صحيفة المثقف

كورونا اللعين.. تحياتي !!

نجيب طلالهل نحن في حلم؟ يبدو ذلك ؛ ولكنه مزعج ! أم نحن أمام شاشة نشاهد ما نشاهده من أفلام؟ ممكن ولما لا !!! ولكنها مهولة مخيفة الأحداث والأهوال والأخبار والإشاعات ! الكل فيها بطل وحينا يصبحون اللابطل؟ حتى أن الكل انقلب على عقبيه؛ تخطيط وآمل الأفراد وسياسة الدول واستراتيجيتها؛ دول تتخبط في اللامعنى وتسابق المكان واللازمان  . وأفراد حيارى في اللاشيء . وبين الحلم والفيلم:  أي معنى أصوب (الآن) والمَشاهد والأفكار والقضايا تتزاحم وتتلاطم  في البحث عن الحياة . أي حياة؟ والستار أسدل على مسارح العالم؛  وانطفأت الأضواء وتم إغلاق أبوابها ! إنه الحزن والكآبة ستصيب رواد ها قبل رجالها؛ ولكن كيف سيصلون إلبها  وإن لم تكن مغلقة؛ وكل الطرقات والشوارع خلاء؛ طبعا هي خلاء في مدن كانت تهدر بحيوية ناسها وزوارها وضجيج محركات سياراتها ودراجاتها؛ ودقات أجراس كنائسها؛ وأصوات آذان مساجدها؛ وخرير مياه نافورتاها وصراخ حميمي لباعاتها المتجولين؛ ونغمات مبدعيها المتسكعين؛ وصياح بريء لأطفال وهم يترامون على العشب أو على أيدي  آبائهم وأرجلهم الناعمة  تخبط الأرض فرحا ...لكن (الآن) أي فرحة وأي بسمة تأجلت في أغلب المدن، لأنها مدن أشباح بدون أشباح؛ يا للمفارقة ! إننا أمام أفلام الرعب [الهوليودية] أفلام لم يهجرها سكانها؛ بل اعتقلوا بين الجدران قسرا؛ اعتقلوا بدون جريرة ولا جريمة؛ أرواحهم غائرة في اكفان الإسمنت؛ أجسادهم تترنح في مساحة ضيقة؛ هذا إن لم يكٌن الاكتظاظ كحالة الأوطان العربية ! غرف ضيقة وجدران ملتصقة لآ تتسع إلا لفردين أو ثلاث؛ لكن بداخلها شرذمة من العباد؛ تشخر وتسب وتنخر وتلعَن وتصيح وتتقاتل فيما بينها، ما هذا ولماذا؟ إنه سلوكها أمام الازدحام القسري وأمام البؤس  الجاثم في عيونها الغائرة قبل الموت؛ وأمام الحاجة والفاقة التي ازدادت بعد الحصار ! وتلك أسر حائرة  بين الحصار والأخبار المتسلسلة والتعليمات خوفا من الموت .أي موت؟  حتف نهائي بفيروس لعين إنها الحقيقة المتجلية (الآن) في كل الأمكنة المتحضرة أو المتخلفة  وفي كل الفضاءات المتقدمة أو المتأخرة.  كوكبنا الآن متساوي الأضلاع أمام الفيروس اللعين .

واحسرتاه ! فيروس استطاع  أن يدهس الأفراد والجموع؛ ويفرض علينا شرقا وشمالا وغربا وجنوبا أن نختبئ وراء الأبواب ونتخفى وراء جدران الشقق والمنازل . لحد اللحظة إنه ينتصر، وإنه يجبرنا،  بالعكس لقد أجبرنا أن نكون تحْت جبروته وإمرته وسلطته وتاجه لأنه [ كورونا ] فكل العباد والكائنات  منه  خائفين واجلين من اجتياحه ومن أنيابه اللآمرئية وأرجله غير المكشوفة  وجناحيه الكاسرة؛ فيروس لعِين مختفي عن الأنظار والعيون؛ إنه  أشد هيبة وضراوة وإقدام . فيروس أنت بلا شك محفوف بالجلال والخوف لكل من يسمع بك  أو يراك في جسد أحدهم تتسلل إليه؟ ولكن هل أنت كائن أو غير كائن؟ سؤال طرحه ويردده الفلسطيني والكندي والأسترالي والمالي والإسباني والمغربي والبلجيكي والموريتاني والهولندي والنيجيري والألماني والكويتي والهنغاري والعراقي والفرنسي والمصري والإيطالي ووو كل أصوات العالم في حيرة. إنه كائن حسب الخبراء والعلماء، غير كائن حسب المشعوذين والدجالين؛ إنه  وَهْم حسب الواهمين؛ إنه خرافة حسب المخرفين؛ إنه جني حسب المسطولين... ومختبرات العالم الصيني والأوروبي والأمريكي يتسابق خبراؤها وباحثوها عقارب الزمن ودورات الساعة، لإيجاد إكسير الحياة . لمقاومة الموت الأسود، لإيقاف جبروت الفيروس اللعين؛ ولاسيما أنه تسلل بدون سابق إنذار؛ لتدمير الحاضر والمستقبل وكل ما بناه الإنسان، لتحقيق مشروعه الحضاري.

تحياتي لك أيها الفيروس؛ رغم أنك لعين ! لعين حقا . ولكنك استطعت أن تقلب الموازين وأن تخترق كل الجغرافيات وتزحف في كل ارجاء المعمور؛ وفي كلّ القارات بدون تأشيرة ولا جواز سفر. لتمارس قوتك الأخطبوطية  وتوزع هلعك في الوجود والعَدم.  تلونت كالحرباء من العدم للوجود وأمسيت بيننا موجودا. بوجودك وسلطتك الخفية، تعطلت المشاريع والمحلات والأسواق والإدارات والشركات والعلائق والملامسات والتجمعات والأفراح والمؤسسات....

كورونا اللعين... أنت وباء رمادي؛ أنت جائحة سوداء؛ ورغم ذلك تحياتي لك !! لأنك مارست العدالة الإجتماعية والسياسية؛ لا تعترف باللغات ولا الأديان ولا بالحاكم المطلق للعالم ! لقد ساويت بين السيد والعبد بين الأجير والمأجور بين العامل والعاطل بين الصغير والكبير وبين النبيل والحقير؛ الكل خائف من تحركاتك؛ الكل مرعب من خطواتك؛ لقد خلقت فينا  شعوراً عاماً وإحساساً بمعنى وحقيقة الحصار وطمع الجوع رغم الأموال؛ ولا قيمة للجاه والصولة والمال أمام لذة الحياة؛ أمام الحرية؛ أمام الإنسانية الحقة .

فكن ابن الفيروسات رحيما؛ عفيفا وخفف أيها الفيروس الذي سموك '' كوفيد 19''من رعْدك ونهمك وهيجانك؛ كن هادئا  واترك عباد الله في سلام؛ وسلامك مقبول؛ ووداعك مأمول؛ نعدك بنافلة القول؛ أننا سنذكرك بألف خير؛ بعيدا عن الأقاويل وأقوال الوشاة؛ الذي يسعَون إفساد المحبة بين المحِب ِّومحبوبه؛ فهؤلاء الوشاة  لن يَقَع الطعْنُ إلا فى نُحورِهِم . نعلم أنك ترفض المواعظ؛ والإشاعات؛ نعتذر لك مسبقا؛ وكُن مطمئنا أيها الفيروس اللعين ! لن ترى ولن تسمع إلا خيرا عنك؛ وعن خصالك؛ فهل سمعْت أحدا في أرجاء العالم؛ يلعَن أو يسب الفيروسات التي كانت قبلك: كالطاعون والتيفوس والجدري والكوليرا وإيبولا وغيرها..  نعم أنت وباء شرس لا خلاف .

فاتركنا نعيد رمق العَيش لعوالمنا؛ ونرتب ما ضاع من أحلامنا وآملنا في هاته الشهور التي جثمت فيها على قلوبنا وأجسادنا ونفسيتنا؛ كل العباد أمست تعيش العزلة والخوف من الآخر؛ حتى لا يلمسه أو يسلم عليه أو يصافحه؛ الكل أمسى مصيره معلقا بين البطالة والعَطالة وبين الموت والحياة وبين البر والبحْر وبين الدِّفء والتشردِ.

ولن نخفيَ عنك سرا يا كورونا اللعين...  فنحن العَرب لم تعد الفرحة تدخل عوالمنا وفضاءاتنا ولا أجسادنا ولا بيوتنا إلا لماما واستثناء؛ الكل حاول أن يفتح التابوت الأسود الملعون. لكي نعيش على البكاء والدم وعويل الثكلى وحزن المهجرين واللاجئين؛ حروب هنا وهناك وفتن هناك وهنالك، بين الإخوة والأشقاء والجيران؛ ربما لعنة الإسكندر المقدوني لا زالت سارية المفعول؛ أم لعْنة  نوح لإبنه حام لازالت قائمة بالسلالة (؟ )

لن أطيل عليك أيها الفيروس اللعين؛ نعم أنت لعين ! ولا تعتقد أنني أسبك أو أشتمك بل أمزح معك؛ كما تمزح معنا منذ شهور بطريقتك . واعلم  ماكنت سأحاورك في سريرتي ولا على أوراقي؛ بل لا أدري كيف انفلتت مني هذه الأحرف وكيف انزلقت هاته الكلمات في ليلة حالكة؛ مضطربة بأرياح وأمطار قيل لنا أنها رعدية في مناطق أخرى؛ربما الخوف من هذا أو الوجل منك .

فما ذنبنا لنعيش هكذا بين الرعب والحصار؟ ما جريمتنا لكي نعيش بين الطوارئ الصحية والموت البطيء؟

فهل لك أيها الفيروس اللعين شروطا ومطالب لكي تنسحب من كوكبنا من وجودنا من ذهنيتنا من عقولنا؛ حتى نسترد لياقتنا وننعم بمعنى الحياة؛ رغم قساوة العيش، وإكراهات الزمان ....

 

نجيب طلال

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم