صحيفة المثقف

صناعة الأوبئة وحروب الجراثيم

عبد السلام فاروقكل التكهنات والتنبؤات بحدوث الوباء، برغم كل ما قيل، ليست دليلاً أو برهاناً دامغاً على أن كورونا جزء من حرب بيولوجية. حتى أقاويل بيل جيتس، أو فيلم كونتاجيون، أو تحذيرات العلماء ..

السبب أن السيناريو الذى حدث فى ووهان الصينية عام 2019م، هو مشهد مكرر حدث مثيله بحذافيره عام 2003 مع وباء سارس .. ما يعنى أن تحذيرات العلماء والتنبؤات مجرد تخوفات من تكرار مشهد سارس، وهو ما حدث بالفعل!

فى هذا العام اجتاح وباء سارس عدداً من الدول كسنغافورة وفيتنام وتايلاند وتايوان وكندا، بالإضافة للصين التى بدأ منها المرض "غير المعروف" آنذاك.

والذى جعل الوباء ينتشر سريعاً فى هذه الدول أنه ظل مجهولاً غير معروف السبب، ويتم التعامل معه باعتباره التهاب رئوى عادى . وإلى حين تشخيص المرض وفصل الفيروس المسبب له، كان المرض قد تفشى بالفعل، وكان عليهم أن يتتبعوا الإصابات الكثيرة جداً، فى عملية شاقة ومعقدة ليصلوا إلى الحالة رقم صفر، والتى بدأ منها المرض . واتضح أنها لتاجر مأكولات بحرية اسمه "جو زوفنج"، وأنه كان من نوع "الناشر الفائق- superinfective" وهو تعبير اصطلاحى يعنى أنه ليس من أصحاب العدوى النمطية، فمعدلات العدوى لديه فاقت الرقم الحسابي الذى يعبر عن متوسط عدوى آمن. وأنه عندما كان يُعالَج فى حجرة العمليات لإدخال الأنبوب التنفسي له حدث تدفق دموى مخاطى تناثر فى الأرجاء وتسبب فى عدوى 23 طبيباً وممرضة . وأنه قبل ذلك تسبب فى عدوى نحو 20 من المحيطين به . لدرجة أن أعضاء الهيئة الطبية لقبوه بملك السم. وفى حين مات أكثر الذين أصابتهم العدوى بسببه إلا أنه نجا من الموت. وكان من بين المصابين بالعدوى وقتها طبيب يقطن فى أحد الفنادق، وتسبب السعال والعطس فى إصابة سيدة كندية كانت هى السبب فى نشر العدوى فى كندا!

تلك الأحداث كانت السبب فى الهلع الذى أصاب الجميع وقتها من إمكانية تكرار مثل هذا السيناريو، لكن بصورة أكبر وأعنف.

هل من الممكن بعد كل هذا الهلع والخوف الذى تعرَّض له العالم آنذاك أن تتورط الصين أو أمريكا فى حرب بيولوجية مفتوحة؟

إنها شريعة الغاب

التاريخ يجيب، ويقول نعم .. من الجائز جداً أن تقوم دولة بمثل هذه الحماقة رغم كل شئ، وأن تاريخ أمريكا مع الحرب البيولوجية حالك السواد..

يعود تاريخ الحرب البيولوجية إلى ما قبل الميلاد، لكنها كانت فى أغلب الأحوال فى إطار الحروب التقليدية المحدودة .. الآشوريون مثلاً وضعوا فطراً ساماً فى آبار المياه الموصلة لأعدائهم، والمغول كانوا يلقون بجثث موتاهم وموتى أعدائهم فى مياه الأنهار لتلويثها من أجل الفتك بأكبر عدد ممكن من الناس.

ورغم توقيع الدول الكبري عام 1925 لاتفاقية جنيف التى منعت اللجوء للأسلحة الجرثومية فى الحروب، كانت الولايات المتحدة أول الممتنعين عن التوقيع عليها. وقامت بريطانيا وأمريكا بالتفكير فى خطة لم توضع فى إطار التنفيذ لإلقاء قنبلة بوزن 200 كجم على قطعان المواشى فى البلدان المعادية، حتى تتولى الماشية عنهم مهمة القتل العشوائى للأعداء، سواءً محاربين أو مدنيين !

بل إن بريطانيا قامت بإجراء تجربة لسلاح بيولوجى فى اسكتلندا بجزيرة جرونارد فى عرض البحر، وبقىَ الوباء بالجزيرة لا يغادرها، وظلت جزيرة مهجورة محرمة.

وفى عام 1952م واجهت أمريكا اتهامات باستخدام أسلحة بيولوجية ضد كوريا الشمالية، فأنكرت كالعادة، ثم وضعت قائمة اتهامات طويلة تضم 17 دولة متهمة بامتلاك وإنتاج الأسلحة البيولوجية ! وعادت لاستخدام هذا السلاح البغيض فى حربها مع فيتنام عام 1960م.

حتى اليابان تم اتهامها باستخدام الحرب البيولوجية ضد الصين، فقامت الفرقة 731 بنشر ميكروب الكوليرا فى آبار المياه الصينية .

إن كلمة حرب إذا قيلت، وضَع أمامها الجبابرة والساديون كل ما فى جعبتهم من شرور، لا فرق بين سلاح ينتقى أو يتفشى بين الناس، يقتل ألفاً أو مليوناً ما دام بين المليون ألفاً من الأعداء!

أسهل الحروب وأسوأها

المسألة لا تحتاج سوى معمل مجهز، وعينة جرثومية، وطبيب متخصص . لتتم صناعة سلاح بيولوجى قادر على إهلاك سكان مدينة كاملة تعج بملايين السكان .

لكن صُناع هذا السلاح كثيراً ما يُخطئون، والخطأ يصيبهم هم قبل أعدائهم. كما حدث عام 1978م من انتشار بكتريا الجمرة الخبيثة فى أحد المنشآت الروسية، واعترف بوريس يلتسن 1992م بأنها تجربة فاشلة لتطوير سلاح بيولوجى.

الأسوأ من هذا أن يتم تصنيع وتجريب ونشر جرثومة دون وجود حرب ولا غرض ولا هدف سوى تجريب فاعليتها فى التدمير . فلا سلاح يتم اعتماده سوى بتجريبه.

إن عالم البيولوجيا الألمانى جالوب سيجال قد أكد أن فيروس الإيدز تمت صناعته في أحد المعامل البيولوجية العسكرية في "فورت ديريك" بمريلاند، عن طريق دمج نوعين من الفيروسات هما فيروس HTLV-1 وفيروس Visna. وهو ما أكدته الدكتورة "فاجناري مآثاي" الحاصلة على جائزة نوبل للسلام!

الموتَى يثأرون

أمريكا وبريطانيا وأسبانيا هم من بين أكثر البلدان تأثراً بالوباء . فهل هو ثأر الزنوج والعبيد والهنود الحمر وشعوب الأزتك من سكان الأمريكتين الأصليين.

إن أشد الإحصائيات ترفقاً ودبلوماسية تقول أن الأوبئة التى نشرها البريطانيون والأسبان بين السكان الأصليين فى الأمريكتين لإبادتهم والاستيلاء على أراضيهم، أبادت ما لا يقل عن نصف السكان، فيما قضى البارود على نصفهم الباقى!

كأن أرواح هؤلاء تلبست بجرثومة، لتثأر لملايين القتلى بلا ذنب عبر التاريخ !

 

عبد السلام فاروق

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم