صحيفة المثقف

ما سر الهجمة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود للمياه الإقليمية الليبية التركية؟

بكر السباتينكيف انسحبت مصر من تلك المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية، وما هي الجزيرة التي منحتها لليونان، ولمصلحة من تم كل ذلك؟

هل يحق لحكومة الوفاق الليبية إبرام اتفاقات إقليمية؟ وأسئلة أخر على محك الأزمة المنتظرة..

تركيا توقع مع حكومة الوفاق الليبية اتفاقاً حول ترسيم حدود المياه الإقليمية المشتركة بين البلدين، يخول تركيا التنقيب فيها عن النفط والغاز، ويقوم هذا الاتفاق الثنائي الذي وقعه رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي، ورفضته مصر واليونان وقبرص، وسط صراع بين تركيا والبلدان الثلاث على موارد الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، بمثابة اتفاق أمني يصب في مصلحة البلدين.

وفي سياق متصل جاءت ردود فعل مصر واليونان وقبرص فور إعلان الرئاسة التركية عن الاتفاقين العسكري والبحري مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية يوم الخميس الموافق 29 نوفمبر 2019، سلبية، حيث أخذها التصعيد إلى أزمة محتملة بين أطراف الصراع التقليديين، وقد أدانت الدول الثلاث الاتفاق واعتبرته "بلا أثر قانوني".

وهو ما أكده وزير خارجية اليونان نيكوس دندياس الذي زار مصر الأحد الماضي على نحو عاجل، لإجراء مباحثات مع نظيره المصري سامح شكري حول الاتفاق البحري الليبي التركي، وتوافق الوزيران على عدم شرعية قيام "السراج" بتوقيع أي مذكرات مع دول أخرى خارج إطار الصلاحيات المقررة في اتفاق الصخيرات. كذلك، تم استعراض التدخل التركي السلبي في الشأن الليبي بما يتعارض مع مجمل جهود التسوية السياسية في ليبيا"، حسبما ذكر بيان لوزارة الخارجية المصرية، فيما أكدت مصادر دبلوماسية أن الخطوة التركية تُحتّم الإسراع بتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان، علماً أن مصر أخرجت نفسها قانونياً من المنطقة لصالح الكيان الإسرائيلي المتمدد دون كوابح.

وتستمر الذرائع المصرية في تعميق الخلاف الإقليمي حول الاتفاق الليبي التركي، فمن جانبه، أجرى زير الخارجية المصري سامح شكري، الخميس الماضي، اتصالاً هاتفياً بكل من وزير خارجية اليونان نيكوس دندياس ووزير خارجية قبرص نيكوس خريستودوليدس، حيث أكد الوزراء "عدم وجود أي أثر قانوني لهذا الإجراء الذي لن يتم الاعتداد به لكونه يتعدى صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الليبي وفقاً لاتفاق الصخيرات، فضلاً عن أنه لن يؤثر على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط بأي حال من الأحوال".

من جانبه، قدم المستشار الدكتور مساعد عبد العاطي شتيوي، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للقانون الدولي البراهين القانونية على عدم شرعية الاتفاق الليبي التركي قائلا: بأن" حكومة السراج لا يجوز لها إبرام مثل هذه المذكرات، سواء من الناحية الدستورية أو الواقعية، لأن ليبيا تعد متجاورة في الحدود البحرية مع مصر وهناك سلطة وحكومة ليبيا أخرى في شرق ليبيا، ولا توجد حدود مباشرة بين تركيا وليبيا في البحر المتوسط، كما أن تعيين الحدود ليس عملاً أحاديا من منظور القانون الدولي، بل لابد أن تشارك به الدولة المتقابلة والمتلاصقة، ولا يجوز أن تنفرد حكومة الوفاق بمثل هذه المذكرات" لكنه لم يوضح علاقة مصر في الخلاف حول المياه الإقليمية المتنازع عليها ما دامت مصر تنازلت عن حقوقها القانونية لصالح الكيان الإسرائيلي ضد المصالح التركية ودون مراعاة لحقوق القبارصة الأتراك التي تمثلهم تركيا.

وتابع شتيوي لـ"اندبندنت عربية"، "إن تركيا دولة تقوم بممارسات تخالف القانون الدولي في شرق المتوسط، وتعترض سفن التنقيب داخل المياه القبرصية، وتقوم بعمليات تنقيب غير قانونية، كما أنها تعترض على الاتفاقيات البحرية المصرية -القبرصية، وأيضا أنقرة غير منضمة لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982" وهذا بحد ذاته يعد اعترافاً من شتيوي بأن هذه الاتفاقية الأممية لا تلزم تركيا بكافة الأحكام الواردة بها، ولكنه يرى بأن عدم انضمام تركيا للاتفاقية يدلل على سلوك لا يحترم قواعد القانون الدولي، ويمثل تهديدا للأمن والسلم الدوليين، متناسياً العربدة الإسرائيلية على هامش القانون الدولي واحتلالها لفلسطين، وخاصة دخولها عن طريق مصر إلى المياه الإقليمية المشاطئة لتركيا وقبرص ولو على حساب الحقوق السورية واللبنانية في المياه الإقليمية المحاذية لمنطقة الخلاف.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما غاية مصر من هذا الرفض لاتفاق تركي ليبي لا يؤثر على المصالح المصرية لا من قريب أو بعيد بعد أن تنازلت عن مياهها الإقليمية في تلك المنطقة لصالح ما يسمى "إسرائيل" ضد تركيا!

فمنذ بداية حكمه عام 2014، قام السيسي بالتوقيع على الاتفاقية الإطارية لترسيم الحدود البحرية المصرية مع كل من قبرص واليونان (برغم رفض الحكومة المصرية توقيعها منذ 2006 في عهد الرئيس الأسبق مبارك)، وبدون الأخذ في الاعتبار حقوق القبارصة الأتراك التي يتنكر لها العالم باستثناء تركيا التي تعتبر نفسها الضامنة لتلك الحقوق من ضمنها المياه الإقليمية لشمال قبرص التركي، كما أن تقسيم تلك الحدود ينتقص من المياه الاقتصادية لتركيا لحساب اليونان، الأمر الذي قابلته تركيا بعدم الاعتراف بتلك الاتفاقية التي تمت لأغراض سياسية واضحة.. والتضحية التي قدمتها مصر لصالح خصوم تركيا كانت فادحة، حيث أسفر الترسيم الحدودي المصري اليوناني حينذاك عن تنازل مصر عن مساحة تعادل ضعف مساحة دلتا النيل في مصر، وتضم تلك المنطقة جزيرة "تشيوس" حيث تم التنازل عنها لليونان التي تعتبر من أشد خصوم تركيا الإقليميين، صحيح أن الحكومة المصرية تؤكد أن الجزيرة لم تكن مملوكة لمصر.. ولكن الدكتور خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأميركية بالقاهرة يؤكد بأن الجزيرة ظهرت في الخرائط التركية من ضمن الأملاك العثمانية، حيث وهبت لمصر عام 1813.

ليس هذا فحسب فقد خسرت مصر خلال ترسيمها للحدود مع اليونان منطقة غنية بالغاز الطبيعي كما صرح الدكتور نايل الشافعي وهو محاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية وأحد المهتمين بقضايا الغاز، حيث أوضح أن حقل ليفياثان الإسرائيلي وإفروديت القبرصي يقعان ضمن المياه الاقتصادية المصرية الخالصة، وبتوقيع السيسي على الاتفاق مع قبرص يكون قد اعترف بالتنازل عن حقوق مصر في تلك الثروات، كما أسفر ذلك التنازل عن منح اليونان منطقة اقتصادية خالصة لجزيرة كاستلوريزو (المتنازع عليها مع تركيا)، فيتحقق بذلك تلامس حدود اليونان مع قبرص، ويؤدي هذا الإجراء لتلاصق الحدود البحرية لكل من إسرائيل وقبرص واليونان، بما يسمح بتمرير أنبوب للغاز الإسرائيلي والقبرصي لأوروبا دون أن تدفع إسرائيل وقبرص أي رسوم لمصر.

ويبدو أن مصر لا يهمها الخسارة المادية إزاء ما هو لمصلحة الكيان الإسرائيلي، وهذا يعيدنا إلى فضيحة عقد بيع الغاز المصري إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 2005 ويقضي العقد، حسب ما اعلنه المسؤولون المصريون آنذاك ( بتصرف- مدل إيست أون لان/ 2008) ، بقيام كونسورسيوم مصري -اسرائيلي اطلق عليه "غاز شرق المتوسط" بتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً الى شركة الكهرباء الاسرائيلية على مدى 15 عاما بقيمة اجمالية 2.5 مليار دولار.

واعتبر الخبير الاقتصادي في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية آنذاك، احمد النجار ان عقد بيع الغاز لإسرائيل هو "فضيحة سياسية واقتصادية".

وقال النجار بأن وزارة النفط "تبيع الغاز للكونسورسيوم المصري الإسرائيلي بسعر 1.5دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية وهو ما يعني أن هذا الكونسرسيوم هو الرابح الأكبر من هذه الصفقة".

وأكد النجار حينها أنه "إذا أخذنا في الاعتبار سعر الغاز الآن في السوق العالمية فإن هذا العقد يكون قد تسبب لمصر بخسارة قدرها 7.3 مليار دولار".

إذاً لماذا تتناسى مصر السيسي كل هذه التنازلات وتنسحب لصالح المصالح الإسرائيلية ثم تعود كرأس حربة سياسية لمهاجمة الاتفاق الليبي التركي حول ترسيم حدود المياه الإقليمية الملتهبة بين شركاء إقليميين ليست مصر من بينها.

 

دراسة استراتيجية تحليلية

بقلم بكر السباتين..

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم