صحيفة المثقف

دراسات قانونية: تنفيذ العقود الادارية.. نظرة عامة

حسيب الياس حديدجان ريفيرو وجان والين (1)

ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد


هنالك صفتان رئيسيتان تصف هذه الحالة  الاولى تمتلك الادارة بخصوص متعاقدها اولاً  وقبل كل شيء امتيازات ليس لها ما يكافؤها في العقود الخاصة وتنتج اما من شروط في العقد أو من قواعد عامة واجبة التدقيق على كل عقد اداري وتكون ملازمة لطبيعته . ويتجلى ذلك في  التنفيذ الاعتيادي وفي فرض عقوبات على عدم التنفيذ أو سوء التنفيذ . والثانية  ان لعدم المساواة الاساسية حد معين فيما يتعلق بالجانب المموّل إذ ان المتعاقدين ينتفعون من الضمانة التي يتجاهلها القانون الخاص والتي تميل إلى ان تضمن في كل حال من الاحوال استعمال  الادارة لامتيازاتها فيما يخص مكافأة تتناسب والمواد الاولية .

امتيازات الادارة

أ) التنفيذ الاعتيادي

كما هي الحال مع أي متعاقد تطلب الادارة من الطرف الاخر تنفيذ التزاماته كما نص عليها هذا العقد . ويعدّ التزام التنفيذ شخصياً وان المتعاقدين من الباطن والذين بواسطتهم يعهد المتعاقد مع الادارة الى مؤسسات أو شركات خاصة اخرى كأطراف معينة لتنفيذ العقد يجب ان يتم تخويلهم ( القانون في 14-3-1973 القانون المؤرخ في 31-12-1975 ) وكذلك العقد المبرم بين الاشخاص الخاصين ما عدا الاستثناءات التي تم ذكرها في فقرة 109من قانون العقود. وتسمح  القوة القاهرة حصراً للمتعاقد بان يتخلص من ذلك فإذا ما كان هنالك ما يجعل ان يخفي موضوع او  محل العقد فإنه سوف يتم فسخه بحق تام , وفي الحالات الاخرى يستطيع المتعاقد  الانتفاع بذلك عن طريق الطلب من القاضي بالفسخ ولكن من ناحية اخرى نلاحظ :

1- ان العقد كقاعدة عامة يحفظ للادارة الحق اما ان تدير أو ان تراقب عمليات التنفيذ . وفي حالة الاعمال العامة على سبيل المثال فإن مهندسي الادارة الخاصة بالجسورمثلاً يستطيعون الوصول إلى اماكن العمل.

2- هل تستطيع الادارة تعديل التزامات متعاقدها بصورة احادية الجانب؟ تتعارض هذه السلطة للتعديل احادي الجانب مع المبدأ الاساسي في القانون الخاص لثبات العقود وعدم تغييرها ومن حق احد اطراف الاعتراض على ذلك. اما بالنسبة للفقه فقد وضع حدّا لهذا الجدل  من خلال التأكيد على مبدأ  واضح وهذا ما اقرّه ( مجلس الدولة في –شباط-1983 ، اتحاد النقل العام 1984 ) ولا يوجد  إلا ترجمة لأولوية المصلحة العامة والتي متطلباتها يمكن ان تتغير مع الوقت ولا يمكن ان تخضع للفشل بواسطة القواعد التعاقدية الثابتة . وتستطيع الوزارة ان تزيد وتعدّل وتقلل الالتزامات المتعاقدة . وتم فرض هذه القاعدة بالنسبة لامتيازات المرافق العامة كما اقر ذلك مجلس الدولة  فإن المتنازل له في مجال الانارة بالغاز تم اجباره بعد اكتشاف الكهرباء والتكيف للتقنيات الحديثة ( مجلس الدولة الغاز في دوفيل ليروان ، 10-1-1902 ) وهنالك ايضاً مدينة في طور التوسع يمكن ان تفرض على المتنازل له من شبكة الترامواي واستحداث خطوط جديدة لا ينص عليها العقد ( مجلس الدولة لـ 21-3-1910 ) وهنالك حدود ايضاً مقيدة تسمح  بالجدل العقائدي الذي تم التأكيد عليه سابقاً بتحديد اساساً للحاجة لتكييف الخدمة إلى موقف جديد ولا يتبرر ذلك إلا بدافع . والأكثر من ذلك وما ورائه حجم معين من التعديلات يستطيع المتعاقد الطلب من القاضي ان يصدر حكما بفسخ العقد . ومن ناحية اخرى لا يمكن ان يعتبر التعديل احادي الجانب ضمن تخفيض الفوائد المالية الممنوحة للمتعاقد . وأخيرا فإن ذلك يصبح بفوائد مالية تمنح للمتعاقد ويسمح ايضاً بحق الحصول على الالتزامات المالية وفق الالتزامات الجديدة .

ب) العقوبات في حالة الخطأ في التنفيذ

حول هذا الموضوع تختلف  التزامات الادارة باتجاهين:

1- إذا كانت الادارة قد ارتكبت خطاً يسمح القانون العام للمتعاقد بأنه يقوم بالدفع بعدم تنفيذ العقد من أجل تعليق التنفيذ من التزاماته الخاصة به ولكن يبقى  الشخص ملتزما بالتنفيذ مهما كان خطا الادارة ويستطيع فقط ان يلزم القاضي بدعوى التعويضات أو طلب الفسخ في حالة وجود خطأ جسيم .

2- في حالة خطا الشخص مثل الاهمال وسوء العمل والتحايل والإبطاء فإن الادارة لها ايضاً سلم واسع من العقوبات التي تمثل سمات اصلية مقابل القانون الخاص.

أ‌) تم توجيهها ليس فقط نحو فصل الارباح وإنما ايضاً نحو تنفيذ فعلي طبقاً لمتطلبات المصلحة العامة .

ب‌)  يوجد هنالك  خارج المقررات الخاصة بالعقد وما ينص عليه  وتتمتع الادارة بصلاحيات  حتى في حالة صمت العقد ان تصدر العقوبات التي تتكافأ مع النقص المثبت (مجلس الدولة 31-5-1907)

ت‌) وبصورة خاصة تم اتخاذ قرار بصورة احادية الجانب من قبل الادارة من دون أي تأكيد مسبّق على الخطأ من قبل القاضي وبعد التحرك  ضمن اطار العملية التعاقدية اعادة ظهور اجراء معين للقرار التنفيذ وللامتياز والسمة بالقوى العامة. تشكّل ممارسة مثل هذه الامتيازات التزاما حقيقياً بالنسبة للإدارة. ويرفض القاضي وفي حالات نادرة قانون التخلي عن ذلك والعمل على ادانة المتعاقد الفاشل ( مجلس الدولة في 21-7-1970 ) ولا تسمح  القاعدة إلا باستثناء : استحقاق المتنازل له للخدمة العامة لا يمكن الحكم عليه إلا من قبل القاضي نفسه .

ث‌) يستطيع المتعاقد ان يدعو القاضي لعقد جلسة  ويتم دفع تعويضات أو غرامة تعويضية

3) العقوبات الرئيسة تكون على ثلاثة انواع:

أ) العقوبات المالية:

اما ان تكون مشروطة بالعقد نفسه أو ان تلعب دوراً اوتوماتيكياً عندما تنتج لنا النقص المنصوص عليه وكذلك العقوبات التعاقدية .

ب) العقوبات الموجهة من أجل ضمان التنفيذ

على الرغم من الاخفاق أو عدم تنفيذ المتعاقد الشريك فإن الادارة في هذه الحالة تستبدل نفسها على اقل تقدير بصورة مؤقتة وان تأخذ على عاتقها التنفيذ باليد .

بالنسبة لإبرام العقود ترتبط  الادارة وبقوة عندما يتعلق الامر بتنفيذ العقد وتنص على الصلاحيات التي لدى المتعاقد والتي لا يمتلكها . وفي الحقيقة، يمثل  النظام واجب التطبيق على العقود  الادارية خصوصيات مميزة بحقيقة ان مهمة المصلحة العامة التي تتبعها الادارة تقع في الاولويات وهكذا فإن الذي يبرر ويشرّع السلطات المفرطة لهذه الاخير هي الادارة . وهكذا نجد ان المتعاقدين للإدارة لا يحرمون من امتيازات. وفي الحقيقة يتم التأكيد على ان المتعاقد له الحق في التوازن المالي للعقد . وهنالك خصوصية اخرى للعقود الادارية تستمدها من التأثير الذي يمكن ان تتمتع به الوقائع الخارجية للعقد على ذلك وهنا يتعلق الامر بإدارة الحالات الخاصة بالقوة القاهرة وبواقعة الامير وكل ما هو غير متوقع .

مفهوم النية المشتركة للأطراف

ان مفهوم النية المشتركة للأطراف عبارة عن بيانات اساسية في القانون الخاص التعاقدي إذ يستند  النظام القانوني للعقد وبصورة اساسية على ارادة الاطراف . كما ان البحث عن هذه الارادة يعد المسعى الاول الذي يفرض نفسه على القاضي من أجل ان يحدّد معنى ومدى الالتزامات التي تم الاتفاق عليه .

وندرك  ان القاضي الاداري يتمسك غالبا في هذه الارادة أو النية المشتركة للأطراف  ويستعمل المبادئ الخاصة بالتفسير التي تم تعريفها ضمن اطار المادة 1156 والمواد التالية لها من  القانون المدني الفرنسي . فإذا ما استعمل القاضي الاداري مفهوم النية المشتركة للأطراف من أجل تحديد مدى الالتزامات التي تمت صياغتها والاتفاق عليها في العقود فانه سوف يذهب ابعد من ذلك إذ يستند  القاضي القضائي على المفهوم ذاته من أجل توضيح حلول اصلية معينة يتمسك بها ضمن اطار تنفيذ العقود .

مدى القوة الالزامية للعقد

تم التعبير عن القوة الالزامية للعقود في المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي . وعندما يتمسك العقد الاداري بالقانون الخاص بالإدارة والمتعاقدين أكد مجلس الدولة  مراراً  على المبدأ في القرار المشروع فيما يتعلق  بالغاز في برونو وهو قرار اكد عليه مجلس الدولة وعبّر عن هذا المبدأ بصيغة محددة وقد ورد  عن مجلس الدولة ما يأتي ( بما ان هذا المبدأ الذي يتم الاعتماد عليه فإن العقد ينظر وبصورة قطعية إلى حدود المدة الزمنية التي ينقضي فيها حيث انه يحدد الالتزامات الخاصة بالإدارة والمتعاقدين ) .

القوة الالزامية للعقد تترجم عن طريق التزام انجاز الخدمات المنصوص عليها

يؤكد  القضاء وبثبات على التزام التنفيذ الذي يقع على عاتق المتعاقدين في الادارة . وان هذا بدوره يجب عليه ان ينفذ الالتزامات المنصوص عليها وبصورة صحيحة وبكل دقة واهم شيء بنية حسنة . كما تخضع  الادارة نفسها من جانبها لالتزام تنفيذ العقد بدقة وبصورة صحيحة وبصورة كلية . ويعترف القانون الاداري بناءً على ذلك كما هي الحال مع القانون المدني بالمسؤولية التعاقدية التي طالما اكد عليها الفقه .  وإذا كان لدينا مبدأ القوة الالزامية يجب اعتبارها مبدأ اساسيا ينظم تنفيذ العقود لهذه الحالة ولابد من ان نعترف بان ذلك يواجه قيودا مهمة . فالمبدأ الذي تم التعبير عنه في متن المادة 1134 من القانون المدني تؤكد على الاطراف واجب تنفيذ الشروط المنصوص عليها  وتعد هذه الالتزامات ممكنة ولا يمكن تعديلها إلا بموافقة الاطراف. ولذلك هنالك موقف مساواة بين المتعاقدين .

وعندما نعتبر بان وضع الادارة للحالة التقليدية فإنه من الممكن ان تساورنا بعض الشكوك حول المدى الحقيقي لهذا المبدأ . وفي الحقيقة ترى  الادارة نفسها بأنها معترف بها من قبل القاضي الذي يعترف بسلطة تعديل شروط معينة وبصورة احادية الجانب وأيضا هنالك سلطة على انهاء العقد بصورة مبكرة . وهنا نؤكد بانه يمكن للإدارة ايضاً ان تعمل على تنفيذ القوة الالزامية للعقد وتستطيع الادارة في بعض الاحيان ان تتنصل من بعض الالتزامات التي تم الاشتراط عليها وتستطيع ان تشرط على المتعاقد التزامات جديدة .

لقد تم توضيح  السمة الالزامية للعقد والثبات والمساواة بين اطراف. إلا اننا سوف نرى ان هذه الامتيازات المختلفة تخضع بدقة للقانون وتصبح ايضاً لنظام فقهي وقضائي محدد بصورة جيدة . ويمكننا ان نستنتج ان ذلك يشكّل ومن دون أي شك اختراقات ومخالفات لمبدأ الثبات للشروط التعاقدية ولكن لا يعني ذلك انكار أو نفي للقوة الالزامية للعقد .

  

ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد

كلية الحدباء الجامعة – الموصل

...........................

1- Jean Rivero et Jean Waline: Droit administratif,DALLOZ ,Paris ,1996

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم