صحيفة المثقف

خلفية مشروع إقامة إمارة عربية مرتبطة بفرنسا في طرابلس

علجية عيشكتاب "العرب والحرب العالمية الثانية" للدكتور صلاح العقاد يسلط الضوء على ما جرى في المشرق العربي والمغرب العربي ومعاناة سكانه مع الإستعمار، ووضع الصحراء الغربية، هي أطماع أراد الإستعمار استغلاها وثرواتها تداخلت فيها الجيوش العسكرية لدول كـ: ( إيطاليا، بريطانيا، اسبانيا وفرنسا وكذا الولايات المتحدة الأمريكية) ، هو صراع من اجل تحقيق وجود الإنسان العربي الذي كان أن يفقد للأبد، أراد الغرب ان يكون هو العظيم ويجعل من الإنسان العربي عبدا له يستغله ايّما استغلال ويكون في نظره مخلوق حقير، لكن الإنسان العربي استطاع بنضاله وكفاحه أن يضع نفسه في مرتبة اجتماعية يساهم هو في صنعها قسرا وطوعا واختيارا، يجبر مرة، وفي النهاية تكون له حرية الإقتراح والقرار، فهل ما زال الإنسان العربي يقترح ويقرر؟ وأين نجده؟، ومن هذا المنطلق قد نقف مع مقولة ماركس الشهيرة: "إذا كان الإنسان قد تكوّن بفضل الظروف فينبغي صنع الظروف بواسطة الإنسان"، ثمّة فرد عبقري، وليس ثمة جماعة عبقيرة ولذا فالشعوب في حاجة إلى شخص عبقري، أي زعيم يقودها

يعتقد البعض أن الحرب في الصحراء الغربية دارت فقط  بين المغرب والبوليساريو، وهي الحرب التي امتدت 16 سنة،  إلى أن تم الإتفاق على وقف النار بينهما في بداية التسعينيات، والحقيقة ومثلما جاء في العديد من الدراسات أن الصحراء الغربية شهدت عدة معارك اشتركت فيها الجيوش الإيطالية والبريطانية، كانت الأولى في ليبيا أكثر تفوقا من الثانية التي كانت في مصر من حيث العدد والإستعدادات الحربية الأخرى، إلا أن تحرك الجيشين نحو الصحراء الغربية جاء متأخرا، لأن كل منهما كان ينتظر احتلال مصر والسودان كغنيمة، كما ان إيطاليا كانت تريد نقل قواتها العسكرية إلى ليبيا قبل بدء الهجوم عند  سيدي براني شمال غرب مصر، (تقع على بعد 95 كلم من الحدود الليبية المصرية) إلا أن التدخل السريع لألمانيا أعجزها عن  الإستيلاء على قناة السويس، أما بريطانيا فقد تمكنت من التقدم عبر الحدود المصرية واجتياح ليبيا ثم الإستيلاء على بن غازي، المؤسف له هو أن مؤرخين تحفظوا في تناول هذه المسائل التاريخية وربط  الموقف العربي بالأحداث الدولية،  رغم أن هذه القضايا لم تعد سرا خفيا،  أمام التطور التكنولوجي وظهور الإنترنت ، خاصة ما تعلق بالعالم العربي فالكتابات كما يقول صاحب الكتاب نادرة جدا، ماعدا مذكرات أنجزها  قادة غربيون  كتشرشل وشيانو وغيرهما من الساسة الغربيون، في حين لا توجد مذكرات أرخت هذه الأحداث من قبل قادة عرب شاركوا في الحكم اثناء الحرب العالمية الثانية، لولا كتابات محمد حسين هيكل في مصر ورشيد عالي الكيلاني في العراق لظلت هذه الأحداث طي النسيان 

تقول هذه الكتابات أنه بعد فتح جبهة الصحراء الغربية  أقيم معسكر بمصر لتدريب الليبيين ضم نحو 04 آلاف جندي، واشترك هؤلاء الجنود في معركة الصحراء الغربية سنة 1940 حتى تم تحرير ليبيا في جانفي 1943 في هذه السنة كانت بريطانيا قد عقدت تحالف مع السنوسي، بحكم أنليبيا كانت خاضعة للحكم العسكري البريطاني ومقسمة إداريا إلى ثلاث مناطق (برقة طرابلس وفزان) وأخضع إقليم فزان للإدارة العسكرية الفرنسية، ذلك أن قوة فرنسية كانت قد عبرت الصحراء الكبرى قادمة من تشاد واحتلت إقليم فزان عام 1943 وسيطرت على قدامس أهم واحات فزان وعملت فرنسا على نسق ما كان معمولا به في الصحراء الجزائرية وطبقت على السكان القانون العسكري الفرنسي، ولما اكتشفت بريطانيا نوايا فرنسا مهدت لعودة محمد إدريس السنوسي زعيم برقة الديني المشهور، وشجع ذلك الهيئات الإجتماعية الناشئة لاسيما "نادي عمر المختار" الذي نشأ في الظاهر كهيئة رياضية ثقافية ثم تحول إلى هيئة سياسية، وكان من المؤيدين للسنوسي.

كان مقابل ذلك تشكيل وحدات بكل من برقة وطرابلس مع تعيين على رأسها  ضابط بريطاني وإبعاد الحكم الفرنسي فيها، رغم أن فرنسا كانت مترددة بين مقترح تقسيم ليبيا إلى مناطق نفوذ تكون بريطانيا فيها شريك وجعل طرابلس منطقة محايدة بين الفرنسيين والبريطانيين، كان هذا المقترد قد قدمه أحد المختصين في شؤون ليبيا وهو جان بشون الذي قدم المقترح اثناء عقد مؤتمر الصلح مع إيطاليا في سنة 1947، وضم المقترح أن تخضع فزان للحكم الفرنسي المباشر على الطريقة المتبعة في الصحراء الحزائرية وتقام إمارة عربية في طرابلس تكون مرتبطة بفرنسا، في حين تحتفظ بريطانيا بطبرقة كقاعدة بحرية تخضع لسيادتها كجبل طارق، لسببين، الأول لكونها تقع بين الجنوب الجزائري وبين مشارف المشرق العربي، والسبب الثاني لأنها تشكل حلقة اتصال بين شمال افريقيا، أما عن فزّان فقد كانت تمثل سبل الإتصال بين مصر والجزائر لتمرير قوافل الأسلحة للثوار الجزائريين خلال حرب الجزائر مع فرنسا، لذلك كان الشغل الشاغل لفرنسا أن تجعل من ليبيا حاجزا بين المشرق والمغرب، وهنا لعب الجنرال ديغول دوره لإستغال منطقة فزان ، حيث أقام في عام 1944 عدة مشاريع عمرانية بمنطقة فزان.

وقد أجريت في هذا الشان عدة دراسات، لاسيما الدراسة التي أجراها الدكتور صلاح العقاد حول العرب في الحرب العالمية الثانية ، فما يعرف عن ليبيا أنها كانت مستعمرة لإحدى دول المحور، وكان  الحلفاء "الأنجلوساكسون" يرون أن الحركات الوطنية في المغرب العربي لم تنضج بعد، حينها بادر الأمريكيون بعد 06 أشهر من احتلال شمال افريقيا إلى تسليح السلطات العسكرية الفرنسية، وكانت العلاقات بين فرنسا والإنجلوساكسون متينة للغاية بحيث لم يحدث بينهما خلافات كما وقع في سوريا ولبنان، في هذه الفترة كانت الجمهورية الثالثة قد شنّت حربا على الزعماء المغاربة (علال الفاسي عن مراكش، الحبيب بورقيبة عن تونس ومصالي الحاج عن الجزائر) وأصدرت ضدهم أحكاما بالسجن خارج بلادهم مع حل الأحزاب التي أسّسوها، ولكونهم كانوا مسلوبي السلطة اتفق المسؤولين المغاربة على التعاون مع الجمهورية الثالثة تعاونا صادقا، ما دفع بفرنسا إلى التوقيع على عقد الهدنة في جوان 1940 لكي تنتقل السلطة إلى الماريشال بيتان والحفاظ على الإمبراطورية، لم يكن هذا الأخير متساهلا مع الوطنيين المغاربة، بل كان يعاملهم بقسوة شديدة  إلى حد أن اعتبروا حكم فيشي بالعهد الذهبي لولا اسبانيا التي دعمت الوطنيين المغاربة  الذين فرّوا من السلطات الفرنسية  بجنوب منطقة طنجة.

ديغول يرفض مقترح فرحات عباس في تشكيل حكومة جزائرية

تقول الكتابات أن صراعا كان يدور بينه وبين  جيرو، الذي جند عددا من المغاربة وضمهم للقوات الفرنسية، وكانوا يشكلون 70 بالمائة من القوات الفرنسية التي حاربت مع الحلفاء في إيطاليا وفي معركة تحرير فرنسا، أما ديغول فقد جمع حوله الأنصار وكوّن في جوان 1943 قيادة عرفت باسم  لجنة التحرير الوطني الفرنسية، تسلمت هذه اللجنة القيادة الإدارية والعسكرية في شمال افريقيا، وفي ظل هذا الصراع بين فرنسا والمغاربة، يذكر أحد المؤرخين المنشورات العربية التي أصدرتها أمريكا تحتوي على مبادئ ميثاق الأطلس ونظرية روزفلت في  الحريات الأربع ، كان روزفلت قد حاول لقاء الملك محمد الخامس لإحداث تغيير في الموقف السياسي لأقطار المغرب، إلا أن الأمريكيون استغلوا هذه الورقة لتحسين حالة اليهود في شمال افريقيا، فقد تمثلت مطالب أمريكا في إلغاء الإجراءات التي اتخذتها ضدهم حكومة فيشي، حينما قررت حرمانهم من الجنسية الفرنسية، كان الفرنسييون مرتاحين لقرار فيشي وإسقاط الجنسية عن اليهود، وحدثت نتيجة لهذا القرار صراعات واحتجاجات بين فرنسا والجمعيات الصهيونية في الولايات المتحدة، إلى حين أنشأ ديغول  اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني وتم إلغاء قرار فيشي وأعيد الإعتبار لليهود من خلال منحهم الجنسية الفرنسية.

عن محمد الخامس فقد عبّـر عن ولائه التام لفرنسا  وصرح أنه تأثر بهزيمة فرنسا في صيف 1940 وبحكم علاقة المغرب بالمحور، قال أنه وجب تقديم لها الدعم، ثم ما لبث أن يغير من مواقفه تجاه فرنسا لمّا علم بالطريقة التي كان يعامل بها فيشي الوطنيين المغاربة، ما يمكن ملاحظته هو أن محمد السادس انتهج نفس أسلوب محمد الخامس في توطيد العلاقة مع فرنسا، تشير الدراسات أن أنصار ديغول نصحوا الفاسي بالتفاهم مع القادة الفرنسيين من أجل مستقبل المغرب، إلا أن ديغول لما علم  بمساعي الولايات المتحدة وبريطانيا بإطلاق صراحه تراجع عن خطته لكي لا تترض سياسته للضغط، والحقيقة أن شهر جوان عرف الكثير من الأحداث، ففي هذا الشهر بالذات  (جوان 1942 ) عرض الألمان على الباي محمد المنصف ضم إقليم قسنطينة إلى تونس ولكنه رفض، بعدما تولى السلطة، وقيل أن رفض الباي سببه تخوفه من أن يحدث له ما حدث لأبيه ، حيث أن السلطات الفرنسية خلعته عن العرش في عام 1922 لأنه أبدى ميولا نحو الحركة الوطنية، الشيئ الذي يشهد له التونسيون أن المنصف  حقق السيادة التونسية الكاملة ولم يترك للإحتلال الألماني أن يتدخل في شؤون التسيير، ثم أنه أنشأ وزارة دون استشارة المقيم العام وعين على رأسها مسؤولين من أعضاء الحزب الدستوري بفرعيه القديم والجديد، كان يرأسها محمد شنيق من الدستوريين القدامى، في هذه الفترة كان الحبيب بورقيبة زعيم الحزب الدستوري الجديد  معتقلا في الأراضي الفرنسية،  ورغم ما قدمه الباي المنصل لتونس فقد كانت نهايته النفي بتهمة خروجه عن الطاعة ، خاصة بعد رفضه توقيع التنازل عن العرش، فنفي إلى واحة الأغواط الجزائرية، ووضع في الحبس الإنفرادي وقضى فيه ظروف مناخية سيئة للغاية .

أما عن الجزائر فقد قسمت فرنسا الجزائريين إلى طبقتين : المجندون الذين شاركوا في الحرب والذين حصلوا على المواطنة الكاملة بحكم ثقافتهم ومعظمهم نادوا بإدماج الجزائر في فرنسا ومن بينهم فرحات عباس الذي تطوع في الجيش الفرنسي كصيدلي، إلا أنه رغم تفانيه في الخدمة فقد حرم من الأوسمة التي حصل عليها زملاءه، أما مصالي الحاج فقد عانى من اضطهاد فيشي له،  وصدر ضده حكما بالسجن لمدة 16 سنة، وأرسل إلى إحدى واحات الجنوب الجزائر ليقضي العقوبة، ولم يتمتع حزب الشعب بالشرعية إلا لفترة قصيرة منذ تأسيسه في 1936 ، بالنسبة للولايات المتحدة فقد نفضت يدها من المشاكل السياسية في شمال افريقيا وكأن العنصر الوطني غير موجود في الجزائر، حينها غيّر فرحات عباس من مواقفه وأصدر بيانا يطالب فيه بالإستقلال التام بدلا من الإدماج، فدعا إلى إقامة حكومة جزائرية لكنها تتحد فدراليا مع فرنسا، ولقي  مقترحه رفض الجنرال ديغول و"كاترو" الذي كان حاكما عاما للجزائر،  بالرغم من أن كاترو كان أكثر تفهما للمطالب الوطنية في سوريا ولبنان، إلا أن موقفه من الجزائر كان مختلفا، لأنه لم يتحمل قضية تمس السيادة الفرنسية، وأعلن رفضه للبيان الذي أصدره فرحت عباس، كما أن أعضاء حزب الشعب انتقدوا البيان ورفضوا فكرة إقامة حكومة جزائرية تتحد اتحادا فدراليا مع فرنسا.

 

قراءة علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم