صحيفة المثقف

وصايا ديدالوس

1100 ديدالوسصدر هذا اليوم الثلاثاء 27 آب 2019 م، عن دار العارف للمطبوعات في بيروت كتابنا (وصايا ديدالوس، دراساتٌ في موسيقى الشعر وما إليها) وضمَّ بين دفَّتيه أوراقاً في فلسفةِ العروضِ، من مكرَّراتٍ لفظيَّة، ومحاولاتٍ ابتداعيَّة، وإيقاعٍ داخليٍّ، وخللٍ عروضيٍّ (عند بعضِ الشعراءِ : قدامى ومعاصرين) وما إليها، وقد وطَّأنا للكتابِ بقولنا :

(لا يختلفُ ناقدانِ واعيانِ في أنَّ الدراساتِ النقديَّةَ في فلسفةِ العروضِ هي دراساتٌ مرغوبٌ عنها في هذه الحقبةِ من الزمن الذي شاعتْ فيه كتابةُ النصوصِ المفتوحة، وكثُرَ فيه أدعياءٌ يطلقونَ على أنفسهم صفة شعراء، فضلاً عن أنَّ المتلقينَ لهذه الدراسات قلَّـةٌ، وإن كانوا من النابهينَ، لأنَّها تُعنى بالتطبيقِ الرياضيِّ الفاحصِ الدقيقِ، إلى جانبِ أنَّ دارسي الأساليبِ الأدبيَّةِ يضعونها ضمنَ دراساتِ الشكلِ، وليس ضمن دراساتِ المضمون.

ولعلَّنا لا نجانبُ الصوابَ إذا ما قلنا : إنَّ الكثيرينَ من أساتذةِ الجامعاتِ العربيّةِ، وبخاصَّةٍ المتخصِّصينَ منهم في تاريخِ الأدبِ، والدراساتِ النقديَّة لا يرغبونَ في اعتلاءِ مضمارها، إنْ لم نقلْ : إنَّ وفاضَهم خالٍ من هذا العلمِ، واشتغالاته الدقيقة.

وعلى الرغمِ من كلِّ هذه المثـبِّطاتِ، والمصدَّاتِ المانعة، فإنَّ رغبتنا في تأصيلِ القولِ في بعضِ فرضيَّاتِ العروضِ، وما استقرأناه من محاولاتِ ابتداعٍ للأوزانِ الجديدة عند بعضِ النابهين من شعراء التجديد في عصر النهضةِ، وما تلاهُ من تحديثٍ عند روّادِ حركة الشعر الحرِّ، قد قوَّى لدينا الرغبة في نشرِ ما دوَّناه بين المتلقينَ الكرام بضمِّهِ بين دفَّتي كتابٍ يدعو الشعراءَ تحديداً إلى معاينةِ ما تمَّ من ابتداعٍ وزنيٍّ، وتجنّبِ المبالغة في التجريب، والابتعادِ عمَّا تثيرُهُ المغامرةُ غير المحسوبة من إشكاليَّةٍ تزري بالنصِّ الفجِّ، وتعرِّضُ الفارسَ المغامرَ إلى السقوطِ عن الجوادِ حينَ لا يأخذُ بوصايا المجرّبين ممّن سبقوهُ، ولا يلتزمُ بها.

من هنا جاءت تسميتنا لهذا الكتابِ بـ (وصايا ديدالوس) التي وردت في الأسطورة  اليونانيَّة (ديدالوس وإيكاروس)، وملخصها: أنَّ ديدالوس كان فنّاناً ماهراً، وذا قدرةٍ على الصناعةِ، وكانَ يُقيمُ في (كريت) على عهدِ ملكها (مينوس)، فطلب هذا الملك من ديدالوس بناءَ متاهةٍ معتمةٍ معقّدة المداخل ليحبسَ فيها مخلوقاً عجيباً، فقام ديدالوس ببناءِ هذه المتاهةِ، وتمَّ حبسُ ذلك المخلوق المشين فيها، لكنَّ ديدالوس ارتكبَ خطأً حين ساعد عشيقَ ابنةِ الملك على الهروب، فغضب الملك، وحبسَ ديدالوس وابنه إيكاروس في تلك المتاهة، وسدَّ منافذها بجندهِ، لكنَّ ديدالوس استطاعَ أنْ يصنعَ له ولابنه (إيكاروس) أجنحةً، وقرّرا الفرارَ بها، وأوصى ديدالوس ابنه قبل التحليق قائلاً : إذا طرتَ منخفضاً أثقلتْ الرطوبةُ جناحيكَ، وعندها ستسقطُ في البحرِ، وإنْ حلَّقتَ عالياً أذابت الحرارةُ شمعَ جناحيكَ،... طرْ بجانبي، وسوفَ تسلم.

غيرَ أنّ (إيكاروس) نسيَ نصيحةَ والده حين انتشى بالطيرانِ، فاستهواهُ الارتفاعُ، فعلا في السماءِ حتى اقتربَ من الشمسِ الحارقةِ، فذابَ الشمعُ العطرُ الذي يلصقُ الريشَ بعضه ببعضٍ، فهوى في البحرِ¹ .

ولعلَّ وصايا ديدالوس المتشحة بالتورية المقصودة، والترميز الذي قد يلقي المعنى في النفسِ بخفاءٍ محسوبٍ يفيدُنا هنا في مجالِ التجريبِ، وابتداعِ الأوزانِ، والحدِّ من المبالغة في الخروجِ عليها، وارتكابِ الكسور.)

آملينَ أنْ يجدَ القارىء الجاد فيهَ إجاباتٍ عن الأسئلةِ الملحَّةِ التي تعاطاها نقَّادُ العروضِ، ودارسوه.

 

عبد الرضا عليّ

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم