صحيفة المثقف

التين المسموم..

بكر السباتيندخل الجائع البستان المجاور لإحدى المطاعم الفاخرة. كان مغمض العينين. قرر أن يسرق ما يسد جوعه.. تسلق الجدار العالي بقدميه الحافيتين.. لم يأبه لنباح الكلاب المستعرة وقد مزق الصمت وهو يضج في أرجاء البستان الوارف الظلال.. لا يدري كيف واتته الشجاعة ليقفز إلى الجهة الأخرى.. تسلق شجرة التين دون أن يخفي معالم وجهه الشاحب، وبدت عيناه الجاحظتان مأخوذتين إلى حبة تين كاد لفرط استوائها أن يسيل من تشققاتها العسل الشهي، حتى سال لعابه.. مد إليها يده المنهكة المليئة بالعروق.. وباغتها بقطفة سريعة.

وهذه يده تقتطف حلمه الصغير الذي بات لقيمة سائغة في فمه المتساقط الأسنان.. وتنتشر حلاوتها في عروقه حتى استطابت له السرقة واندمج في آثامها؛ ليأتي على غيرها حتى أتخم من الشبع.. وحينما هبط على الأرض المرطبة استلبت نظره لوحة كتب عليها:

" إحذر.. أشجار البستان مرشوشة بالمبيدات السامة".

أكلت المفاجأة رأسه.. تراخت عضلات وجهه الشاحب، تقلبت عيناه في جفنيه الغائرين.. وبغتة أطلق الجائع ضحكة هزت بدنه النحيل وهو يتحسس بأنامله المرتجفة بطنه الضامر.. ثم استأنف الضحك ساخراً من الموت، هامساً في أعماقه بتوجس وارتياب:

"أين كنت وبطني الضامر لم يجد ما يسد رمقه حتى في الحاويات المركونة خلف المطاعم الفاخرة.. تعال أيها الموت الزؤام نتسامر في ظل هذه التينة إلى أن يحين موتي أو أتقيأك فأعيد الكرة من جديد".

ثم انهزم الجائع دون أن يقوى على شيء.. أسند ظهره إلى ساق التينة الهرمة فيما أرسل قناديل روحه لتوقظ أحلامه عساها تختطفه من موت محتوم.. ورغم ذلك كانت الضحكات الساخرة تنبعث من كل ركن في أعماقه كأنها تصرخ في وجهه المكفهر:

"يا أبله!

أمثالك لا يكترث الموت بهم..

فمن يشارك الفطط طعامها في حاويات النفايات يصبح من ذوي الأرواح السبعة ".

فسرت رعشة ارتياح في جسده الواهن وهو يتلمظ طعم حبات التين اللذيذة كأنه يلعق بلسانه الملتهب ما جادت به خلية نحل من عسل بري.. واستلبته غيبوبة النوم والكلاب تنبح دون أن يحرك ساكناً إزاءها.. لأول مرة يغطس في النوم العميق وهو شبعان.

***

قصة قصيرة..

بقلم بكر السباتين..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم