صحيفة المثقف

كلمة في تفلسف موران وانتظامه داخل النسق الفلسفي الغربي

حمزة بلحاج صالحعندما أنظر لاخواننا المشتغلين بفلسفة الدين وعلم الكلام الجديد وولعهم وهوسهم بالظاهرة الايمانية في تشاركها مع الإديان وبعض الفلسفات الايمانية. وتمسكهم بها كخلاص أوحدي يستبعد بقية الجهود أو يتفهها ويقلل من قيمتها ويتنكر لها، أراهم يقفون على سطوح المفاهيم وتشكلها دون حفر عميق وسبر لأغوارها.. وأراهم يقتبسون مثلا لا حصرا من موران الكثير من مفاهيمه دون صرامة ويقظة ايبستمولوجية في مسار وسيرورة تشكل المفاهيم عنده والحفر في جذورها ونواظمها ومرتكزاتها في كل مسارها التاريخي وتوظيفاتها ...

 رغم استبحار موران في علم الانسان والإناسة أي الانثربولوجيا وقضايا النسق والنهج وتوظيف العلوم والمعارف المتعددة في مقاربة الظاهرة المعقدة...

رغم جهوده في بعث مخابر البحث في النظم القيمية طبعا الأرضية بامتياز تطلعا لمطلق محايث وارضي وترابي...

نجد موران كفيلسوف وسوسيولوجي وإناسي قد عجز عن بناء تعريف ورؤية مستقلة للحياة ونراه في النهاية قد لخصها في التطورية-الفوضوية الباكونينية الجذور والبرودونية الإرهاص نسبة الى " برودون " باعتباره إرهاصا سابقا لفوضوية باكونين...

 كما يعتبر كروبوتكين تتويجا وتلخيصا لباكونين واستيعابا وتطويرا لنظريته التي تلاقحت مع التطورية الداروينية ومن عجز عن تلمسها في نصوصه عاد الى تلك الحوارات التي دارت بين كروبوتكين الروسي وداروين ...

ان كثيرا من العناصر البانية للمنجز الفلسفي تتعذر وتتمنع عن الظهور بجلاء في نصوص اصحابها للباحثين في ميتافيزيقا تكوين وبنية النص وأسسه ونواظمه ومرتكزاته...

وقد تفوت الباحث أن يتلقفها في منعطفات هامة كما هو الحال هنا في مراسلات بين كروبوتكين وداروين...

ولا يقوى نقد منظومات الأفكار علميا ويتمكن من النفاذ الى أسس النظم والعناصر البانية لها الا اذا استقل وتحرر الباحث من سطوة وهيمنة النسق وانفلت من قبضته...

وهذا نهجي الذي اشتغل عليه وأقوم في صمت على بناء وتشييد صرحه المنهجي وهو يقف متوسلا بكل النقود الداخلية والخارجية والهوامش والمراكز المعرفية...

إن التحرر من هيمنة النسق الفهمي السائد هي التي تحول دون الوقوف على انتظامات الفلاسفة والمفكرين داخل الأنساق كما هو الحال هنا بالنسبة لموران الذي رغم العطاء الهائل طيلة عمر طويل بقي سجين منظومة الفكر الغربي المادية وتحكمت في جميع إضافاته والتي تندرج تحت عنوان انطولوجي يمفهم الحياة تحت ناظم الفوضوية-التطورية...

أردت ايضا أن أقول لا تكفي أن تكون المشتركات عناوينا بل يجب ان تكون مفاهيما تناقش وتجدد...

واذا بقيت عناوينا كانت مجرد توافقات ومواثيق يجب أن تعمق لا علما ومعارف تحدد الوجهات الإيمانية وتعرف بالدين وبمعاني العقل والإنسان والإنسانية وتعالج الخواء الروحي...

والا فكل عنوان له إحالاته المفهومية والنظرية وأطره الانطولوجية ولا يسعفنا ان نقول انها التجربة الانسانية التي تجمعنا...

 فالتجارب الانسانية تؤطرها النظريات والفلسفات والمعارف (الأطر الإجتماعية للمعرفة - جورج غورفيتش) وتشجبها وتحرفها فلا يبقى منها الا الغلاف مشتركا...

ونحن نبحث عن الروح لا الغلاف فلاهوت غيرنا غير لاهوتنا...

التوافقات هي مواثيق للتعايش وأسقف مشتركة للسلم وليست بدائل دينية نتعبد بها لله...

ثم إن من جعلوا همهم ومركز اهتمامهم لاهوت الايمان وضعوا أنفسهم على حافة العلمانية وتبنوا كهنوتات الاديان الاخرى مبررا للنكوص فنكصوا وهم لا يشعرون...

وبات البون شاسعا بينهم وبين اسلام للحياة كلها ولسياسة الانسان في الدار الدنيا من اجل فوزه بالاخرة...

ليس هذا انغلاقا بل تحيزا تقتضيه طبيعة التدين لا يمنعنا من التعايش فقط وجب التفريق والتمييز ...

لقد تحولوا لى رهبان ألفاظ وانتزعوا العرفان من روحه وحولوه الى عرفان غنوصي شارد معلمن للدين...

وتوسلوا بعلم الكلام الجديد الذي بات لاهوتا اخر مشحونا برمزية اللاهوت الاخر الذي يبرر هذا المسعى الروحاني الخالي من بصمة الدين لمفاصل الحياة ...

 

حمزة بلحاج صالح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم