل حتى إنه لم يتبسم طوال النهار. أثار سلوكه هذا استغراب تلاميذه. وراحوا يُواسوهُ

- حَملٌ صغير لا قيمة له، ثم إنه لم يكن لك، فلمَ هذا الصمت وهذا الغم؟

ظل يانغ زي صامتاً، فأصابت تلاميذه الحيرة. حاول أحدهم وهو مينغ شنغ يانغ، أن يعرف سر اللغز الذي استغرق معلمه، فقال:

- إذا كانت السُبُل كثيرة – وهذا هو ما يفكر به معلمي-، فسوف لن يستطع أحد من الرجال أن يجد الحمل الشارد. يعني لو كانت رغبات التلميذ في تحصيل المعرفة كثيرة التشعب، فسوف يفرط في وقته دون طائل. لكل روافد العلم منبع واحد، والوصول إلى المعرفة له طرق متعددة، وإذا ما أخطأت في أن تطأ الصراط المستقيم، فعليك أن تعود إلى المنبع الأصيل لكي تصحح مسارك، تعود إلى منبع الحق، وبما أنك تلميذ يانغ زي، وتريد طلب المعرفة منه، فعليك أن تمنحه نفسك تماماً، وإلا فسوف لن تتمكن من فهمِه أبداً.

**

الهدية حَمْام

في مقاطعة هندان، وقبل حلول عيد رأس السنة، جرت العادة على الإمساك بالحَمْام وتقديمه للأمير كهدية. ومن شدة غبطة الأمير وفرحه بالحَمْام صار يكرم من يهديه بسخاء.

في إحدى المرات طلب أحد الرعية من الأمير أن يبين له الحكمة في تصرفه هذا فأجابه:

- من علامات طيبة طبعي أن أطلق سراح كل الحَمْام في يوم العيد.

- مادام رعيتك يعلمون بذلك، فلا بد وأنهم سيحرصون على جمع أكبر عدد ممكن من الحَمْام طمعاً بكرمك – حاججه السائل. – وسيهلك الكثير منه لهذا السبب. فإذا كنت غير راغب في إيذاء الحَمْام، فالأوجه لك أن تمنع رعيتك من فعل ذلك، وإذا لم يكن مقصدك في إمساك الحَمْام إلا أن تطلق سراحه بعد ذلك، فسوف لن تستطيع بطيبة طبعك أن تعيد ما قد أفسدت.

فاقتنع الأمير بذلك وامتنع.

**

طريقة تحضير لحم الوَزّة

رَمَقَ رجلٌ وَزَّةً بريةً، فوضع سهماً في قوسه ومطه مستهدفها.

- لو أصبتها، فسأسلقها!

فرد عليه أخوه

- بل الأفضل لو نشويها.

فاختلفا ولم يستطع أحدهما أن يقنع الآخر، فقصدا شيخ القرية الذي أشار عليهما بأن يسلقا نصفها ويشويا النصف الآخر.

لكنهما عندما عادا إلى حيث كانت الوَزَّة البرية لم يجداها.

**

ما الذي يُشبه الشمس؟

أراد الرجل الضرير معرفة ماهي الشمس. فطلب من الناس أن يشرحوا له ذلك.

- دائرية كمِضْراب النحاس. - فضرب بالناقوس أحدهم.

بعد ذلك، وحينما سمع الضرير صوت الناقوس سأل:

- أهذه هي الشمس؟

فقال له شخص آخر:

- للشمس أشعة، كما لهذه الشمعة – ووضع في يده شمعة لكي يتلمسها.

بعد عدة أيام، وقع في يد الأعمى مزمار، فراح يهتف:

- ها هي الشمس حقاً!

لكن الشمس لا تُشبه لا الناقوس ولا المزمار، وأن الأعمى لا يستطيع أن يميز بينهما وبين الشمس، لأنه لم يراهما، وإنما عَوّلَ على شرح الناس.

**

قَطْعُ شجرة الجُميز

في حديقة أحد الرجل، يبست شجرة الجميز. فقال له جاره:

- الشجرة اليابسة تجلب النحس. فأفضل ما تفعله هو أن تقوم بقطعها.

وحالما قطع الرجل الشجرة، راح جاره يتوسل إليه لمنحه بعض الحطب.

فكر صاحب الشجرة اليابسة بغضب: "يحتاج جاري إلى الحطب". "ولهذا السبب جعلني أقطع الشجرة. لقد كنا جارين جيدين حتى الآن، لكنه الآن غلبني، ولسوف أنتقم منه".

**

العثور على ورقة الملكية لعقارات

عثر رجل من مقاطعة سونج أثناء سيره على ورقة الملكية لعقارات فقدها صاحبها على قارعة الطريق، فحملها وعاد بها إلى داره وخبأها هناك. وكان بين الحين والآخر يخرجها ويحسب سراً قيمة العقارات المدرجة فيها.

- لو تدري كم أصبحت غنياً! – هكذا صار يتباها أمام جاره.

**

الرجل الذي لم يرَ أحدا

في مقاطعة كوي، عاش رجلٌ كان تواقاً لأن يمتلك قطعة من الذهب. في إحدى الأيام ارتدى ملابسه والتحف معطفاً وخرج إلى السوق. فوقف عند تاجر الذهب الذي وضع تواً قطعة من الذهب في ميزانه، فأخذها هذا الرجل ودسها في جيبه دون أي كلمة ومضى.

وبعد أن القى الشرطي القبض عليه سأله:

- كيف سولت لك نفسك أن تسرق أمام أعين كل هؤلاء الناس؟

- عندما رأيت الذهب، لم أرَ أحدا، لم أرَ أحدا. ما رأيت شيئاً غيره قط – أجاب الرجل.

**

الحُوذِيّ المتكبر

جلس يان زي رئيس وزراء مقاطعة كوي في عربته الفارهة وأخذ يتجول في المدينة. كانت زوجة حوذي العربة واقفة في الباب تتطلع إلى زوجها وهو جالس في مقعده الأمامي ممسكاً بعنان الخيول الأربعة بكبر.

عندما عاد الحوذي إلى بيته أخبرته زوجته إنها ستهجره. فسألها الزوج عن السبب فقالت:

- السيد يان زي رئيس الوزراء يعرفه كل الناس في المعمورة. وعندما كان يتجول، شاهدته غارقاً في التفكير ولم تبدو عليه علامات الغطرسة. وأنت حوذي لا غير، ورغم ذلك فأنت معتد بنفسك ومتغطرس، لذلك سأدعك وأذهب.

ومنذ ذلك الحين أصبح الحوذي أكثر تواضعاً. وعندما سأله يان زي في إحدى المرات عن سبب تبدله المفاجئ هذا، أخبره الحوذي بالحقيقة. فقام يان زي ومنحه وساماً حكومياً.

**

مَثلٌ عن التعَلم

تأليف: بينغ تونغ

قال الأمير "ين" لعازف السيد "بيك"، الموسيقي الضرير" شي كوانك":

- ها قد بلغت الستين من عمري، ولازال هناك ما ينبغي عليَّ تعلمه، وكم أرغب في قراءة العديد من الكتب! ولكنني أظن أن الأوان قد فات.

- وهل الشمعة لا تضئ؟ - سأل شي كوانك.

فغضب الأمير وقال:

- وكيف يسمح لنفسه من هو أدنى أن يمزح مع سيده؟

- أنا الموسيقي الضرير كيف اسمح لنفسي بمثل هذا؟ - اعترض شي كوانك.- كان مقصدي فقط، هو أن من يكرس شبابه للتعلم، فسيكون مستقبله متألقاً كالشمس المشرقة، وإذا ما انغمر في التعلم حتى صار رجلاً، فمثله كمثل الشمس في الضحى، وأما من يتعلم في الكبر، فهو كضوء الشمعة. صحيح إن ضوئها غير ذي بريق، ولكنه أفضل من أن تتخبط في الظلمة.

 

.....................

من مجموعة قصص الحكمة الصينية القديمة

هذه بعض القصص من المجموعة التي قمت بترجمتها عن المجرية والتي تحتوي على مائة وواحد وعشرين قصة قصيرة. تعتبر من أجمل القصص الصينية وأعمقها حكمة. كُتبتْ في الفترة ما بين القرن الثالث والرابع قبل الميلاد، والقرن السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد. تميزت الفترتان بحقيقة أن تلك القصص والحكم تتجلى فيها الصوفية في اعلى مستوياتها.

في القرنين الثالث والرابع، قبل الميلاد بدأت القوة الإقطاعية لسلالة تشو تتراجع: ناضلت المقاطعات لغزو واحتلال بعضها للآخر. وعندما فقد الإقطاعيون ممتلكاتهم من الأراضي؛ بدأ المواطن العادي في العودة والاستحواذ على الثقافة، وعندما لم تعد السلطة قادرة على تأمين امتيازات الأرستقراطيين. شجعت روح العصر ظهور وازدهار العديد من المدارس والتعاليم. وراح مثقفو العصر، وعلماء التاريخ الذين يجيدون القراءة والكتابة، يجوبون البلاد بشكل منهجي، ومع نزولهم إلى الطبقات الفقيرة من الناس، قابلوا حكاياتهم. فاستخدم الكتبة هذه الحكايات للتحدث ضد السلطة، أو للجدل مع علماء من مدارس التفكير الأخرى، أو لصياغة مبادئهم ووجهات نظرهم بمساعدة تلك الحكايات، وفي وقت لاحق استخدمت لكتابة كتبهم. قام هان فاي زي و تشوانغ زي و لاي زي (Han Fei Zi, Zhuang Zi, Lie Zi) بعمل رائع في هذا المجال. لقرون، تم تسليم حكاياتهم إلى الأجيال من خلال إثراء الثقافة الصينية.

بعد إعادة توحيد الصين خلال عهد أسرة هان (القرن الثاني قبل الميلاد)، تعززت الدولة الإقطاعية. وأصبحت الكونفوشيوسية هي السائدة، وسقطت مدارس التفكير الأخرى وتراجعت تماماً. ولم يكن ملء مكاتب الدولة ممكناً إلا لمتعلمي الكونفوشيوسية. ومن الظريف بمكان أن الناس العاديون راحوا يستخدمون الحكايات للنيل من زبانية الدولة والاستهزاء بهم، وكذلك في انتقاد المجتمع، في حين اعتبر الكتبة مثل هذه القصص نوعاً من الثرثرة والأحاديث الملفقة ورفضها تماماً على ان تكون أدباً. ونتيجة لذلك، تم تسجيل عدد قليل من الحكايات وتم تجزئة وتفكيك جزء كبير منها. ومع ذلك، ينبغي هنا ذكر اسمين مهمين وهما: ليو زونغيوان مؤلف سلسلة من حكاية القرن الثامن، و سو شي الذي سجل أعمال آي زي في القرن الحادي عشر. على الرغم من أن أيا من الكتاب لم يشتهر في حياته، إلا أن حكاياتهم - بسبب كتابتهم الاجتماعية الساخرة - تحتل مكانة بارزة في التاريخ الثقافي الصيني.

(المترجم)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم