صحيفة المثقف

ما بعد الإنسانية الفلسفية لفرانشيسكا فرناندو

رحيم الساعديبقلم روبرتو مانزوكو

ترجمة: رحيم الشياع الساعدي


للحديث عما بعد الإنسانية، يجب أن نعود إلى ماض بعيد نسبياً - إلى الخلاف الفلسفي الذي فصل الفلسفة التحليلية للتقليد الأنجلو أمريكي عن التقليد القاري الذي هيمن على الثقافة الفلسفية لأوروبا-

وفي تفكيكه المستمر للافتراضات الأساسية للفلسفة الغربية السائدة (من أفلاطون إلى القرن التاسع عشر)، يأخذ التفكير القاري الحديث مصدر إلهامه الرئيسي من نيتشه وما بعده، بالتركيز على تفكيك الله، الموضوع، الموضوعية أو الحقيقة، والعقلانية، في عملية التسييل العدمي.

وعلى الرغم من أن البعض حاولوا مواجهة هذه العملية، إلا أن الكثير قرروا تبني الاستراتيجية المعاكسة - أي قبول ومحاولة "العيش" في هذه الحالة العدمية.

وكمصطلح، ولدت (ما بعد الإنسانية) ضمن النظرية الأدبية، وتحديداً من خلال مقال شهير في عام 1977 من قبل إيهاب حسن (بروميثيوس: نحو ثقافة ما بعد الإنسانية؟) وما بعد الإنسانية الفلسفية هي حركة مفصلية أو متنوعة تهدف إلى مواصلة عملية خلع الذات البشرية التي بدأت بالضبط مع (أسياد الشك الثلاثة (نتشه وماركس وفرويد)

أحد الأسس المركزية لهذا التدني للذات البشرية، هو أن البشرية هي نوع واحد فقط من بين العديد من الأنواع، ويترتب على ذلك أن المنظور الإنساني للواقع هو مجرد واحد من وجهات النظر المحتملة للعديد من الأنواع التي تعيش في كوكبنا بشكل أساسي، ويُنظر إلى البشرية على أنها نوع من بين الأنواع الأخرى، دون أسبقية معرفية معينة.

إن الاتهام الذي أثارته ما بعد الإنسانية ضد الوسط الثقافي المعاصر (اتهام، مفارقات، وجود جاذبية في الثقافة الشعبية)، هو محاولة للهروب من قيود الحالة الإنسانية، ليس من أجل التخلي عن النظرة البشرية، بل لمطالبتها بان تكون شاملة تجاه وجهات النظر غير البشرية وتتبع حدود الفكر والمعرفة البشرية، وتحاول في نفس الوقت التقاط البانوراما المعرفية خارج الأفق البشري وباختصار ان تحاول رؤية الأشياء من وجهة نظر غير بشرية وهذا مشهد غير معروف (غير معروف إلى حد كبير).

الإنسانية: الحياة والموت، الماضي والمستقبل 

ينتمي العديد من المفكرين المعاصرين إلى هذه الحركة ومنهم فلاسفة ما بعد الإنسانية دونا هاراواي ، كاثرين هايليس ، ستيفان لورينز سورغنر ، ديفيد رودن ، وبالطبع فرانشيسكا فرناندو وفي موجزه الإرشادي الأخير الفلسفي ما بعد الإنسانية (2019) ، تقدم فرناندو بمراجعة لحركة ما بعد الإنسانية ، وأسسها الفلسفية ، وعلاقاتها مع الحركات الأخرى ، بما في ذلك ما بعد الإنسانية وفي الواقع ، ويؤكد فرناندو بأن ما بعد الإنسانية هو مظهر من مظاهر فلسفة ما بعد الإنسانية.

وما بعد الإنسانية هي حركة سياسية وثقافية وفلسفية تهدف إلى التغلب على حدود الحالة الإنسانية و تتمثل أهداف ما بعد الإنسانية في العيش لفترة أطول، والتغلب على قيودنا المعرفية الحالية، وحتى تحسين أجسادنا بطرق جديدة، باستخدام التقنيات التي لا تزال في مرحلة مبكرة من التطور، أو لم يتم اختراعها بعد.

 ويمكننا تعريف ما بعد الإنسانية على أنها أيديولوجيا، لكنها تمتلك خاصية غريبة تفصلها عن الأيديولوجيات الأخرى هو مرونتها فهي تتوافق مع أي أيديولوجية أو فلسفة أخرى مستعدة لقبول فرضيتها الأساسية - بأن تعديل الكائن البشري من خلال التكنولوجيا فكرة جيد، ونجد جماعة ما بعد الإنسانية يعرّفون أنفسهم بأنهم ماركسيين وليبراليين وحتى مسيحيين.

وتتضمن ما بعد الإنسانية الفلسفية سلسلة من التأملات الأصلية التي نجحت في إثارة نقاش قوي. على وجه الخصوص، فيناقش فرناندو الدور الذي لعبته التكنولوجيا في تحديد ما يعنيه "الإنسان" و "ما بعد الإنسان"، وكيف يتشكل الموضوع البشري من خلال التكنولوجيا التي يستخدمها (خاصة في إشارة إلى مفهوم ميشيل فوكو عن "تقنيات الذات")

ولا يتوقف فرناندو عند حافة الفضاء، لكنه يبني علم الوجود لمرحلة ما بعد البشرية الذي يشمل الحقيقة بأكملها، ويمتد نطاق ما بعد الإنسانية إلى الكون بأكمله، وفي الواقع، إلى جميع الأكوان الممكنة.

وفي الجزء الأخير من نص كتابه، يحلل فرناندو الفكرة الرائعة والمثيرة للجدل للأكوان المتعددة.

وهنا تتطابق أفكار ما بعد الإنسانية مع التساؤل فيما إذا كنا في تخيلنا للأكوان الأخرى، لا نلونها بطريقة أو بأخرى من خلال تحيز الإنسان نفسه.

 

..............

 روبرتو مانزوكو: كاتب وصحفي ومؤرخ إيطالي متخصص في تاريخ وفلسفة علم الأحياء والابتكار التكنولوجي والتنبؤ التكنولوجي ، كتب عن كتاب  ما بعد الإنسانية الفلسفية للكاتب فرانشيسكا فرناندو ،ويقع ب 296 صفحة ، المصدر : مجلة الفلسفة الان

إيهاب حبيب حسن، واضع نظريات أدبية وكاتب أمريكي ولد في مصر. ولد في القاهرة بمصر، وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1946. عمل كأستاذ متفرغ بقسم بحوث فيلاس في جامعة ويسكونسن ميلووكي (المترجم)

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم