صحيفة المثقف

عندما ترقص ستارة النافذة

عمار حميدغالبا ما يأتي الخريف الى "هنا" متأخرا حاملاً معه نسائم باردة وليل بسماء جديدة مطرزة بالنجوم البراقة بعد خفت هذا البريق خلال شهور الصيف الملتهب ، في الواقع يبدو الامر رائعا جدا ولكنني افتقد في الخريف الى ذلك المنظر الرومانسي الذي يرافقه متمثلا في تساقط اوراق الاشجار وهي تودع عمرها ولونها الاخضر، وعلى الرغم من هذا الشعور بالفقد الا ان ليل تشرين فقط هو من يعطي للخريف رونقه حيث يدعوك هذا الليل الى الجلوس امام نافذة الغرفة المفتوحة والنظر الى القمر من بين تباشير الغيوم الرقيقة القادمة فتثير في النفس مصدر البهجة والالهام بالافكار والمشاعر والتمتع بجمال ما يحمله هذا الليل.

 ازدادت هذه الاوقات جمالا عندما ارسلت هذه الليلة التشرينية الباردة نسائم هوائها المنسل الى غرفتي لتبعث الحياة في ستارة النافذة البيضاء المطرزة بالورود وحبات اللؤلؤ المنمقة وتبدأ بالتراقص على ضوء القمر وسط موسيقى يعزفها هبوب تلك النسائم كأنها اميرة بفستان ابيض من قصص الخيال ، المميز في الامر انني كنت في السابق استلهم من الليل وقمره معاني الجمال وأنهل من نبعهما الصفاء النفسي والسكينة لكن الستارة البيضاء هذه الليلة كانت هي ضيفة الشرف وسيدة الحفلة وكان رقصها الهادئ هو الملهم للجمال هذه المرة تتوج شعورا بالسعادة لهذا الرقص الساحر حين تحجب الستارة من خلال رقصها القمر تارة او تحجبه الغيوم تارة اخرى عبر انسيابها.

 وكأنما القمر يشاطرني تلك السعادة من خلال انطباع الوجه المتبسم على صفحة قرصه الفضي وقد خبرت منذ الصغر شعور السعادة عنده عندما يكون الليل هادئا وصامتا بعيدا عن صخب الناس بعد ان تهجع فأعرف انه سعيد في تلك الليلة.

بقيت الستارة البيضاء ترقص على وقع النسائم وانا مستمتع بعليل برودتها والقمر معي يرسل بشعاع نوره عبر نافذتي واستمرت تلك اللحظات الساحرة حتى ودعتني ساعات القمر خلف الأفق بقرص ابيض شاحب وهدأت نسائم الليل مع اول خيوط الشمس فسكنت ستارتي البيضاء عن الرقص المباح.

 

عمار حميد مهدي

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم