صحيفة المثقف

جدل قويّ حول تصريحات أردوغان وافتخاره بأجداده العثمانيين

علجية عيشتعرضت الدولة العثمانية إلى حملات عنيفة ظاهرها محاربة الظلم والفساد وباطنها التشهير بها والنيل منها وصولا إلى تفتيتها والقضاء على جسدها كأمة واحدة بعد سلخ الأمم والشعوب التي جسدت وحدة هذه الأمة، حيث انطلق الغرب الإستعماري والصهيونية العالمية في بث هذه السموم فاستخدموا أساليب الطعن والتشويه والتشكيك فيما قام به العثمانيون من خدمة الإسلام وعقيدته، وبدأت معاهد الإستشراق والجامعات الأوروبية الإهتمام بالتاريخ العثماني، وظهرت دراسات معادية لهذه الدولة وللإسلام عموما، خاصة بعد سقوط القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية التي حولها العثمانيون إلى دار الإسلام وأطلقوا عليها اسم "إسلام بول" أي دار الإسلام فتأثرت نفوس الأوروبيين بنزعة الحقد والمرارة الموروثة ضد الإسلام

يدور حاليا جدل قوي حول تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واعتزازه بأجداده العثمانيين في مقال نشر على موقع "الجيش العربي" في ظل تعالي اصوات بإعادة كتابة تاريخ الدولة العثمانية وإبراز صفحات من التاريخ الإسلامي رغم انقضاء ما يقرب عن 100 عام على نهاية حكم الدولة العثمانية، هو المقال الذي كتبه - عبد الناصر نهار- لاسيما وبعض الأصوات بالغت في انتقاداتها للحكم العثماني ووصف الدولة العثمانية بأنها غازية وراحت أصوات أخرى باتهامها بالهمجية والبربرية بل قالت أنها دولة إرهابية، وأن تركيا بقيادة أردوغان تسعى إلى إذكاء الفتن الطائفية، في محاولة منها إعادة النظر في العلاقات التركية السعودية والعلاقات التركية اللبانية وكذلك العلاقات التركية السورية وما يدور بين الحكومتين من خلافات أشار إليها الكاتب في مقاله، طبعا لا يسع المجال لذكر تفاصيلها هنا، وقدم الكاتب أمثلة حية عن تاريخ الدولة العثمانية من خلال مسلسل "حريم السلطان" الذي تم عرضه على الشاشات العربية وكيف تفشت مظاهر العنف والقتل من أجل السلطة، حيث لقي بعض الإنزعاج لدى الجمهور التركي وحتى حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس رجب أردوغان.

 ولا شك أنها تحركات المعارضة للإطاحة بالنظام الحاكم، خاصة وأردوغان ما يلبث في كل خطاب له أن تستلهم الدول والشعوب من التجربة التركية وتوعد ببناء تركيا جديدة بحلول 2023، كما دعا إلى استعادة تعلم اللغة العثمانية في المدارس التركية من أجل تجسيد مشروع "التتريك "، وإن كانت تركيا تعتبر جارة للعديد من الدول العربية في إطار الشراكة الإقتصادية، فهي كما يقول صاحب المقال ما تزال تعيش في أزمة هوية منذ سقوط الدولة العثمانية وتحولها من سلطنة إلى جمهورية، وكانت قناة الجزيرة قد عرضت صور ومظاهر إحياء الأتراك لحقبة الإمبراطورية العثمانية إلى غاية سقوطها عام 1918 والتي اشار إليها في مقاله الذي لقي ردودا قوية، بأن تركيا امبراطورية عسكرية لا تملك إنجازات وعلى اردوغان أن يطور بلاده، وغيرها من الآراء التي وقف اصحابها بين مؤيد ومعارض، خاصة ما تعلق بقضية تاريخ انتهاء معاهدة لوزان الموقعة عام 1923 بين تركيا وأطراف الحرب العالمية الأولى، أمام مطالب بإعادة أراضي سوريا وليبيا التي استولت عليها تركيا، لأنه ليس من حق تركيا كما قال أحدهم وقّع بأنه جزائري، أن تحقق مشروعها التوسعي على حساب الدول العربية والمسلمة.

بعد هذه المقدمة لابد من إلقاء نظرة تاريخية على نشأة الدولة العثمانية وعلاقاتها مع الدول، الواقع وكما جاءت به العديد من الدراسلت التاريخية أن الدولة العثمانية منذ نشأتها كانت تشكل هاجسا كبيرا بالنسبة للأوروبيين، لسبب واحد هو أنها كانت العدو الأكبر للمسيحية الأوروبية، فقد تعرضت الدولة العثمانية إلى حملات عنيفة ظاهرها محاربة الظلم والفساد وباطنها التشهير بها والنيل منها وصولا إلى تفتيتها والقضاء على جسدها كأمة واحدة بعد سلخ الأمم والشعوب التي جسدت وحدة هذه الأمة، حيث انطلق الغرب الإستعماري والصهيونية العالمية في بث هذه السموم فاستخدموا أساليب الطعن والتشويه والتشكيك فيما قام به العثمانيون من خدمة الإسلام وعقيدته، وبدأت معاهد الإستشراق والجامعات الأوروبية الإهتمام بالتاريخ العثماني، وظهرت دراسات معادية لهذه الدولة وللإسلام عموما، خاصة بعد سقوط القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية التي حولها العثمانيون إلى دار الإسلام وأطلقوا عليها اسم "إسلام بول" أي دار الإسلام فتأثرت نفوس الأوروبيين بنزعة الحقد والمرارة الموروثة ضد الإسلام.

يقول الدكتور عدنان العطار من سوريا في مقدمة كتابه الذي حمل عنوان: "الدولة التركية من الميلاد إلى السقوط" أن الدولة العثمانية أحرزت انتصارات باهرة باسم الإسلام ووصلت في فتوحاتها إلى فيينا عاصمة النمسا وهي اقاليم لم تخضع من قبل لحاكم مسلم وقامت بدور هام في نشر الإسلام في ربوع هذه الأقاليم ووحدت الشعوب الإسلامية في إطار يعتمد على المساواة بينهم دون تفريق في الجنس واللون، وقد تطرق الكاتب إلى تاريخ الأتراك منذ أن استوطنت عشائر "الغز" التي عرفت بالترك أو الأتراك منطقة ما وراء النهر والمسماة اليوم (تركستان) والتي تمتد من هضبة منغوليا وشمال الصين شرقا إلى بحر الخزر (بحر قزوين) ثم تحركات هذه القبائل وتنقلاتها ثم دخول الأتراك الإسلام في عهد الخليفة عثمان بن عفان، ثم فتحهم بلاد بخارى في عهد معاوية بن ابي سفيان ووصول جيوشها سمرقند، والعثمانيون ينتسبون إلى قبيلة تركمانية كانت في بداية القرن السابع الهجري تعيش في كردستان وتزاول مهنة الرعي، ونتيجة للغزو المغولي بقيادة جنكيز خان على العراق ومناطق شرق آسيا الصغرى، فإن سليمان جد عثمان الأول بن أرطغول مؤسس الدولة هاجر إلى بلاد الأناضول واستقر في مدينة أخلاط (شرق تركيا الحالية)، كما تحدث الدكتور عدنان العطار عن أعمال الأمراء الأتراك والسلاطين العثمانيين وخلفائهم، وأهم الحروب التي خاضوها ومنها حرب القرم والحرب مع العجم، وحربها مع الحركة "الوهابية" في جزيرة العرب ثم ثورة اليونان، وحرب الشام الأولى بين محمد علي باشا والدولة العثمانية.

الجزائريون والدولة العثمانية

ما يعاب على الدكتور عدنان العطار هنا أنه لم يتطرق إلى كيف ارتبط مصير الجزائريين بمصير الدولة العثمانية مثلما تحدث عن لبنان والمسالة المارونية وتسليم فرنسا السلاح للكاثوليك وكيف نشب الصراع بين الدروز والمراونة، إلا أن كتابات أخرى تطرقت إلى علاقة الجزائر بالدولة العثمانية منذ عام 1518 أي منذ أكثر من 03 قرون من حكم العثمانيين للجزائر باسم الخلافة العثمانية إلى غاية الإحتلال الفرنسي (1830) الذي حاول فصل الجزائر سياسيا عن الدولة العثمانية ووضعه حدا للوجود العثماني، لكن فشل في تحريض الجزائريين على العثمانيين، تشير الكتابات أن الوجود العثماني في الجزائر تميز بالحضور الألباني في الفترة بين 1516 و1830 عن طريق البحّارة حتى أصبحت أغلبية رياس البحر من الألبان أو الأرناؤوط في السنوات الأخيرة للحكم العثماني، كما ارتبطت إيالة طرابلس الغرب (ليبيا) والجزائر في العصر العثماني بروابط عديدة حيث شهدت العلاقات بين الطرفين ازدهارا ملحوظا وعلى مختلف الأصعدة، كانت إيالة الجزائر من أبرز الولايات العثمانية التي ارتبطت بعلاقات مع طرابلس القرمانلية، حسبما اشار إليها الدكتور مفتاح غويطة من جامعة المرقب ليبيا، لكن الإحتلال الفرنسي للجزائر عجل في سقوط الحكم القرمانلي خاصة وأنه اقترن بشيخوخة رمز السلطة الوالي يوسف باشا فحدث توتر في العلاقات الطرابلسية الجزائرية.

ويذهب باحث آخر وهو الدكتور عقيل البربار من ليبيا أيضا للحديث عن علاقة الكراغلة بالجزائر العثمانية في طرابلس الغرب، والكراغلة هم عسكر محليون وهم خليط بين الطرابلسيين والجزائريين مهمتهم مساندة الدولة العثمانية في جمع الضرائب وفي فض النزاعات مقابل الحصول على الإعفاء من دفعها، لكن ماهي الأخطاء التي ارتكبها الوجود التركي في الجزاٍئر؟ تشير بعض الدراسات أن الرابطة بين الأتراك والجزائريين هي الإسلام والخلافة، فقد اكتسب الأتراك مشروعية وجودهم في الجزائر من خلال جهادهم ضد القوات الأجنبية وتحرير الأرض، لكن الحكام العثمانيون استغلوا هذا الوضع فترّكوا الحكم (أي أن تكون الجزائر تركية كما سعت فيرنسا وجعل الجزائر فرنسية)، ونظروا إلى الجزائريين نظرة الغالب والمغلوب، حيث فرضوا الإستبداد المطلق في تسييرهم الأمور الداخلية، بل حاولت السلطة العثمانية أن تفرض المذهب "الحنفي" على الجزائريين وأن يتحكم في أوقافهم، فأنشاوا إدارة محلية يتولى المفتي الأكبر الإشراف عليها، حيث تطورت الأحباس في الجزائر خلال العهد العثماني على المذهب الحنفي، تقول تقارير أن وثائق الأحكام الشرعية بالأرشيف الوطني الجزائري يحتوي على عقود تحبيس الأملاك، تعود إلى بداية القرن التاسع عشر وكانت هذه العقود في معظمها على المذهب الحنفي.

 

علجية عيش

.....................

المصادر

1) الدولة العثمانية من الميلاد إلى السقوط للد/ عدناة العطار من سوريا عن دار الأصالة ووحي القلم ط1 2006

2) محاضرات قدمها أكاديميون في مؤتمر دولي حول: "الجزائر والعالم العثماني احتضنته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة في نوفمبر 2010 .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم