صحيفة المثقف

وقفة مع الفيلسوف بيير زاوي في كتابه معبر الكوارث

علجية عيشوَبَاءُ اليوم مُخَطَّطٌ جَيِّدٌ ضِدْ كِبْرِيَاء ما بعد الإنسانية أو التّفاؤل التكنولوجي

هل كورونا أزمة العولمة؟ وكيف يمكن رؤية العالم القادم؟ يجمع مفكرون وفلاسفة غربيون أن الأزمة الصحية عادة ما تجر الحكومات إلى أزمة اقتصادية واجتماعية بل قد تخلق أزمة روحية و حضارية، وفي النهاية تصور للصورة التي تكون عليها الإنسانية، في الكوارث والأوبئة  نشعر بأننا من الأنواع البيولوجية، بل نشعر أننا على عكس جميع الأنواع البيولوجية الأخرى، في ظل  التطور الكبير لأنظمة الاتصالات، الأكثر تطوراً والأكثر هشاشة بين جميع الأفراد الذين يشكلونها

الفيلسوف بيير زاوي pierre zaoui، أستاذ في جامعة باريس (باريس7سابقًا)، في كتابه معبر الكوارث La Traversée des Catastrophes، قبل عشر سنوات شكك في هذا الكتاب في علاقة الإنسان  بالموت والحياة والمرض على نطاق أوسع،  قال أن التجارب التي نواجهها جميعًا فلسفة ثمينة في مواجهة وباء كورونا كوفيد 19، فالعيش أو الحياة من وجهة نظر هذا الفيلسوف هي أن يسقط الإنسان أسير المرض لكي يعرف معنى الحياة  ومن وجهة نظره العيش والمرض يمكن فهمه من عدة نواح، لاسيما الجانب الواقعي، فالمرء لم يتوقف أبدًا عن المرض منذ ولادت وقد يستدعي حضور الطبيب، مستشهدا بعالم  الأحياء كزافييه بيشات في نهاية القرن الثامن عشر عندما عرّف الحياة بنظرو سلبية وقال أنها  "مجموعة الوظائف التي تقاوم الموت"  العيش ليس هو أبعد ما يكون عن المرض، بل مواجهة بعضنا البعض من البداية إلى النهاية بالأمراض التي نمر بها، والتي نتغلب عليها، والتي تضعفنا في بعض الأحيان بشكل دائم والتي تقوينا في بعض الأحيان (في أولاً نظام المناعة لدينا.

من الواضح أنه طالما أن الشخص ليس ميتًا فهو لا يزال على قيد الحياة وهذا يعطي صورة لامعة نوعا ما عن ثباته أو قوته الروحية، لكن ليس الجميع أقوياء، فالحياة  بارزة وغير قابلة للخطأ بشكل واضح، ولن تحمينا التكنولوجيا أو التقدم العلمي من المعاناة والخسارة والموت، وباء اليوم كما يضيف مخطط جيد ضد كبرياء ما بعد الإنسانية أو التفاؤل التكنولوجي، في الوقت نفسه، تعلمنا الأوبئة العكس أيضًا، فنحن  كأنواع  عرضة للخطر إلى حد ما، لقد مرت البشرية، بدون أي دواء حديث، بالكثير من الأوبئة والكوليرا، وقد نجت في كل مرة (ليس من دون ضرر فظيع في بعض الأحيان ولكنها نجت)، ولذا الحياة لها قوة الربيع وقوة غير متوقعة للمقاومة والتكيف، يقول بيير زاوي : يبدو لي أن الدرس الأول عن الأوبئة، هو درس عن الفيروس التاجي مثل الآخرين، هو تعليمنا أن حياة الإنسان بالكامل هي دائمًا مزيج من مشاعر الضعف، وبدون الشعور بضعفك تفقد إنسانيتك وشعورك، من ناحية أخرى، فهي مكلفة للغاية ومثالية إذا لم تتحد مع أي شيء آخر.

و يعبر بيير زاوي عن موقفه من الرواقية، إذ يرى أن من يعجبه في الرواقي هو أنه يسلح  نفسه تمامًا ضد تقلبات الحياة، ضد ما يحدث في الوقت الحالي  وهذا يؤدي بالضرورة إلى المبالغة في حبس المرء واكتفاء نفسه بالحرية في التمثيل وحده، فإذا أردنا أن نأمل أن تتغير الأمور سياسياً أثناء هذا الوباء وبعده، وإذا أردنا أن يكون لدينا ما يكفي من القوة للعمل عندما ينتهي الاحتواء، يجب أن نقبل اليوم النزول إلى ساحة العالم وأن يعبر مثل أي شخص آخر عن العواطف المبتذلة التي يرفضها الرواقيون: الرعب قبل كل هؤلاء القتلى، والسخط والغضب من الأخطاء والأخطاء التي ارتكبت وما ارتكبت، والعاطفة التعاطف مع جميع أشكال التضامن والكرم الجديدة.

و يرى هذا الفيلسوف أن المشكلة الأخلاقية الكبرى اليوم هي مشكلة فرز المرضى في وحدات العناية المركزة، ويتساءل  كيف يمكن للأطباء الخروج منه أخلاقيا؟ حتى لو كانت لديهم معايير موضوعية كالعمر، التاريخ الطبي، وشدة المضاعفات الرئوية وما إلى ذلك، فهذه المعايير تظل غير كافية للسماح لهم باتخاذ قرار ضمير لكل حالة فردية، خاصة في حالات الطوارئ. لذلك سيحتاجون أيضًا أن يكونوا مثل الرواقيين، اي أن  يتسلحوا بأنفسهم، وهم بذلك يخاطرون بالجنون، لكن كيف تتكون الرواقية؟ يرى بيير زاوي أن الرواقية تتكون  من شيء واحد فقط هو أن تكون قادرًا على التمييز بين ما يعتمد علينا وما لا يعتمد علينا، وأن نكون قلقين تمامًا بشأن ما يعتمد منّا، لكن بدون هذه القدرة، تنهار كل الأخلاق، وستكون الفوضى، ومن ثمّ لا يمكن لمقدمي الرعاية الاستمرار في العلاج، وبائعي الضروريات الأساسية لإطعام السكان، والبحث عن الباحثين، وجامعي القمامة للتخلص من النفايات والروائح الكريهة.

 

ترجمة علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم