صحيفة المثقف

حوار مع المستشرق الألماني فالتر سومرفيلد

1143 البروفسور فالتر سومرفيلدوحديث عن  الآثار العراقية وتدميرها وسرقتها وأمور أخرى...

نقلا عن مجلة جيو أيبوخه (GEO Epoche) الألمانية/ العدد 87

ترجمة: بشار الزبيدي

***

جيو أيبوخه: الأستاذ البروفسور سومرفيلد، ماذا عن وضع الآثار القديمة في بلاد الرافدين؟

فالتر سومرفيلد: سيء للغاية - على سبيل المثال في نمرود، في مدينة كالخو القديمة. تلك المدينة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، واحدة من الروائع الأثرية في الشرق الأدنى القديم: وواحدة من أبهى العواصم الآشورية، باحتوائها على مقبرة ملكية غير مستكشفة. في عام 2015، قام مقاتلو ما يُسمى بـ "تنظيم داعش" بتدمير الآثار بشكل مُمنهج، إذ تم نسفها وتحطيمها بواسطة البراميل المُتفجرة والجرافات.

 

جيو أيبوخه: لماذا هذه الكراهية؟

فالتر سومرفيلد: يدعي تنظيم داعش بأن: "سكان بلاد ما بين النهرين كانوا من أتباع الآلهة الوثنية، ونحن نستأصل كل أنواع الشرك، سواء في الحاضر أو في الماضي." عدا ذلك لا يفكر أي إنسان آخر في العالم الإسلامي بهذه الطريقة. يُشير القرآن مرارًا وتكرارًا إلى بقايا الإمبراطوريات والمدن المفقودة: كتحذير للأشخاص الذين لا يعيشون حياة إلهية. ولا يوجد نص يُوجب تدمير هذه الأماكن.

 

جيو أيبوخه: أي اضرار أخرى الحقها تنظيم داعش؟

فالتر سومرفيلد: لم يوثق الرأي العام على الأغلب الكثير من عمليات التدمير، بالأحرى المتجارة غير القانونية للسرقات الآثارية. نفذ تنظيم داعش هذه السرقات بشكل مُمنهج في جميع المناطق التي خضعت تحت سيطرته. لكن قدمت بالمقابل أحزاب الحرب الأهلية الأخرى في سوريا والقوات الحكومية الخدمة للتراث الثقافي.

 

جيو أيبوخه: كيف تتم عملية المتاجرة بالمسروقات؟

فالتر سومرفيلد: يتم تهريب التماثيل والأقراص الطينية والأختام الإسطوانية خارج البلاد إلى كردستان وتركيا والإمارات العربية المتحدة. هناك تجار قاموا لعقود من الزمن ببناء شبكات تهريب في جميع أنحاء العالم.

 

جيو أيبوخه: من هم المُشترين؟

 فالتر سومرفيلد: مجموعات من أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل. والآن أيضا العرب الأغنياء وعلى نحو متزايد من دول الخليج. حيث وضعوا القطع الأثرية في خزائنهم كاستثمار مالي وينتظرون حتى تتوقف إمدادات آثار بلاد ما بين النهرين وترتفع قيمتها كثيراً. لكن المتاحف ساهمت أيضاً بهذه التجارة في الماضي، وبشكل خاص في الولايات المتحدة.

 

جيو أيبوخه: أليس بيع الآثار من المحظورات؟

فالتر سومرفيلد: حالياً نعم. ولكن في الغرب، كانت أسواق التحف المسروقة مسموح بها قانونيا لسنوات. وفي الوقت نفسه، هناك اتفاقيات دولية لليونسكو وقوانين الحماية. وبالتالي أصبحت المُتجارة تتم بالخفاء، وبهذا تكون العملية خارج حدود السيطرة. لكن الأمر كله يتعلق بالمبالغ الضخمة: فقد دفع مثلا قبل بضع سنوات مشتر خاص مجهول مبلغ قدره 57 مليون دولار من أجل شراء تمثال على هيئة أسد عُثر عليه أثر تنقيبات عام 1930 في بلاد الرافدين.

 

جيو أيبوخه: ما هو الدور الذي تلعبه ألمانيا؟

فالتر سومرفيلد: لسوء الحظ، كان دائماً بلدنا بمثابة إلـ دورادو فيما يخص التحف المسروقة. لم يتم بذل جهود جادة لوقفها حتى عام 2016. حتى ذلك الحين، كان يمكن بيع هذه المسروقات بشكل قانوني أو على الأقل بدون عوائق.

 

جيو أيبوخه: إن إرث بلاد الرافدين لم يعانِ إلا منذ ظهور "تنظيم داعش".

 فالتر سومرفيلد: كلا. فالغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003 وتهاون الأمريكيين، أوقع البلاد بيد اللصوص. الأضرار الناجمة عن ذلك هي واحدة من الأسوأ في تاريخ العالم. إنها أسوأ بكثير من أي شيء فعله تنظيم داعش، لأنها شملت جميع أراضي العراق،ومنطقة واسعة النطاق. قامت القوات الأمريكية أيضًا ببناء معسكر للجيش على أنقاض مدينة بابل وإنشاء مهبط للطائرات هناك. على الرغم من أن هذا الأمر كان يجب أن يحمي أيضًا المواقع الأثرية، إلا أنه أضر كثيرًا بالمواد الأثرية للموقع.

 

جيو أيبوخه: من المفترض،أن تكون هناك هناك طلبات ملموسة من جامعي القطع الأثرية القديمة قبل غزو القوى الغربية.

فالتر سومرفيلد: هذا ما أكده لي الزملاء العراقيون مراراً. ففي المتحف الوطني ببغداد، بعد غزو عام 2003، لم يحصل نهب عشوائي فحسب، بل أيضاً تم الاستحواذ على بعض القطع الأثرية عن عمد، وربما كانت هذه القطع غنيمة للصوص مأجورين متأهبين لهذه المهمة سلفاً.

 

 جيو أيبوخه:  لكن ماهو الفرق بالنسبة لك بين لصوص الآثار الحاليين وبين باحثي القرن التاسع عشر الأوروبيين الذين قاموا بنقل الكثير من الكنوز خارج مناطقها؟

فالتر سومرفيلد: في ذلك الوقت، كان معظم هؤلاء الباحثين قد حصلوا آنذاك على تراخيص رسمية من الحكومة العثمانية في إسطنبول: لذا فقد احترموا القانون الدولي، وتم بعد ذلك تقاسم الاكتشافات. بالطبع، سيتم تقييم مثل هذا التصرف بشكل مختلف تماماً عما يحصل اليوم.

 

جيو أيبوخه:  كان الألماني روبرت كولدوي في ذلك الوقت أحد علماء الآثار في بلاد ما بين النهرين. وبفضله، تقف اليوم بوابة عشتار البابلية شاخصة في متحف بيرغامون في برلين.

 فالتر سومرفيلد: من يرى البوابة، يفكر: بأن كولدوي قام بنقلها كاملة من بابل وأعيد بناؤها في برلين. إلا أن القليل من الزوار يعرفون أنه أحضر 500000 قطعة فردية في مئات الصناديق. وأن 30 عاملاً أعادوا بناء البوابة من هذا الحطام على مدار عدة سنوات. كانت تلك لعبة ألغاز عظيمة. بدون هذا الجهد الهائل، لما كانت بوابة عشتار موجودة اليوم.

 

جيو أيبوخه: لكن أليس البوابة مُلك للمتحف الوطني ببغداد؟

 فالتر سومرفيلد: اكتشافات بلاد الرافدين هي مُلك للدول المحلية ولكنها أيضًا تراث ثقافي عالمي. كان بإمكاني التعايش مع حقيقة أن المتاحف الغربية ستعيد كل القطع إلى بُلدانها الأصلية: في حال سهولة وصول العلماء الدوليين إليها في بغداد كما الآن في برلين أو باريس أو لندن. ولكن هذا ليس ممكنًا.

 

 جيو أيبوخه: ما حجم الخسارة التي طالت الأبحاث جراء المسروقات؟

 فالتر سومرفيلد: لا تُقاس ولا يُمكن تعويضها. عندما يتم هدم المدن القديمة التي تعود إلى آلاف السنين، فإن ثروة لا حصر لها من المعلومات والوثائق وفن العمارة تختفي بكل بساطة. ونحن لا نعرف ما إذا كان الآلاف أو مئات الآلاف من القطع التي تم استلابها من الأرض واختفت في مجاميع خاصة. في سوريا وحدها، لُحقت أضرار بنحو 1500 موقع قديم أو دُمرت تماما جراء الحفريات غير القانونية. وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن العديد من الكيلومترات المربعة من سطح العراق أصبحت بفعل نابشو الآثار أرض صحراء صخرية.

 

جيو أيبوخه: ماذا تقول للأشخاص الذين يعتقدون أن في ظل الحرب والإرهاب، هناك أشياء أكثر أهمية من الحفاظ على بعض التماثيل القديمة وألواح الكتابة الطينية؟

فالتر سومرفيلد: أنا لا أحب هذا التناقض. بالطبع، حماية الناس أمر بالغ الأهمية. لكن الإنسانية تشمل أيضًا الثقافة والاهتمام بالماضي.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم