صحيفة المثقف

العراقيون وعقدة صدام

طارق الكنانيليست الحروب والازمات الدولية والقلق وحده الذي يثيرها العراقيون بالمنطقة ولكنهم اسسوا لما هو ابعد واعمق من ذلك فهم صدروا للعالم اجمع عقدا نفسية عصية على العلاج واشهرها عقدة صدام فهي عقدة يجب ان يهتم بها علماء النفس وتدرج ضمن العقد العصية مثلما ادرجوا عقدة اوديب وغيرها .

نادرا ما تجد العراقيون يتفقون على رأي واحد او يتشابهون في صفة معينة اذا استثنينا صفة الكرم والشجاعة والجدل فالحق يقال هم كرماء نادرا ما تجد امة تتفوق عليهم او تدانيهم في هذه الصفة واما شجاعتهم فهي مضرب الامثال،فهم اكثر شعب يثير القلق والحروب بالمنطقة منذ الازل، لم تذكر الشجاعة في مجلس ما حتى يكون العراقي هو رائدها واما الصفة الثالثة وهي الجدل فنحن شعب جدلي لا يمكن ان يركن الى قناعة محددة، فالمعروف عنّا اننا نختلف ونجادل حتى في البديهيات. ولكننا ايضا نشترك في عقدة واحدة اسمها صدام فالعراقيون على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم واثنياتهم ودياناتهم يشتركون في هذه العقدة التي اسمها (صدام حسين ).

يبدو ان هذه الشخصية قد تركت اثرا عميقا في الشخصية العراقية فالذين يكرهون صدام يحملون نفس الاثر ا ذا لم يكن اكثر من محبيه ومريديه،فالبرغم من كرههم له فهم يعشقون التشبه به في كل حركاته وسكناته،لم تكن هذه الصفة واضحة قبل الاحتلال وقد ظهرت جلية بعد رحيله. حين يريد العراقي الافتخار على العرب وخصوصا دول الخليج يذكر صدام في اول جملة له سواء كان خصم او مؤيد لصدام، حين يريد ان يحتج على الحكام العرب فهو يذكر ضرب صدام لإسرائيل ب 37 صاروخ،وحين يقارن حكام اليوم لم يتطلع العراقي الى حاكم عادل قوي رؤوف بشعبه بل يقارنهم بصدام ويبدأ المقارنة وكأنما الشخصية الصدامية اصبحت معيار عراقي لقياس شخصية الحكام شأنه شأن مقياس رختر .

الاحزاب الاسلامية عندما تريد محاججة الشعب العراقي في قضية معينة ففي اول مقطع للحوار يذكر هذا السياسي او ذاك لخصمه العراقي عبارة (ألم نخلصكم من صدام) مع العلم انهم لم يفعلوا بل الذي فعلها بوش (رض) وكأنما الخلاص من صدام هو غاية الاحتلال وليس لبناء مجتمع ينعم بالرفاهية الامان،المهم انهم خلصونا من صدام ولا يهم شيء بعد ذلك سواء ان ابيد نصف الشعب او ماتوا جوعا،وكذلك الحال ينطبق على مؤيديه ففي حالة حدوث أي خرق وما اكثر هذه الخروقات يبادر هذا المؤيد الى القول لو كان صدام لما حصل هذا الشيء .

لقد بدا واضحا ان اغلب الساسة تكمن في داخلهم شخصية صدامية دون ان يشعروا ولكنهم يرفضوا ان يشبههم احد بصدام. لقد لفت انتباهي موقف السياسي المعارض (فائق الشيخ علي) حين يفتخر انه كان معارضا للرئيس صدام وحين يتكلم عنه يتكلم وملؤه الفخر ويصفه بأجمل الصفات ويكنيه بأن هذا ابو عدي وليس أي شخص،فهو يقول هذا خصم يستحق الاحترام . في حين عندما يتكلم عنه ساسة الشيعة الاخرين يبدو الحقد واضحا من خلال العبارات التي ينعتونه بها على عكس الاكراد الذين لم يتطرقوا يوما الى انتقاد شخصية صدام ولكنهم يطالبون بتعويضهم عن الجرائم التي ارتكبت بحقهم والاضطهاد الذي مورس عليهم ابان فترة حكمة . ونفس الاسلوب يتبعه ساسة السنة .

لقد فاقت الاسماء التي اطلقت على صدام عدد الاسماء الحسني للذات الالهية فهي تجاوزت (101) اسم لغاية 1990 ولا نعرف ماهي الاسماء التي تم نحتها من قبل الادباء بعد هذا التاريخ .في حين ان الذات الالهية حددت اسمائها ب 99 اسم.

قبل ايام وانا اتابع الخلاف الكويتي المصري والحرب الاعلامية التي دارت بينهم لأسباب اقتصادية وسياسية حيث قام الاعلاميون المصريون بالنيل من الكويتيين وذكروهم بهزيمتهم امام الجيش العراقي .فما كان من الكويتيين الا ان يذكروهم بقوة صدام وقوة جيشه وحرب الثمان سنوات وقدراته العسكرية وقارنوها بقوتهم التي انهارت في حرب الستة ايام بينما صدام حارب ثمانية اعوام وانتصر .والواضح ان عقدة صدام امتدت لأشقائنا العرب،فضلا عن انه شغل الكونغرس الامريكي والحكومات الاوروبية ومجلس الامن الدولي والمنظمة الدولية في ابتداع عقوبات لم تفرض من قبل على غير العراق وغير صدام حيث تم اعتباره خطرا على السلم الدولي وسبّب قلقا كبيرا للإدارة الامريكية،ولكنهم اعترفوا فيما بعد ان ما دفعهم لهذا الفعل هو قلقهم من شخصية الرئيس العراقي،اذن فالعدوى وصلت للغرب .فصار حريا على علماء النفس والاطباء النفسانيين ان يدرسوا هذه الظاهرة التي مزقت العراق ودول المنطقة،ووضع علاجا مناسبا لها قبل استفحالها لتصبح اشد فتكا من كورونا وهي فعلا كذلك فقد فتكت هذه الظاهرة بعدد من العراقيين يفوق بكثير ضحايا وباء كورونا في العالم كله . كما يجب ان تضع درجات لمستوى الاصابة بهذا المرض مثل درجات المرضى المنغوليين وجعل درجة الموزاييك تطابق الصدامي الذي يتماهى مع شخصية القائد .

 

طارق الكناني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم