صحيفة المثقف

بعيدا عن الألم

عقيل العبودذات يوم من أيام برد شتائي، كما مع خطوات ليل قريب، رفيقة عمره التي تجمعه وإياها أحلام عشق بعيد، مثل سحابة أثقلها المطر، قررت ان تغادر اخر ما تبقى لها من محطات، ذلك استجابة لإرادة تلبدت أطرافها بشحوب خريف هرم.

اللحظة تلك، تساوقت على غرار ازمنة تاريخها المكاني تعلقت اصداف قلادته المضاءة بأحلام امنيات مرتبكة عند جدران فجر، تعطلت أصداء شمسه نتيجة لخلل حاصل عند أقصى ما تبقى له من مخاض.

المرأة تلك تحديا، لم يكن يستدرج انفاسها الألم، لذلك ابتسامتها بقيت عامرة مثل زهرة ابت ان يساومها العطش.

هنالك مع تلك الدموع، ثمة اوجاع كانت تنسل على شاكلة احجار تناثرت اشلاؤها، بحثا عن بقعة ما تستقر فيه من الجسد، تلوذ بين طياته كأنما هربا من انفجارات بركانية ، اوخوفا ربما من طعنات خنجر كان يتم غرسه كل حين عند أعمق نقطة من نخاع القلب، ليسلب غفوة اجنحة كانت مولعة برحيق بذرة تناثر عطرها عند فضاءات غائمة.

العائلة كلها اصطفت، ايناس، فاطمة، مرتضى مهند، بينما آيات القران بقيت تتلى بصوت الأب بخشوع لم يفارقه الأمل.

آنذاك الزاوية تلك التي التفت بشراشف سرير ابكم، اخر ما تبقى لها من كلام، تلعثمت أصداؤه مثل قاطرة انعطفت طرقاتها عند قارعة محطة متعبة، لتنفصل عن باقي العربات.

يومئذ المجتمعون عند تلك الأريكة، محبتهم مثل مهرجان تسود أجواؤه الدموع، الماضي احداث هي الأخرى تم استحضارها بصباحاتها وامسياتها، أحداث قررت ان ترتدي شروط بقائها، لعلها تلك المشاهد بخشوع تستعيد بعض الخطوات.

اروقة الشوق فجأة قررت ان تقدم نفسها على شاكلة قصائد منبر مقدس، لعله بطريقة ما ذلك البكاء يستنطق حكاية جديدة من حكايات فارقت اوراقها الأغصان بعد عناء طويل.

لذلك سر الملائكة بصحبة أغصان مورقة قرر زيارتها مع أشرعة كتب على منصاتها سورة ياسين، وآخر ما تبقى من سورة الضحى تتقدمها باقات ورد معطرة بشموع عالم آفل.

يومئذ صالة الدار اهتزت لتودع اعياد الميلاد قبل قدومها بذلك الصراخ الذي اختلطت وقائعه مع ومضات تحولت بعض أحزانها الى قداس، سماءاته هي الأخرى اوشكت ان تمطر سحابا استجابة لإنذار عاصفة أطلقت صفارات إنذارها الأخيرة.

الساعة الخامسة بعد منتصف الليل، اكراما لآذان الفجر، تقدمت عقاربها بعد ان قرر الألم ان ينتزع ذاته المتغطرسة بحثا عما تبقى له من ارشيف.

اما تلك الكتلة المحمولة من الصمت فقد استلقت محبتها هناك عند بقعة من الأرض بعيدة حاملة معها تاريخ ارث عراقي، ليغفو هكذا خريف جفونها بجوار تلك القباب مع حركة زورق احيط بزرقة كثيفة.

 

عقيل العبود: ساندياكو

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم