صحيفة المثقف

القرآن الألفي.. الإعجاز الخطي في القرآن الكريم

سلام كاظم فرجثمة خطأ شائع عن المثقف التقدمي العلماني يتداوله مثقفون تقدميون.. إذ يعتقد البعض منهم  ان المثقف التقدمي في غنى عن الاطلاع على الكتاب الديني الصرف...

ومن طريف ما أتذكر إني عندما اتشرف بزيارة صديق مثقف.. أذهب أول ما أذهب اليه الى مكتبته.. لعلني اعثر على كتاب نادر ممتع ومفيد..

قد اعثر في بعض مكتبات الاصدقاء على نفائس من الكتب الثمينة من روايات ودواوين شعرية وكتب فكرية لمؤلفين من الشرق والغرب من عرب ومن اوربيين واميركيين .. وغالبا ما اجد بعض مكتباتهم عامرة بمؤلفات ماركس وانجلز وسارتر ونيتشه وغيرهم من كبار المفكرين والمؤلفين لكني لا اعثر مثلا على نسخة من القرآن الكريم فأبتسم ..!! (أنا هنا اتحدث عن بعضهم..)...

وبالمقابل كنت حين ازور صديقا مولعا بقراءة الكتب الدينية.. قد أجد عنده عشرات الكتب المتعلقة بالفقه والحديث والتفاسير.. لكني لا اعثر على رواية واحدة او مجموعة شعرية.. ولا اجد كتابا واحدا في الماركسية او الوجودية ولا حتى كتابا واحدا  لبرالي الفكر أوالتوجه..

ومن طريف ما مررت به إني حين كنت أتسائل ومن باب المداعبة عن كتب الخندق الآخر من توجهات الصديق المعني كان يبتسم بإشفاق وينظر في عينيّ ليتأكد من سلامة عقيدتي او ربما قواي العقلية..

زرت صديقا.. هو قريب لي فوجدت مكتبته عامرة بصنوف من كتب دينية بعضها راق ومهم.. وحين سألته عن ابن خلدون أجاب وبثقة لا أقرأ له ولا أريد !! وحين سألته عن  الدكتورعلي الوردي قال أكرهه!! سألته ولمَ..وهل قرأت له..؟ أجاب لم أقرأ له ولا أريد..!!!

هذه المقدمة اسوقها لكي أبين ان المثقف لكي يستحق ان يقال عنه مثقفا ينبغي ان يكون شاملا في قراءاته. ملما ببعض ما يتداول من كتب وافكار متباينة ومختلفة.. فما كتابات كانط وماركس على سبيل المثال  إلا نتاج لقراءات سابقة في الفكر المسيحي أواليهودي وربما الاسلامي.. مضافا اليها كل الافكار النقدية التي انتجتها الحضارة الرأسمالية.. وبالمقابل فإن الكثير من مؤلفات المفكر محمد باقر الصدر هي نتاج قراءة متأنية واعية للفكر الماركسي ومعظم افكار المؤلفين الرأسماليين...

وعليه كنت سعيدا جدا بوصول الكتاب الذي أكرمني صديقي الاستاذ الشيخ عبد الامير النجار فأهداني نسخة منه.. (الإعجاز الخطي في القرآن الكريم.. القرآن الألفي أنموذجا..).. فكرة الكتاب لطيفة غير مسبوقة تتناول كل الخطوط التي كتب فيها القرآن الكريم منذ بدايات كتابته وحتى يومنا هذا.. ويتناول موضوعة فريدة ورائعة هي موضوعة الكتاب الألفي..

موضوعة الكتاب الألفي

من أجمل ما وجدته في الكتاب وما أشار اليه الاستاذ النجار ان الآية (بسم الله الرحمن الرحيم)  كتبت في الكتاب الألفي بخط يختلف عن مقدمة السورة التي سبقت أختها بمعنى ان السور  قد كتبت البسملة فيها بـ( 113) نوع من الخط العربي حسب مراحل تطوره عبر القرون المتعاقبة وهذا امر لا يمكن ان يهتدي اليه وكما أشار  المؤلف الا من وفقه الله وكان ذا حظ عظيم من الحذق والمهارة والاطلاع.. يفهم ذلك أولو الفن والمعرفة بشؤون الخط العربي.. ان جمالية تلك الخطوط تجعل من يقرأ القرآن الكريم وفق تلك التقنية منبهرا ومستمتعا..

ان تسمية القرآن الالفي تعود في الأصل الى  المؤسسة التي أشرفت على طبع القرآن الكريم في الهند (بومباي).. حيث ان كل سطر في هذه النسخة الفريدة الجميلة لابد ان يبدأ بالحرف ألف (الهمزة)..وباللون الاحمر.. حتى ان دعاء ختم القرآن يبدأ بالحرف ألف..

لقد قضيت وقتا ممتعا ومثمرا وانا اطلع على الكثير من الاطروحات الجميلة التي تخص تاريخ الخط العربي من جهة وتواريخ كتابة القرآن الكريم .. ولكن في الختام لابد من ذكر التنويه المهم الذي اورده الاستاذ الباحث القدير عبد الامير النجار حيث ذكر انه وبمتابعة مستفيضة عرف ان فكرة القرآن الألفي ليست من بنات افكار مؤسسة ناشري القرآن الخاصة المحدودة ولا هي من بنات افكار الخطاط المبدع الشيخ محمد يوسف القاسمي عظيم آبادي بل هو مجرد عملية نسخ لمخطوطة قرآنية موجودة ومعروضة في مكتبة متحف سالار جنك بحيدر آباد في الهند فضلاعن ذلك (وهنا يكمن الاعجاز الخطي ان سطريها الاول والاخير يبتدئان بكلمة واحدة ..)

تقول الباحثة (سيدة أصفياء كوثر) في دراسة لها موسومة بـ(نوادر المخطوطات العربية في مكتبة متحف سالار جنغ) ومن بين المخطوطات القرآنية توجد نسخة يبتديء كل سطر من سطورها بالحرف ألف وسطراها الاول والاخير يبتدئان بكلمة واحدة.. وهذه النسخة معروضة في المتحف ورقمها(173)..

لقد ضم كتاب الاستاذ الشيخ عبد الامير النجار صورا رائعة جميلة لبعض تلك الآيات المطبوعة بخط آسر جميل.. كما ضم العديد من الاطروحات الفكرية والفلسفية حول علاقة الاعجاز الخطي بالإعجاز البلاغي لكتاب خالد ومقدس عند ملايين البشر.. فتحية الامتنان والعرفان لصديقي الذي اعتز بصداقته ما حييت.. لقد منحني فرصة ان اكون قريبا من كتاب الله بشكل جميل واستثنائي..

 

سلام كاظم فرج..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم