صحيفة المثقف

متجر التحف القديمة

عامر كامل السامرائيللكاتب اليوناني: ميتروپولو كوستولا

ترجمها عن الإنكليزية: عامر كامل السامرّائي

***

جاءت الفتاة الشابة يوم الأحد مرة أخرى. أما هو فقد فتح المحل في وقت مبكر جداً من الصباح دون أي سبب مُعَيّن، كان يغني ويتطلع إلى الشارع. لقد حضرت بثوب شفاف من النسيج الأحمر الفاقع، التف على جسدها بطريقة بدت فيه وكأنها عارية تماماً.

"ما الذي تريد بيعه في يوم الأحد؟" سألته بسذاجة الفتيات في سنها ونظرت إليه بشكل استفزازي وأكملت "ألا تريد تقبيلي، يا أبي؟ لقد قطعت مسافة طويلة".

 دفع الباب خلفها بصخب وترك ذراعه مفتوحة. "احترس، أنت تفسد مكياجي، لا تكن فظاً، لقد التهمت أحد اقراطي مع أذني..، تمهل، قلت لك..، هذا لباس ثمين للغاية..، هل يعجبك؟ كلا..، أنا لا أرتدي أي ملابس داخلية، هذا يجعلك متوحشاً أيها العجوز، أليس كذلك؟ كلا..، لن أخلعه، أنا أشعر بالبرد، أريد كوباً ساخناً جداً من الشاي، هل ما زال لديك شيءٌ من هذا القبيل هنا؟ أشعر وكأنه مضى على غيابي أكثر من شهر، ما رأيك؟ لماذا تتطلع في وجهي هكذا، عن ماذا تبحث؟ هذه أنا، لقد جئت لرؤيتك، اشتقت إليك، والآن الشاي بسرعة. سأقفل المحل، ثم سأخبرك بقصة“.

تحدثت إليه وهي تتنقل بين ذراعيه ومنتصف المحل، حامت حول الأثاث والتحف المثقلة بغبار السنين، "أنا أحب هذا المكان، كما لو أنني في رحلة، تنقصني فقط حقيبة سفر"، وأفاضت ضحكتها الدمع في عينيه، بينما كان يعد لها الشاي، وكلمة "اشتقت إليك" أسكنت في ذهنه شيئاً قد يعني الحب. هراء، هل تستطيع فتاة شابة أن تحب رجلاً بعمر والدها لمجرد إنها تعاشره جنسياً؟ ومع ذلك عادت إليه، وهذا يعني إنها اختارته. بحق الجنة، كيف يمكنه تحمل هذه السعادة؟

"الشاي جاهز" فبَصُر بها من خلف الخزانة. كانت قد تعرت ولفت نفسها بغطاء الأريكة، ووضعت فستانها الأحمر البهيج على كرسي معطوب. ركع أمامها وراح يَلثم أصابع قدميها، والرصعات في ركبتيها، وبطنها، ونهديها الورديين، ومنكبيها، وعينيها، وفمها. "الآن وقد رجعتِ، ستعود لي الحياة "، وأراح خده بلطف على بطنها. "ابقي معي" فأثارتها دموعه الساخنة.

ما هذه التصرفات الغريبة يا أبي؟ أنت تبكي؟ أنا هنا، لن أذهب بعيداً، سأكون لك، يا له من شاي لذيذ! هل هذا من افريقيا ايضاً؟ أتعلم؟ لقد بدأت التعود عليك، رغم أن ذلك لا يعجبني كثيراً. فقد كنت دائماً حرة، فهمت؟ مهلا، انتظر، ماذا تفعل هناك؟ أنت تقودني إلى الجنون. لا تتوقف.

كان قد دفع رأسه بين ساقيها المنفرجتين وراح يمص ذلك الندى الدافئ، شاعراً بها ترتعش كالطير، لكنه بقيَ يمص ويبتلع نضيحها الملتهب، ويشم عبق جسدها وكأنه في مرج من الزهور، "أنتَ رائع"، قالتها وعيناها نصف مغمضتين، فأثارت تلك الكلمة وحشيته، فأنقض على جسدها العاري كئيباً، يائساً، وأولجه فيها عميقاً، فصدرت منها "آه" واهنة جعلته مذهولاً، فراح يكرر من جديد كلمة "أحبكِ"، فانكمش وجهها بعبوس كما يحدث في كل مرة وبدا عليها الامتعاض. لملمت نفسها في منتصف الأريكة فبدت وكأنها كرة حمراء، فحضنها وقال "أحبكِ"، وأخذ يقبلها من كل مكان كالمفتون.

ناولته سيكارة من علبتها. "كنتَ رائعاً، لذا لم أشأ أن أزجرك بسبب تلك الكلمة التي ما دمتَ تكررها" فأغمضت عينيها وقالت:" أشعر بالبرد"، فضمها بين ذراعيه ثم غطاها بشرشف قديم مطّرَز، وراح يقبلها مرة أخرى من كل مكان، فبدى عليها الضجر "كفى" أنا متعبة، وكف عن التفوه مرة أخرى بتلك الكلمات المثير للاشمئزاز. ما الذي تعنيه كلمة "أحبكِ"؟ كلمة بالية لا تعني شيئاً قط، أسمعها منك فقط "أحبكِ"، تعني بعبارة أخرى "رتابة". دثرني، أشعر بالبرد. كم الساعة الآن؟

كان يشعر بالرعب في كل مرة يخطر بباله أنها ستختفي فجأة ولن يراها أبداً مرة أخرى. "ما زال الوقت مبكراً، أريد سماع تلك القصة التي ستخبرينني بها".

جلس على الأرض وأرخى رأسه على ساقيها وقال: "سأسميك الخراب، أو الهاوية، أو أكرون*. سأدعوك نجمة الجنوب، مد البحر أو جزره. أخبريني كيف تريدينني أن أناديك لتأتي عندي، تسمعي ندائي وتأتي، وكل ما أستطيع أن امنحك إياه هو بقية حياتي الخاوية هذه، ولكنني سأبقى أحبكِ بوفاء. حسناً، لا بأس، لن أقول تلك الكلمة مرة أخرى، بيد أني سأكون وفياً لكِ وفاء الكلب، حتى وأن طردتني سأكون سعيداً. هل تريدين أن اتظاهر لك بأنني كلب، أترغبين أن تشاهدي ذلك؟"

فانحنى وراح يحبو على أربع، ونبح بنبرة حزينة، وحَّكَ نفسه بها، فانفجرت ضاحكة، "سأطلق عليكَ اسم (بلاكي)، لقد كان لدي كلب نَفَقَ منذ مدة، وستكون أنت بدله، تعال يا بلاكي، أركض دعني أرى ذلك، ولكن على أربع، ودون مخادعة"

تعب وراح يلهث فبدا وكأنه قد استنفد قواه تماماً" لقد هرمت ياصاحبي، تعال إلى هنا الآن، خذ هذا العظم لك، إلعقه، توسل، امسكْ به، يا لكَ من شاطر".

لفت ساقيها العاريتين حول عنقه، فحشرج مثل كلب "شكراً"، ثم كررها كبشر "شكراً". لقد استجمع كل حواسه لكي يبقي هذا الشعور بالسعادة لوقت لاحق، فيما لو رحلت عنه. ذكَّره صوتها بالموسيقى، فنهض مشدوهاً. "الآن سأقص عليكَ حكايتي. كنت قد ذهبتُ في رحلة دون أن أستعين بقارب، أو بقطار أو بسيارة أو حتى بطيارة، لا شيء من هذا القبيل. دعاني لها أحد أصدقائي الذي نشأت معه. كان عمرنا آنذاك تسعة عشر عاماً، قال لي حينها: "هل ترغبين برحلة؟". لم أفهم قصده، فأجبته: "لمَ لا؟" فذهبت معه. لماذا تنظر إليّ بهذه الطريقة، لم نمارس الجنس أيها العجوز، يا صاحب الغيرة القذرة. لقد قدم لي "الحشيش" ورحنا ندخنه ليل نهار ثمانية أيام متواصلة. لا أدري ما الذي فعلناه، وما الذي حدث في تلك الغرفة، غير أني في أحد الأيام شعرت بالملل، وبينما كان هو في الحمام، هربت. أتدري؟ لقد خدعته. لم أكن أتعاطى الجرعة التي كان يعطيني إياها، وإنما كنت انتظره ينتشي أولاً، ومن ثم أجرب من باب الفضول فقط. عار أليس كذلك؟ لقد علمت فيما بعد أن صديقي قد لطع إصبعه!، فقد تم العثور عليه ميتاً في الحمام. لحسن حظي أنني هربت، وإلا لكنت سأنفجر، ها؟ هل افزعتك؟ حدث مريب! لقد مررت ببعض الأحداث الغريبة في تلك الرحلة وأعتقد أنني وصلت إلى إفريقيا، تخيل!

 

.............................

* نهر في جهنم حسب الأساطير اليونانية (المعرب)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم