صحيفة المثقف

الباب الموارب في موقفي عباس وجامعة الدول العربية من صفقة القرن

بكر السباتيندعوناً نعترف قبل كل شيء بأن القيادة الفلسطينية في سلطة أوسلو سينتهي بها الأمر دائماً عند الأزمات التي تداهم القضية الفلسطينية لتكون العقبة الكأداء في طريق حل القضية الفلسطينية وفق الخيارات الرادعة والتي تقوم على المصالحة الداخلية والتراجع عن أوسلو وتبني خيار المقاومة استراتيجياً، وذلك بلجوئها إلى الخيمة العربية غير الآمنة وافتراش اليباب بجوار جحر لدغت منه مرات ومرات. وهذا يعني بأننا شعب لا يتعلم من أخطائه وخاصة على مستوى القيادة التي تتخبط في الظلام. فمنذ إفشال إضراب عام ١٩٣٦ بالركون إلى التطمينات العربية التي راهن عليها المضربون ومروراً بهدنة عام ثمانية وأربعين، بعد تعرض العصابات الصهيونية إبان المواجهات العسكرية الدامية لضغط عسكري عربي، أوشك على الحيلولة دونها وتحقيق النصر في ميدان المعركة، لينقلب السحر على الساحر حينما وافق عليها العرب، ما أدى إلى تعاقب النكبات على الشعب الفلسطيني حتى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي في مؤتمر صحفي بواشنطن "صفقة القرن"، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتتضمن الصفقة إقامة دولة فلسطينية في صورة أرخبيل تربطه جسور وأنفاق، وجعل مدينة القدس عاصمة غير مقسمة للكيان الإسرائيلي.. والتي لا تنسجم مع الضمير العالمي، ولا يقبل بها أي حر شريف في عالم يحكمه القانون الدولي إلا فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي.

وكان الأولى على الرئيس عباس أن يصنع خياراً فلسطينياً رادعاً من خلال تحقيق الوحدة الوطنية غير المشروطة مع المقاومة الفلسطينية القادرة على إفشال الصفقة باقتدار.. دون الاعتماد على الخيار العربي المتهاوي الذي اعتاد الضغط جهاراً نهاراً على القرار الفلسطيني لصالحها، وكأنها تريد من الفلسطينيين تعليق الجرس كي يتبعها القطيع.. كجامعة الدول العربية التي تخلت عن قضايا أمتنا وتحولت إلى بيدق في يد أمريكا والكيان الإسرائيلي!

وعليه! فما جدوى أن يقترب عباسُ من جحرٍ يكشف عيوبَه لعدوِّهِ المبين!؟ من هنا يمكن قراءة الموقف الفلسطيني من الدعوة إلى اجتماع جامعة الدول العربية الذي جاء بطلب فلسطيني للرد على صفقة القرن، وخاصة أن مبعثه لم يكن تحركاً عربياً مؤازراً لحقوق الشعب الفلسطيني، لا من حيث الشكل ولا المضمون.. وليس خافياً على أحد بأن الموافقات على حضور وزراء الخارجية العرب كدأبهم جاءت مشروطة بالتدخل المسبق في التوصيات التي على أساسها صيغ البيان الختامي؛ حتى يترك الباب موارباً لتمرير الصفقة، ربما بعد إجراء التعديلات عليها. وكنا ننتظر على صعيد فلسطيني خلال كلمة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، التراجع عن معاهدة أوسلو، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي كخطوة استباقية جريئة، ودعم المقاومة بكل السبل المتاحة؛ لأن نفي الوجود يستلزم من القيادة الفلسطينية العودة إلى مربع الثورة المسلحة بكل زخمها لتثبيت الهوية الفلسطينية وحقوق أصحابها المشروعة؛ لكن ارهاصات الولادة أخرجت من رحم الناقة فأراً هزيلاً ممعوط الشعر، ما كان منه إلا أن عزز من زمجرة الذئب المتربص بحقوق الفلسطينيين، حين قال عباس والذي بدا متعباً ومن حوله حاشية أوسلو تلقنه ما سقط من حديثه سهواً بأنه لا يريد اكثر من مكان يمكن تسميته بدولة منزوعة السلاح والسيادة يعيش الشعب الفلسطيني فيها بسلام، وأنه لا يؤمن باستخدام القوة ولا السلاح ولا المقاومة. هذا ما قاله قائد ثورة ملجومة السلاح ومحرومة من قول كلمة "لا". والنتيجة أن البيان الذي صدر من جامعة الدول العربية جاء هزيلاً، رافضاً لصفقة القرن من حيث الشكل وليس المضمون، أي أن الرفض العربي الخجول الذي تبناه عباس جاء على وضع صفقة القرن الحالي، لأنها لم تلبِّ الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. يعني تحتاج لبعض الرتوش حتى يجمع عليها العرب بما فيهم سلطة أوسلو.. وكأن الكيان الإسرائيلي كان حاضراً بروحه ليملي على وزراء الخارجية العرب تفاصيل بيان هزيل مموه لا يسمن ولا يغني من جوع.. وقد تحدد في سياق مخرجات القمة العربية التي وافق عليها عباس، مستوى بيان اجتماع منظمة التعاون الإسلامي المزمع عقده اليوم، الاثنين، في جدة؛ لتحديد موقف الدول الأعضاء في المنظمة إزاء صفقة القرن التي لا يفشلها إلا جهود المقاومة الفلسطينية ولجم سلطة أوسلو بأي وسيلة ممكنة. لأنه لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين.

 

بقلم بكر السباتين

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم