صحيفة المثقف

ذهب قلبها معه

صحيفة المثقفتجاوزنا استدارة نفق التحرير بشق النفس، حشود متراصة، وانا وسط اللجة اكتسفت وكأن "التكتك" صنعت لفوائد جمة . تنتظر بين الحشود، تترك حولها فسحات صغير تعين على اختراق الحشود تمتد الى سياج نفق التحرير. يطل عليه جبل "احد" وعلى حواشي الخيم المنتشرة في الساحة. اتيح لي ان ارى طبيبة شابة تنحني على جريح جروحه طفيفة تسحبه الى السرير في الخيمة، ويهرب منها فتلحق به مصرة على مداواة جروحه او تعقيمها.

 نسيت نفسي وانا اتأمل ما تفعله الطبيبة الشابة، كأنها عاشقة ولهانة بكل جوارحها، قسمات وجهها الفتي تنبسط وتنفعل برقة امام الشاب، يصر على العودة الى الجسر، وتجرجر به الى السرير، فتصدر من الطبيبات والاطباء ضحكات كالهمس في الخيمة، سرعان ما تعالت، حين انفلت من بين يديها وهرب خارج الخيمة باتجاه الجسر . كأنه اخذ قلبها معه الى الجسر يحميه، وقد سدته الحشود في الاتجاه المؤدي الى المنطقة الخضراء .

نبهني قاسم: الطريق من نفق التحرير الى السعدون مغلق .

قلت له نحاول ان نذهب في كل الاحوال!

كنا خارج الزحام،الخيم امتدت على طول الشارع المؤدي الى السعدون من جانبي نفق التحرير .

 وفي الطريق عند نهاية نفق التحرير، توقف قاسم فجأة قرب خيمة امام مجموعة من الشباب،يعزفون بحماس واندفاع على الات موسيقية اغاني وطنية، وبينهم فتاة واحدة تمسك بالة صغيرة تشبه الناي .

سأل عن المسؤول او قائد الفرقة .

اجابه شاب يحمل الجيتار تفضل:

استصغر قاسم سنه !.

وسأله مازحا ودفتر النوتات مفتوح امامه:

تعرف تقره وتكتب "تقرأ وتكتب"؟

 فضجت الفرقة بالضحك .

ومن خلال ضحكه وارتباكه قال الشاب، للمرة الثانية تفضل:

قرأ قاسم مقاطع من قصيدة اعرفها وقبل ان يكملها قال له الشاب مسؤول الفرقة، هذه القصيدة سمعتها من قبل، يردد مقاطع منها بعض المتظاهرين. وكلماتها لابي محمد .

قال له قاسم أتريد قصيدة جديدة غير ملحنة ومعروفة .

قال له الشاب: اتمنى ذلك .. يا ريت يا ريت!

قال له قاسم:

اكتب ..

لم اسمع القصيدة من قبل،قد يكون كتبها الليلة البارحة عندما افترقنا بنهاية شارع الرشيد المشتعل نارا وحواجز كأنه ساحة حرب .

وما ان بدأ بقراءة القصيدة او مقاطع منها وقعت كأنها ملحنة بموسيقى وبالقاء بطيء وبحركة مكررة تملا القلب فرحا واملا .

 القصيدة ليست بحاجة الى ملحن،فقط تجد من يعزفها،رغم ان صوته أجش وغير غنائي، ولكنها ستكون كذلك لو ان المؤدي مغنن .

لفتت كلمات القصيدة انتباهه وبذكائه انتبه وقال وكأنه متأكد مما قال:

انت ابو محمد .

2

شارع السعدون مغلق،اصطف كالجدار على عرضه عناصر الشرطة، سوى فتحة تكفي لمرور الاشخاص بعد التفتيش ذهابا وايابا، تكفي ان ننفذ من نهاية نفق التحرير الى شارع السعدون وقت ما نشاء، كأنه حاجز ثابت لا ينام فرضه المتظاهرون بساحة التحرير.

3

يزدحم شارع السعدون بمتظاهرين من نوع اخر او محطة استراحة للعابرين. المقاهي والمطاعم ممتلئة بالزبائن وازدحامات هنا وهناك على جانبي الشارعين . اعدت على قاسم ما رأيته وشاهدته بالخيمة "المستشفى" خيمة الطبيبات والاطباء .ارتشف شايه ببطء وقال: الحب مختلف هنا، له طعم اخر . يقترن بحدث تأريخي لا يمكن للمرء ان ينساه ابدا مهما مضى به العمر . واضاف ولكن انها ممكن ان تعيد ما فعلته مع الشاب الجريح مع شباب اخرين لان حبها العميق لهم مسبق وليس صدفة .

قلت له بلا فلسفة .

اخد نفسا عميفا من سكارته بعد ان توقف وقال وهو يضحك:

حظي وين؟

يتأمل الفتيات والنساء المارات بشارع السعدون، كأنه يعرفهن من قبل وعن قرب، اوسبق ان التقى بهن،او راهن مرات ومرات مع المتظاهرين في ساحة التحرير اوجبل "احد" المطل على الساحة .

***

قيس العذاري

27.12.2019

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم