صحيفة المثقف

باب ما جاء في احتفالية "كورونا" (2)

نجيب طلالاحتفالية كورونا: حقيقة وليس وهْما ولا تخاريف بأن فيروس "كورونا" أيقظنا من غفلتنا وسباتنا العميق لكي نرَتب الأولويات ونعيد الاعتبار عمليا للعلم الرصين وللإبداع الصادق وللفن الجاد؛ ولكي نفهم كيف يمكن أن تتحقق " العيدية " بشكلها العملي والتطبيقي، لكي نحافظ على ما تبقى لنا بعد التدمير النفسي والاجتماعي والاقتصادي .لنستعيد على الأقل المعنى الإنساني الذي فينا؛ وليس الشكلي/ القناعي؛ الذي نمارسه لغوا ورياء. مثل أباطيل وفنكوشية الفقيه (الإحتفالي) التي تدعو لإنسانية الإنسان انطلاقا من فقاقيع صابونية كمنتوج فنكوشي ! بعكس "كورونا" الذي مارس بحق طقوسا احتفالية بمنظوره الخاص، بعيدا عن عوالم ديونيزوس حيث الخمرة والابتهاج والرقص والأناشيد "الديثورامبوسية " و"الساترات" رفقة عابدات " باخوس" مُؤسسا اهتبالية بمفاهيم بديلة وخارج القيم والمعتاد من حياة الناس؛ ولكنها تبدو من فنون السحرl'art magique بحكم هلامية حضوره؛ لكي تنهار منظومة الإنسان الفاعل الحيوي؛ ولقد انهارواستكان: أمرا وطواعية وهلعا للحجر الصحي؛ لتبقى احتفالية كورونا تفتك بالجموع تنتعش حصدا في أرواح العباد، لا صوت هناك يعلو فوق صوت "اهتباليتها" هي (هنا / الآن) ترسل رعْبا لا مثيل له وذعْرا مثيرا بين الأسر وفي مفاصل الدولة / الدول. بحيث استطاعت أن تجعل الشوارع فارغة من الحشود والهرج! والمدن أشباحا كأنها أطلال ! والقاعات خالية من روادها والمؤسسات كهوفا مظلمة ! وحدها أجهزة الدولة في حرب لا هَوادة (مع) اللامرئي ؟ محاولة منها لإضفاء شعلة احتفالية الفيروس. فرغم هاته الحقيقة التي ليست شريطا سينمائيا؛ نجد صاحبنا" الإهتبالي" الذي يحاول وحيدا أن يضيف قطرات حياة في [وهْم احتفاليته] التي عرتها [احتفالية كورونا] عمليا ورغم ذلك يشير تعَنتا: إن كل هذا الرعب لا ينبغي أن يرعبنا، وكل هذا الذي يحدث اليوم لا يعني أبدا أن التاريخ قد انتهى، وأن المسرح قد انتهى.... هي مرحلة استثنائية إذن، في انتظار أن نعود إلى الحياة، وأن تعود إلينا الحياة، كما كانت، أو أجمل وأبهى مما كانت، وإذا نحن تغيرنا، استجابة لهذا الخواء الذي يهددنا.. المعركة إذن هي معركة وجود، أي نكون أو لا نكون، وأن وجودا كما نريد، وكما تشاء الحقيقة، وليس كما يفرض علينا (1) فإذا حاولنا ربط[الرعب لا ينبغي أن يرعبنا] بـ[استجابة لهذا الخواء] فضمنيا طرحه يميل بأن فيروس كورونا (مؤامرة) بيولوجية بشكل عام كما يروج بعض المتطرفين؛ وبشكل خاص فالمؤامرة التي يرمز إليها هي من نوع آخر(أي) يتوهم أن احتفالية كورنا؛ أرسلت للقضاء وتدمير (احتفاليته)بحيث يقول: أن هذا الزمن الذي نعيشه اليوم هو زمن شاذ واستثناني، وهو واقعي نعم، ولكن واقعيته مرعبة وغير حقيقية، وغير إنسانية، وليس من المنطقي أن نبني اليوم تصورا جديدا، وأن نؤسس فنونا أخرى، وذلك بناء فقط، على حالات شاذة واستثنائية وعابرة، وهل يصح صياغة قوانين قارة وحقيقية، انطلاقا فقط من حالات مرضية ظرفية عابرة ؟ وأعتقد أن كل ما نعيشه اليوم، ينبغي وضعه بين قوسين، فهو الواقع الذي ينبغي أن يرتفع، من أجل أن نعود إلى حياتنا الحقيقية، ونعود إلى فنوننا الحية، ونعود إلى علاقاتنا الإنسانية المصادرة (2) هل انتشار "الفيروس" ومحاولة تدمير الحياة البشرية؛ وايقاف العجلة الاقتصادية وغيرها يمكن أن نضعه بين قوسين؟ عجائب ما في القول؛ وبالتالي كان من باب الأولى أن يقول: شيئا جديدا نسمعك ونفهمك به، أما أن تخرج الكلام والأحداث عن سياقها التاريخي وعن شروطها الموضوعية، وأن تقف على (ويل للمصلين) فذلك هو القفز البهلواني، والذي يليق بقاموس (الإهتبالية) علما أن هاته الإشارة تكشف بأن خطاب صاحبها؛ خطاب ليس فيه خوف بل جنون العظمة؛ بأن (اهتباليته) هي المسرح الحقيقي؛ بعْدما ستنتهي [احتفالية كورونا] من رعبها وهوسها وكابوسها وأنشطتها التي أنتجت نمطا بديلا في فنون الآداء والمتمثل في المسرح التفاعلي/ الرقمي/المسرح عن بعد/ المسرح الافتراضي على منصات التواصل الاجتماعي؛ الذي كان حلا بديلا لعَدم القدرة على حضور العروض على المستوى الشخصي. والذي غاب عن الذهن فهذا نظام كان سائر المفعول منذ زمن بعيد وحاضر بيننا قبل ظهور كورونا، وهي طريقة لانتشار الأعمال المسرحية عبر العالم تصويرا وعرضا. والتي تستند إلى الرؤية بواسطة (DVD-ROM أو CD-ROM) وكذا الاتصال بالشبكة العنكبوتية. لأن طبيعة التطور التقاني والتكنولوجي فرض آلياته وبدائله ووسائله التواصلية؛ ففي العديد من المجالات الحيوية أمست تعتمد على التواصل والمعاملات عن (بعْد) فالتدريس عن بعْد ليس وليد " فيروس كورنا" بل كان وسيلة مفعلة بين الطلبة والجامعات والمعاهد الدولية والعالمية؛ منذ عقدين أو أكثر. وهنالك تلميحات مسؤولة تجاه تفعيل (التعليم عن بعد) على الأمد القريب؛ وكذا المطالبة بسن قانون لتفعيل المحاكمات عن بعْد؛ وهكذا. ومن ثم فإن البديل لا ينبع من طبيعة العقل فقط بل من طبيعة الأشياء وتطورها. وبالتالي: فظهور الكمبيوتر والعالم الرقمي يعد من الإنجازات الفاعلة والمتفاعلة مع العرض المسرحي، والتي تدفع بمكوناته إلى الأمام من حيث التوظيف والجمال . وكل هذا التحديث في التقنيات انعكس بشكل مباشر، أو غير مباشر على جميع قطاعات الفن والثقافة (3) وعلى سبيل الذكر فالعروض المسرحية المقدمة عبر التلفزة أو أشرطة C.D ألا يمكن أن تندرج في المسرح عن بُعْد؟ وكذا المسرح الاذاعي ألا يمكن أن يصنف في خانة المسرح عن بُعْد، بوصفه بديلاً تقنياً عن المسرح التقليدي؟ وهل يمكن أن ننسى أن أغلب أعمال شكسبير تم تصويرها بطريقة سينمائية؛ لتحقيق نوع من العلاقة بين العرض المسرحي/ السينمائي والمتلقي؛ كأنه يعيش وجهاً لوجه مع تلك الأعمال الدرامية.

وللتذكير فمسرحية (الناس والحجارة) أدرجت ضمن برامج التلفزة المغربية سنة 1979 التي نقلت العروض المسرحية المشاركة في المهرجان الوطني لمسرح الهواة (التاسع عشر- 1978 بفاس) وللتاريخ فصاحبنا (الإحتفالي) الوحيد الذي طلب حقوق البث (ماديا) من صندوق البرمجة؛ ويمكن لمن بقي حيا سواء انقطع أولا زال يمارس فنه المسرحي من جمعية [البساط المسرحي بوادي زم] يكذب ذلك وخاصة المخرج "محمد الباتولي" وأسوق هذا الكلام الواضح للذين يبحثون عن تاريخ المسرح المغربي، ولمن يهمهم ممارسته وفنه وإشراقاته وكواليسه وفكره . ولا تعنيهم ممارسة الاغتياب والنميمة الثقافية / المسرحية أو الذين ليسوا من رواد لغو المقاهي والحانات. التي حولتها " كورونا" لأشباح؛ وبعض منها يفتح (الآن) احتشاما وانضباطا لشروط السلامة الوقائية.

باب افتراضي:

من البدهي بأن التحولات الكبرى والتطورات التي شهدها العالم على جميع المستويات؛ بما فيها انفجار الثورة المعلوماتية، والخوارزميات الرقمية،التي أحدثت صدمة كبرى لدى شريحة عريضة من هؤلاء المثقفين/ العرب الذين وجدوا أنفسهم "خارج التغطية" جراء تسارع الاحداث والمستجدات وسطوة العولمة وتشعب الوسائط الرقمية؛ وانضافت إليها (الآن)هجمات " فيروس كورنا" الذي أفرز سلوكيات وتوجهات جديدة وتشكيل نمط الحياة اليومية، والعلاقات الإنسانية. استجابة للوضع الحالي لترسيخ مفهوم الرقمنة والتعامل معها كحلول مبتكرة، بغية تفعيل وسائل التواصل الاجتماعي وتحويلها عاملا مركبا في نشر المعرفة وتفاعل الإبداعات حُبّا أو كرها. لكن صاحبنا (الإحتفالي) الذي أصلا يكره المسرح التفاعلي؛ لأنه البديل. وضد الحداثة التي هي المصير. ودليلنا شهادته: لا أومن بالحداثة.. كيف؟ وأنا أومن بالأصيل، وما هو أصيل هو حقيقي، وما هو حقيقي هو عابر للأزمان والأمكنة وللثقافات واللغات والحضارات....(4) ولهذا السبب يؤطر أفراد المجتمع في خانة عجيبة بقول مضحك مفاده: في هذا المسرح نضحك، ومن حقنا ذلك، وقد نحزن ونبكي أيضا، ولكن أهم شروط الضحك هو أن يكن فعلا جماعيا، وأن يكون في الفضاء العام، وكل من يضحك وحده، أمام حاسوبه، أو أمام هاتفه، أو أمام شاشة تلفزيونه، لابد أن يكون مشكوكا في صحته النفسية وفي سلامته العقلية (5) فهاته الفقرة تحتاج لنقاش أطول وأعمق؛ ذات ارتباط بمفهوم (الفردية الشبكية) [Individualisme en réseau] نتيجة الغزو الرقمي والمعلوماتي؛ لكن يمكن أن نختصر الموضع بالمنظور الذي يعرفه ويناقشه صاحبنا في أقواله (الإهتبالية) مثل ما يشير: لا اؤمن بالكوميديا ولا بالتراجيديا اؤمن فقط بالمسرح وبالاحتفال المسرحي, وبهذا اللقاء المفتوح الذي يعيش الصدق، ويموت بالاحتفال لا أكثر(6) فالضحك سليل الكوميديا والحزن والبكاء سليل التراجيديا . إذن فالمسرح اختيارات، ولا علاقة لتفكيرك (الإهتبالي) بسلوكات وقناعة الآخرين؛ يضحكون أو يبكون أمام منتوج تفاعلي/ افتراضي؛ فذلك شأنهم؛ ولكن ليس من شأنكم أن تتهم الناس بالحمق وتشكك في قدراتهم العقلية؛ لأن طبيعة التحول؛ فرضت أن يصبح المرء فاعلا رقميا بدون اختياره حسب فلسفة الوجود كما يفسرها – هايدغر. وهنا لا أدافع عن المسرح الافتراضي؛ لأنه فرض نفسه كمعيار للتطور البشري. فكريا وثقافيا وإبداعيا والذي أطرته بالقول العجيب: إن المسرح أساسا هو حياة وحيوية، وأن نستعيض عن المسرح بصوره الافتراضي، فإننا سنكون كمن يقتل الإنسان الحي ويكتفي بصوره، ويحتفي بالوهمي والشبحي بدل أن يحتفي بالحق وبالحقيقة (7) فهل (احتفاليتكم) هي الحق و الحقيقية ؟ وهي أصلا وهُم الأوهام في النسيج المسرحي العربي. والتي خدعت العباد وتأسست على إثرها (جوقة) ربما بإيعاز ممن كان يمتلك خيوط اللعب في (مركز الأبحاث المسرحية) لترسيخ المسرح (الشعبي) = (الفن للفن) الذي لم تستطع أجندة أندري فوزان /بيير لوكا / الطاهر واعزيز/ ع الصمد الكنفاوي/ تحقيقها؟ تلك (الجوقة) التي جمعت المريدين والتابعين والانتهازيين والوصوليين؛ فأصبحت طرفا ًمن أطراف الصراع وعاشت في خضم تلبيس إبليس ! حتى أن بعضهم وقع وناقش ودافع عن البيانات دون فهم فحواها ومراميها؛ وبعْض من بعض خلق هَرجا ومَرجا في الدعاية والنقد والتحليل والتفكيك، والبعض البعض مارس الإكراهات والضغوطات على بعض الطلبة هنا وهناك لإختيار والبحث فيما جاء في (أوهام الإحتفالية) وذلك في زمن الريع الحقيقي وتسيب الأموال غير المكشوفة .

كل هذا كان بسيولة ومقابل متنوع الأكلات ! لمن كان يعرف طرد شرّ (المخمصة) وهذا هو سٍرُّ الأسرار الذي جعل كل من كان (مع الوالي) الانسحاب والنزول بهدوء من السفينة التي ركبوا فيها بحثا عن مصالحهم وأرجعوا (للجوقة) وظيفتها وطبيعتها التقليدية التي تنص على التزامها الحياد. فكان الصمت المطلق واللامبالاة أقوى من الحياد عن (فنكوشية) تنظيره ومراوغته الكلامية؛ والبحث عن اجترار نفس الكلام كمخرج وخلاص؛ وتلك ليست خصال العارفين؛ والمدافعين عن أطروحتهم؛ لأن الأصل فيها تخاريف وجنون بلا فنون، وكلام بلا معنى، وبلطجة وابتزاز بطرق الإبداع / التنظير؛ وللعلم البين أن التخاريف / الخرف: مرض يصيب الوظائف الادراكية والعاطفية والسلوكية .مما يتقلص التفكير؛ وتتضرر القدرات العقلية؛ لتصاب (الذاكرة) تدريجيا بالتلف؛ مما يصعب عن المصاب بالخرف: تشخيص الأشخاص والأشياء. وهذا ما سقط فيه من حيث لا يدري ؟ وأصبح (فقيه المسرح / الشعْبوي) يتخبَّط في (أوهام السوق): لأن "أوهام السوق" هي أكثر الأوهام إزعاجاً، تلك الأوهام التي انسربت إلى الذهن من خلال تداعيات الألفاظ والأسماء. ذلك أن الناس يظنون أن عقلهم يتحكم في الألفاظ، بينما الحقيقة أيضاً أن الألفاظ تعود وتشن هجوماً مضاداً على الفهم (8) ولولا هاته الحقيقة الساطعة على أوهام كثيرة؛ لما اتهم من ينخرط أو يواكب ما في المسرح "الافتراضي" بعدم سلامته العقلية/ النفسية؛ وأبعد من هذا محاولة مصادرة حريته الشخصية؛ وهذا في حد ذاته إرهاب فكري/ سلوكي؛ من أجل اللقاء الحي والجماعي وممارسة التعييد والتجديد والفرح والحرية والتحرر والانفلات والعربدة، من خلال [الفرجة الشعبية] كل هذا لم يتحقق يوما؛ إلا في مخيلته . إنها مجرد تهيأت وهلوسات؛ وإن لم تكن كذلك لما أشار بكلام سفسطائي؛ ينم عن حضور الكهنوتية: إن المسرح هو الخروج من القوقعة، وهو التحرر من سجن البيت، وهو الانفلات من الغربة ومن المنفى، وأخوف ما أخافه اليوم هو أن ننقلب على النزعة الإنسانية فينا، وأن نتخلى عن غريزتنا الاجتماعية، وأن نعود بالإنسان إلى زمن الكهوف والمغارات والخوف من العالم الخارجي، وأن نتحول إلى كائنات آلية تأكل الطعام وتتفرج على الشاشات (9) لنتساءل مع المتسائلين؛ هل صاحبنا خرج من القوقعة ؟ وتحَررمن سجن البيت؟ ومن الحجر الصحي؟ ليقاوم الضوابط الاحترازية؛ وذلك ليمارس فرجة شعبية في إحدى ساحة الدارالبيضاء؟ حتى لا نتحول إلى كائنات آلية تأكل الطعام وتتفرج على الشاشات . ومادامت يا (مولانا) تؤمن بإقامة العروض المسرحية في أمكنة وفضاءات مفتوحة، كالساحات والأسواق والمواسم والروابط والزوايا. التي يحتشد فيها الناس والجماهير الشعبية الغفيرة. ومادامت يا (فقيه) مسرحنا تؤكد عبرأناك العجيبة بالقول المتفرد: أنا ثابت على الثوابت دائما، أما المتغيرات، فمن الممكن أن أغيرها وأجددها مع الزمن، وثوابتي المبدئية هي إنسانية الإنسان، وهي حيوية الحياة، وهي مدنية المدينة، وهي التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحر(10)

إذن؛ كان عليك يا (فقيهنا) أن تنزل للساحة و تعلن حربا ضروسا ضد" احتفالية كورونا" لتفعيل مقولة التعبير الحر للإنسان الحر في المجتمع الحُر !

كان عليك يا (مولانا) أن تنزل للشارع ب[احتفاليتك العجيبة] لكي تساند الممرضين والأطباء ورجال السلطة الذين نسوا أنفسهم وأبناءهم؛ من أجل مقاومة الوباء " الكوروني" الذي سعى بقدراته الخارقة واللامرئية أن يوقف حيوية الحياة؛ ويحوَّل مدنية المدينة إلى أشباح طيلة اليوم . لكي لا يتحقق الالتحام والانصهار في المجتمع . وبالتالي فالفن المسرحي عموما؛ سيفقد مشروعيته.. أم هو مجرد كلام معناه الباطني يناقض المعنى الظاهري. أكيد أن الخطاب بين الفعل والقول مكشوف؛ هذا إذا أضفنا خطابا يدعُو للتفكه: هذا المناضل الاحتفالي ليس من حقه أن يستريح، لأنه يحمل للناس رسالة، وهو بهذا يشبه ذلك الجندي الإغريقي فيديسوس، والذي انطلق من منطقة مارطون إلى مدينة أثينا سنة 480 قبل الميلاد، حاملا رسالة مفادها أن الجيش الإغريقي قد انتصر على الجيش الفارسي، ولم تكن هذه الرسالة تحتمل الانتظار والتأجيل، ولذلك فقد جرى لأكثر من أربعين كلمترا مشيا على القدمين، ولم يتوقف لحظة، ولم يكن بإمكانه أن يتوقف، ولأي سبب من الأسباب، لأنه يحمل رسالة للناس، وكذلك هو المناضل الاحتفالي في صورته الحقيقية (11)

باب الإيضاح:

هنا فلا يمكن أن نمفصل السلوك والمسلكيات عن الفكر؛ وإلا سنكون أمام انفصام في الشخصية؛وبما أن (فقيها) لم يستطع أن يتكيف أو ينخرط مع المسرح الافتراضي/ الرقمي؛ الذي فرض نفسه كمتغير حتمي؛ لمواكبة التطورات التكنولوجية؛ والذي ألزم علينا فهما وإدراكا تقنيا لكيفية تشغيل و توظيف ألية التواصل بالأخر؛ وفي نفس الوقت فالمسرح الرقمي ضمنيا يوقف زحف معالم الفوضى والغموض والمحسوبية والفئوية، وكل القرارات التي تطبخ طبخا في المطابخ السرية. هذا ليس في صالح (الإهتبالية) التي تعششت في رحاب الفئوية والمحسوبية والغموض والفوضى.. مما لم تستطع عمليا أن تنزل للميدان لممارسة "احتفاليتها" قبل تمظهر [احتفالية " كورونا"] حتى يكون (صاحبها؟) مثل ذاك الجندي الإغريقي (فيديسوس) المناضل، الذي أوصل الرسالة إلى من يهمه الأمر؟ ولكي يحقق عمليا بان (احتفاليته) فعلا: أصبحت مرعبة، الاحتفالية مواقف أيضا، مواقف نضالية، ومواقف اجتماعية، الاحتفالية مساهمة أيضا في الحياة الاجتماعية، بمعنى أنها سلوك أخلاقي، وأنها نظام في العيش، نظام يعتمد على أن نعيش بصدق وشفافية، وأن لا نخون ذاتنا، وأن نكون مشابهين للحظتنا التاريخية، وأن نكون صادقين (12) مثل هاته التصريحات التي يعتبرها أفكارا؛إنها في واقع الواقع ألغام بلاغية/ إدهاشية؛تسقط أمام لغو الظهيرة؛نتيجة الوهْم الإحتفالي الذي ملأ الصفحات باجترار نفس اللغة والأفكار؛ ولم تستطع تصريفها على أرض الواقع الفعال؛ وهاهي ["احتفالية كورونا"] زعزعت عقيدته المسرحية وكشفت عن انفصام في الشخصية المقرونة بجنون العظمة؛ كما نعلم جميعا. شخصية تبحث بطرق خاصة وملتوية؛ وبناء على المنظومة التي تتحكم في الإحتفالية وذلك في الخفاء؛ كمحاولة للتوسع ولبقاء تلك الهيمنة التنظيرية للإحتفالية؛ باعتبارها تخدم المشروع الليبرالي المتوحش: ولقد كنت دائما ليبراليا متحررا، ولم يسجل علي يوما أنني كنت اشتراكيا أو ماركسيا، فأنا لا أومن بالطبقية، ولا بالصراع الطبقي(13) طبعا هذا اختيار؛ ولكن مادام (هو) بدون سلطة يحاسب الناس الذين لهم اختيارات أخرى؛ وانتهاجهم وانخراطهم (الآن) في المسرح الافتراضي؛ الذي قدم أعمالا مقبولة؛ وخاصة الخليجيين / المصريين/ الذين نشطوا في المسرح الرقمي. هاته الشهور المقرونة بالحجر الصحي. ولم يقدم أحد إحدى أعماله (هنا مربط العقدة السحرية) وبما أن (الآنا) هي المتحكمة في تركيبته؛ نشير بأن ليبراليته. في حد ذاتها تعد خيانة قومية؛ حضارية؛ في حق المسرح العربي. مسرح يحتاج الآن أن ينخرط في الزمن الذي نعيشه حاليًا، زمن التطور التكنولوجي المتزايد باضطراد لا متناهٍ، حتى يكاد يصبح غير قابل للتحكم به، أوالبحث عن العَودة للخلف

وبالتالي وعلى ذكر ذاك الجندي الإغريقي[فيديبيدس] وليس [فيديسوس] فالرواية التي طرحها لخلق القرينة بينه وبين نضالية الإحتفالي؛ أساسا ملفقة وتزييف للحقائق التاريخية؛ كما رواها – هيرودوت – وهذا أعطانا مشكورا بابا (آخر) سنفتحه فيما بعْد.

ولكن من لباقة الضيافة؛ وبروح تتسم بالهدوء والعقلانية؛ إغلاق باب ما جاء في احتفالية " كورونا " بناء على الحوار الذي تفضل به (فقيهنا) وإن كان يعد صيحة غوغائية، وعبارة عن فرقعات لفظية وعن حرّاقيات صبيانية كمطالبته باليوم الثامن / التضامن (سيأتي ذكرهما) المشار إليهما في حواره الذي لم يؤد إلى أية نتيجة مساهمة ضد " فيروس كورنا اللعين. لأن: عالم اليوم محكوم في مساره بعالم الغد؛ لآن الغد هو المستقبل وهو نقطة البداية؛ وذلك لآن التاريخ يتحرك من المستقبل وليس من الماضي (14)

 

نجيب طلال 

...................

الإحالات:

 1) عزلة المسرح في زمن كورونا (10) ملف إعلام الهيئة العربية للمسرح في– 08/06/2020

 2) نفسها

 3) دراسة عن الواقع الافتراضي والمسرح لعماد هادي الخفاجي في مجلة إعلام الهيئة العربية للمسرح بتاريخ 11/12/2017

 في موقع – الخشبة – منقول عن حوار في صحيفة المدى – بتاريخ 10 مايو 2017 (4 5) عزلة المسرح في زمن كورونا

 6) حوار في(البيان الإماراتية): أجراه رضا الاعرجي - الرباط - بتاريخ: 03 /04/ 1999

 7) عزلة المسرح في زمن كورونا

 8) الأورجانون الجديد: لفرنسيس بيكون: ترجمة عادل مصطفى- ص 42- الناشر مؤسسة هنداوي 2017

(عزلة المسرح في زمن كورونا (10 (9

 10) المسرح فتح لي باب الغيب وباب التاريخ – مجلة الهيئة العربية للمسرح: حاوره مصطفى رمضاني بتاريخ /24/07/2012

 11) المقاوم الوجودي في الاحتفال والاحتفالية بقلم ع الكريم برشيد- ص4 - مجلة طنجة الأدبية ع65 / خريف2017

 12) حوار أجراه معه:مولود القنبي - في مجلة طنجة الأدبية (ملف خاص) بتاريخ2007-06-12

 13) المسرح فتح لي باب الغيب وباب التاريخ- مجلة الهيئة العربية للمسرح: حاوره مصطفى رمضاني بتاريخ /24/07/2012

 الأصولية والعلمانية لمراد وهبة ص9 ط 1/ 1995 دار الثقافة / القاهرة(14

 

 

        

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم