صحيفة المثقف

موقف اللاهوت المعاصر من التعددية الدينية

علي رسول الربيعيالتفكير في مسألة التعددية الدينية  له أهمية وراهنية. تأتي راهنيته للجماعات الدينية التي تعاني من الكراهيات والصراع وتفجر العنف. وبطبيعة الحال ينطبق هذا على الجماعات / الطوائف التي لم تصل بعد الى الأعتراف الكامل أحدهما بالأخرى، كما في الطوائف في العالم الإسلامي عموما ومنطقة الشرق الأوسط تخصيصاً. وتأتي من هذا الموقع اهمية النظر في التعددية التي طرح اللاهوت المسيحي المعاصر حولها نظريات ومقاربات. بالتأكيد استدعتها ظرفيات سياسية وأطر اجتماعية وسياقات تاريخية ، لكن لاتغلي هذه السياقية  قيمتها المعرفية والمنهجية ليستفيد منها بعض المفكرين المسلمين.

يعترف المؤمنون وغير المؤمنين بواقع التعددية الدينية في العالم على حد سواء. يطرح هذا الواقع بالنسبة للمؤمنين مشاكل عديدة أذ يبدو أن الأديان، أو على الأقل معظم الديانات الكبرى في العالم، تقدم رؤى متضاربة للحقيقة وتفسيرات متنافسة عن الطريقة المؤدية للخلاص. ما الذي يُمكًن المسيحي على سبيل المثال، في مواجهة روايات وتفسيرات مختلفة عن الله في اليهودية أو البوذية أو الإسلام أو الهندوسية، أن  يدعي أن  المعتقدات المسيحية عن الله هي الحقيقة؟ يتساءل جون هيك (John Hick )، عند التفكير في التشابه الهائل للعبادة في بعض التقاليد الدينية الكبيرة، عما إذا كان الناس في الكنيسة والكنيس والمسجد والغوردوارا والمعبد يعبدون آلهة مختلفة أم يعبدون الإله نفسه؟[1]

يرفض هيك إجابتين محتملتين عن هذا السؤال: أن هناك العديد من الآلهة، أو أن دينًا واحدًا، المسيحية على سبيل المثال، يعبد الله الحقيقي بينما تعبد كل الأديان الأخرى آلهة مزيفة لا توجد إلا في خيالات المؤمنين فيها. فكان رده المفضل هو تقديم تفسير للتعددية يعارض ادعاءات الحصرية والاستبداد الديني:

لايوجد الأً إله واحد هو الخالق وورب الجميع. أنه في كماله اللامتناهي وثرائه اللامحدود يفوق كل محاولاتنا البشرية للأمساك به في الفكر المجرد؛ وأن المتدينين في مختلف ديانات العالم الكبرى يعبدون في الواقع إلهًا واحدًا، ولكن من خلال مفاهيم مختلفة ومتداخلة أو صور ذهنية له.[2]

من المعتاد الآن التمييز بين الفكر المسيحي وثلاثة مقاربات رئيسة للأديان الأخرى. يتبنى آلان ريس (Alan Race) في "المسيحية والتعددية الدينية"[3] العناوين التي تؤكد على: التفرد، والشمولية والحصرية، حيث يرى أن المسيحية وحدها التي تملك الحقيقة وأنه لا يمكن أن توجد حقيقة أو خلاص خارجها.  يقوم رأيه على الأعتقاد أن الوحي المسيحي حقيقي ونهائي وأنه لا يوجد أي وحي آخر ممكن. من ناحية أخرى، تشير الشمولية إلى أن أديان العالم الكبرى الأخرى مثل الإسلام أو الهندوسية أو البوذية يمكن أن تقدم رؤى روحية مهمة للقداسة ولكنها ليست بدائل للرؤية المسيحية. إنها أديان مندرجة في المسيحية وتعبر عن مفاهيم جزئية وغير مكتملة للحقيقة الموجودة بالكامل في المسيحية. ومن وجهة النظر الشاملة، كما هو الحال مع التفرد، فأن المسيحية فقط هي طريق الخلاص حقًا.

هناك نهج ثالث وهو وجهة النظر التعددية. تدعي صيغة التعددية في معارضة الادعاءات المطلقة بالحصرية أو الشمولية، أوترى نه يمكن ان يكون لمضمون حقيقة الإيمان مجموعة متنوعة من المفاهيم  الصحيحة والتعبيرات المشروعة. لذا يجادل جافين دكوستا ( Gavin D'Costa)، على سبيل المثال، بأن "الأديان الأخرى هي طرق خلاصية الى الله على قدم المساواة مع المسيحية ويجب رفض ادعاء المسيحية بأنها الطريق الوحيد ... أو أنها تمام الطرق الأخرى".[4] لا يجب اعتبار وجهة النظر هذه  تعبر عن نسبية دينية – أيً الادعاء بأنه لا يوجد معتقد ديني صحيح تمامًا - أو الأدعاء بأنه يمكن أن تكون جميع  المعتقدات المتضاربة أو المتناقضة عن الله صحيحة. أنه يعتمد على افتراض أن هناك بعض الحقائق الدينية الأولية والأساسية التي يتم تقديمها في مجموعة متنوعة من الأشكال الثقافية في أنظمة المعتقدات الدينية المختلفة. وهكذا، على سبيل المثال، قد نعتقد أن محاولة رودولف أوتو ( Rudolf Otto) في كتابة " فكرة المقدس" لوصف ما يسميه "التجربة والمعتقدات والمشاعر" و"الحالة الذهنية المؤكدة"، تعني أن امتلاك صفة دينية أو روحية قوية تشير إلى وجود إله، وانه يكمن في قلب كل المتدينين والأنظمة الدينية من الأكثر بدائية إلى الأكثر تعقيدًا لاهوتيًا،[5] أنها محاولة لتوضيح أساس هذه التعددية الدينية. (تجدر الإشارة إلى أن أوتو لم يكن تعدديًا في من حيث هذا التعريف، لأنه كان يعتقد أن المسيحية كانت تتويجا وتحقيق لجميع التجارب الدينية الجزئية المضيئة.)

إذا كانت وجهة النظر هذه للتعددية الدينية هي الهروب من تهمة الانتقائية الدينية، فيجب أن تسعى إلى تجنب صعوبتين رئيسيتين. الأولى هي أن  اثبات "أساس ديني"، موجود في جميع الأديان من الأكثر بساطة إلى الأكثر تعقيدًا، ومن الأكثر بدائية إلى الأكثر تطوراً، أمر صعب للغاية. يحدد أوتو هذا الأمر بشكل غامض  في مايتعلق بعلاماته وميزاته والأشياء المرتبطة به. الاً أنه يحاول ان يفسره  بشكل أفضل عندما يتحدث عنه بوصفه حالة نفسية، وتاكيده  على الحالة الروحية  القوية التي  تشير إلى وجود إله من خلال الشعور به وعيش التجربة معه كشيء حاضر حيث" يتحول إليه أو نحوه العقل تلقائيًا".[6]. نلاحظ هنا عبارة كانطية معاد كتابتها عندما يتحدث أوتو عن "المقدس" كمقولة أولية.[7]  أيً مقولة تستند إلى الاستنتاج النظري بدلاً من الملاحظة التجريبية. لم ينجح مفكر ديني آخر، واقصد بول تيليش، كثيرًا في محاولته تأسيس "الاهتمام بالمطلق'' كعنصر ديني عالمي، يزعم أنه موجود عند جميع الناس (حيث إن الجميع لديهم اهتمام بالمطلق) وقابل للتحديد في مجموعة متنوعة من أشكال التعبير الثقافي.[8]

قدم أرنولد توينبي، على سبيل المثال، هذه التعددية كأساس للتسامح بين الأديان المختلفة. فيرى أنه من الممكن بالنسبة لنا، في الوقت الذي نعتقد فيه أن قناعاتنا الخاصة صحيحة وحقيقية، أن ندرك، إلى حد ما، أن جميع الأديان الكبرى العليًا هي أيضًا اكتشافات لما هو الحق والصحيح. إنها تأتي من الله أيضًا، وتعرض كل منها جانب من جوانب حقيقة الله.[9]

بذل جون هيك قصارى جهده لتطوير مفهوم التعددية الدينية هذا في معارضة الادعاءات المطلقة لأي دين، بما في ذلك المسيحية. ويجادل بأن كل من أديان العالم الكبرى تقدم لقاءات حقيقية مع الألوهية وأن كانت مختلفة. إنها تجسد "تصورات ومفاهيم مختلفة، واستجابات مختلفة ازاء ذلك الواقع الأقصى أو النهائي  من داخل الطرق الثقافية المتنوعة الرئيسة للإنسان''.[10] يحريص هيك على الجمع بين ادعاء الحقيقة وادعاء الخلاص في كل دين من الأديان الكبرى. وبالتالي، يجب أيضًا اعتبار التقاليد الدينية الكبرى بمثابة "مساحات"  خلاصية  (soteriological ) بديلة يمكن للرجال والنساء العثور من خلالها على الخلاص / التحرر".[11]

من السهل قبول هذا من حيث الأدعاءات الخلاصية للتقاليد الدينية مقارنة بقبول ادعاءاتها الحقيقة. فبعد كل شيء، "يمكننا أن نتخيل عددًا من التفسيرات المختلفة للخلاص، على الرغم من التنافس وحتى الحصري المتبادل، إلا أنها ليست بالضرورة من النوع الذي يتطلب إن نقول أن أحدهما صحيح والآخر خاطئ. فقد نقول يمكن أن تنتج البيئات الثقافية المختلفة تفسيرات مختلفة للخلاص الديني في الحياة.

يصعب قبول ادعاءات الحقيقة المتضاربة لمختلف التقاليد الدينية .فإذا افترضنا أن كل دين يقدم ادعاءات الحقيقة في نصوصه، وتعارض هذه الادعاءات في بعض الحالات أدعاءات الأديان الأخرى (على سبيل المثال، التوحيد ضد الروايات والتفسيرات الثنائية عن الله، أو التثليث على عكس المعتقدات غير التثليثية)، لن يتم حل مشكلة ادعاءات الحقيقة المتنافسة بالرجوع إلى "اصل حقيقي" رغم المواجهات المختلفة مع الإلهي.

يستعمل هيك فكرة كانط فيعتبر التقاليد الدينية ظاهرية ( phenomenal) وأن هناك نومين (  noumenon، الشئ في حد ذاته) إلهيً لايمكن معرفته في ذاته، لتقويض أي ادعاءات مطلقة أو شاملة من قبل أي دين معين. ويقدمها بوصفها دعامة فلسفية للتعددية الدينية. لكنها تعددية تتطلب إعادة فحص جذري لإدعاءات الحقيقة التقليدية التي قدمتها المسيحية. يعتمد الإدعاء المسيحي بالحقيقة الحصرية في جزء كبير منه على الزعم  أن وحي وأنكشاف الله في شخص المسيح صحيح تمامًا على اساس حقيقة التجسد، وأن المسيح هو في الحقيقة الله والإنسان. يتطلب تبني هيك للتعددية الدينية كما حددها وضع هذه العقيدة جانباً، أوعلى الأقل إعادة تعريفها كخرافة بدلاً من أعتبارها واقع أنطولوجي (وجودي) كما هو الحال في العقيدة التقليدية منذ زمن مجمع خلقيدونية. يسمي إعادة التعريف هذه - "ثورة كوبرنيكانية" لفهم الدين - تسمح له بالادعاء بأن  عالم الدنيا الديني يعتمد على الحقيقة الألهية. والمسيحية واحدة من عدد من عوالم الإيمان العديدة التي تدور حول هذه الحقيقة وتعبر عنها.[12]

تنشأ المشاكل من هذه الثورة الكوبرنيكية أو من هذا التحول " الكانطي". اذ يتضمن أحدهما إعادة تفسير للعقيدة المركزية للتجسد وبالتالي للجوهر المركزي للمعتقدات التي تحدد المسيحي على عكس أي تقليد ديني غير مسيحي. "لم نعد نتحدث عن تقاطع يحدث بين الإلهي والإنسان في حالة فريدة واحدة فقط، ولكن عن تقاطع يحدث، بطرق ودرجات مختلفة، في كل انفتاح واستجابة إنسانية للمبادرة الإلهية".[13] وهكذا فإن جميع التقاليد الدينية متساوية، وتقدم استجابات  وعبارات كافية إلى حد ما عن النومنين الإلهي. لكن لا يمكن اعتبارها  تعبر عن الحقيقة كما هي مفهومة تقليديًا، ولا يمكن القول بأن هذه العقيدة صادقة أو باطلة، صحيحة أو خاطئة. يشير الأحتكام إلى كانط إلى سرد التقاليد الدينية ذات الأصول البشرية والثقافية واللا أدرية حول الصلاحية النهائية للدافع الديني. وهنا يمكن أن يُنظر إليه على أنه يتحرك في اتجاه النسبية الدينية بدلاً من التعددية الدينية.

يرى هيك أن وصفه للتعددية الدينية يقوض الادعاء المطلق والحصري لعدد من التقاليد الدينية. يستند هذا الادعاء بأمتلاك الحقيقة، عند بعض الأديان، على الاعتقاد بأن نصوصهم المكتوبة هي كلمات من وحي الله. كتب هانز كونغ " لم يعد يظهر الحد الفاصل بين الحق والباطل، وحتى كما يراه المسيحيون، بين المسيحية والديانات الأخرى ولكن داخل كل من الأديان".[14] فيضيف اللجوء إلى النصوص المكتوبة كدليل على حقيقة بعض المعتقدات بعدًا  ضروريا لمناقشة التعددية.

لقد حصل هنا في بريطانيا جدال صاخب على اثر ما أعتبر صدمة للعديد من المفكرين الدينيين الليبراليين من قبل الحاخام الأكبر، جوناثان ساكس جراء هجومه القوي على مايعرف بحركة ماسورتي Masorti  داخل اليهودية. وقد كان  من بين أسباب هجومه أن هذه الحركة التي أسسها الحاخام الأكبر السابق، لويس جاكوبي، تنازع وتجادل بخصوص التأليف الإلهي للتوراة بأكملها - الكتب الخمسة الأولى لما يسميه المسيحيون العهد القديم. لقد أثار هجوم الدكتور ساكس إدانة من حاخام حركة ماسورتي في شمال لندن جوناثان ويتنبرغ قائلاً: لا يريد المرء بيئة يكون فيها شكل واحد من الأفكار مقبولاً فقط. يجب على المرء أن يكون حازمًا في الإصرار على أن هناك مكانًا في الحياة اليهودية للعديد من التيارات الفكرية.

إن ما يبدو على المحك في مثل هذا النزاع هو الرأي القائل بأن هناك مجموعة من المعتقدات الدينية التي يمكن الادعاء من قبل أصحابها بأنها صحيحة لأنها متضمنة في نص مكتوب، مثل التوراة، وأنها  وحي من الله.  تستند هذه الأطروحة، التي أطلق عليها الحاخام ساكس "شريعة من السماء" الى منظور للوحي يتضمن الأعتقاد بأن الله ألهم مؤلف (أو مؤلفي) النص بحيث يمكن القول أن الكلمات من الله. لذا، سواء كان المؤمن متمسكًا برؤية صارمة للتأليف الموسوي لهذه النصوص أو الكتب الفريدة من نوعها، أو أنه مستعد على اسس تفسيرية قبول أن مجموعة متنوعة من الكتاب والمحررين اللاحقيين قد ادمجو تقاليد في النص النهائي تعود الى زمن موسى؛ وتلزم وجهة نظر الوحي هذه المؤمن بالرأي القائل بأن هذه النصوص هي كلام الله وهي معيارية للإيمان الديني، وأن ما تخبرنا به هذه النصوص صحيح. ما رفضه الحاخام ساكس هو الرأي القائل بأن ليس كل عبارة في التوراة صحيحة، وأنها يمكن أن تحتوي على أخطاء، وأن على المؤمن أن يميز في النصوص المعنية تلك الأجزاء التي هي موحاة حقًا، و يرى أنه قد لا تكون هناك حقيقة واحدة فقط بل مجموعة وجهات نظر مقبولة ضمن التقاليد الدينية.

تثير الخلافات الداخلية داخل اليهودية أسئلة رئيسية حول الدين والتعددية. لقد نشأت في شكل خاص عندما تدعي الأديان المعنية أنها تمتلك الحقيقة المطلق بسبب وجود نصوص مكتوبة مستوحاة من الله. وبالتالي تمتلك هذه الديانات (التوحيدية) مثل اليهودية والإسلام والمسيحية - أديان الكتاب، كما يطلق عليها أحيانًا- مجموعة مماثلة من الخصائص وتثير مجموعة مماثلة من المشاكل للتعددية.

يعتمد ادعاء هذه الأديان بالحقيقة المطلقة على الأعتقاد بامتلاكها نصوص هي  "كلام الله". وتعتمد جميعها على نظرية الإلهام الإلهي لدعم هذا الادعاء. ويتمثل هذا في مايعرف بنظرية  "الأمر والإملاء" للإلهام، حيث يعتقد بعض اليهود الأرثوذكس أن التوراة قد الهمها وأملاها الله على موسى. وكذلك بالنسبة للعديد من علماء المسلمين، فإن القرآن في شكله ومضمونه وكلماته ولغته (العربية) مصدره حصريًا من الله، مع كون النبي محمد مجرد قناة ناقلة. لذلك يمكن التأكيد على أنه "عند تلاوة القرآن يكون الصوت صوت القارئ والكلام لله".[15] ولدى بعض المسيحيين فهم مماثل للإلهام. أو قد تكون نظرية الإلهام أكثر تعقيدًا في إسنادها النص إلى الله بينما تقبل في الوقت نفسه أن اللغة والشكل والأسلوب هي لغة المؤلف البشري.

قد يكون من المفيد أولاً التمييز بين مفهوم الإلهام ومفهوم الوحي. إن فكرة الحقيقة الموحاة هي أساسًا الحقائق التي كشفها الله والتي لا يستطيع أن يعرفها العقل البشري بطريقة أخرى. هكذا تتحدث مذاهب الثالوث أو التجسد في المسيحية التقليدية عن الحقائق الموحاة. يشير الإلهام، من ناحية أخرى، إلى الاعتقاد بأن الكتب المقدسة التي يعترف بها الدين مكتوبة بوحي من الله. تحتوي– طبقا لرايهم- على مجموعة متنوعة من المعلومات التي كشفت عن الحقائق بالمعنى الدقيق للكلمة. وهي تتضمن تعاليم أخلاقية، معلومات عن الواقع، وأحكام عن ماحدث في التاريخ، إلخ. هناك استنتاجان قويان يتبعان الإيمان بالإلهام: أن كل شيء موجود في مقطع أصيل من الكتاب المقدس هو كلمة الله، وأن كل شيء موجود في مقطع أصيل من الكتاب المقدس معصوم من الخطأ وصحيح تمامًا. هذا النوع من الاعتقاد هو الذي يكمن وراء هجوم الحاخام ساكس على ماسورتي وإدانات التعددية داخل ديانات معينة.

فيما يلي تعريف للإلهام وهو تفسير معياري كاثوليكي للعقيدة:

" الإلهام هو عمل الله الخارق للطبيعة على الكتاب المقدسين الذي تحركوا بموجب أمر الله الذي دفعهم للكتابة وساعدهم عليها، لتدوين الأشياء التي أمر بها، هؤلاء فقط هم من فهم أولاً وبحق قول الله، ثم أرادوا بإخلاص وأمانة أن يكتبوا، فعبروا بكلمات ملائمة عن حقيقة معصومة ...... جميع الكتب التي تتلقاها الكنيسة على أنها مقدسة وشريعة الهية مكتوبة كليًا وبكل أجزائها بإملاء الروح القدس. فمن غير الممكن أن يتعايش أي خطأ مع الإلهام، أن الإلهام ليس فقط غير قابل للخطأ في الأساس، بل يستبعد الخطا ويرفضه تمامًا وضرورةً لأنه من المستحيل أن أن ينطق الله نفسه، وبوصفه الحقيقة العليا، بما هو غير صحيح."[16]

تثير هذه الكلمات (للبابا ليون الثالث عشر) عددًا من القضايا الإشكالية. هناك أولاً قرار بقبول بعض الأعمال باعتبارها جزءًا أساسيًا قانونيًا من الشريعة المستلمة من الكتابات المقدسة  التي تم تلقيها- وبالتالي هي مُلهَمة أومصدرها إلهام. يحتوي كل من  الشريعة أو القانون اليهودي لكتابات العهد القديم، وشريعة أو قانون العهد الجديد على كتابات تم التنازع حولها بين وقت أو آخر، ليس بالضرورة بسبب مضمونها ولكن بسبب الشكوك حول تأليفها أو أصالتها أيضًا. فلا توجد "معايير داخلية" في النص. ثانيًا، هناك سؤال حول ما تعنيه مصطلحات "تحرك" و "دفعت" و"مساعدة" فيما يتعلق بمؤلفي الكتاب المقدس الموحى به. هل تشير ضمنًا إلى نظرية "الإملاء" للإلهام أم أنها تسمح بدور بشري منفصل في التأليف؟ وإذا كان من الممكن اعتبار النصوص الآن معصومة من الخطأ - فهل هذه العصمة لا تشمل المسائل العقائدية فقط ولكن القضايا التاريخية وحتى "العلمية" أيضًا؟ بالنسبة للمؤمن الديني الذي يقبل فكرة عصمة بعض النصوص الدينية من "النص المقدس" وليس جميعها، هل يمكن اعتبار أن هذه النصوص توفر إجابات نهائية للأسئلة التاريخية أو الأثرية حول فتح اليهود لأرض كنعان، على سبيل المثال، أو الأسئلة العلمية حول أصل الحياة البشرية في  الكون؟

يتطلب من فلاسفة الدين في هذه المرحلة إلى الألتفات إلى ثلاث خطوات يتم تشكيلها أو إجراؤها في الأديان الكبرى أو ذات التقاليد المتطورة لفهم  بشكل صحيح ما يُزعم أنه  حقيقة في خطاب ديني معين.

الأول هو ما يمكن تسميته بالهرطقة. فمن المؤكد يوجد في تلك الأديان التي تدعي الحقيقة المطلقة على اساس الكتابات المُوحى بها نزاعات أو خلافات داخلية حول معنى العبارات العقائدية. غالبًا ما يتم توصف عبارات بانها ذات مصداقية لاستبعاد أنواع معينة من الخطأ من خلال القول بأن هذه الطريقة في التحدث عن الله هي الصحيحة بدلاً من أخرى. فعلى سبيل المثال من المشهور والمعروف على نطاق واسع، حُسمت الخلافات ذات الآثار اللاهوتية الكبيرة في تشكيل الكنيسة المسيحية الأولى بتبني كلمة معينة. فقد عارض مجمع أفسس في عام 431 "البدعة" النسطورية بإعلانه أن كلمة ثيوتوكوس والدة الإله (التي حملت بالله) تم استخدامها بشكل صحيح لمريم (بدلاً من الحصر والتقييد النسطوري على كلمة كريستوتوكس – وهو الأسم الأغريقي لمريم). أو مجمع نيقية في 325 م الذي تبنى مصطلح ( Humo-ousias ) الجوهر الألهي كما يصف المسيح، لمعارضة "البدعة" الآريوسية. إن هذه الحركات اللاهوتية هي التي تفسر الكتب المقدسة المعصومة، وتبين التفسيرات الأرثوذكسية وتحرم التفسيرات غير التقليدية.

الخطوة الثانية هي تبني موقف أكثر تطوراً تجاه  الكتابات نفسها. بدلاً من مجرد قبول النصوص كمعطى، يتم إجراء مناقشة تفسيرية معقدة ليس فقط  عن اسس النصوص نفسها ولكن الغرض منها ومعناها. لذلك، على سبيل المثال، إذا أخذنا كتاب سفر التكوين، وبصورة خاصة تفسير الخلق، فمن الشائع تحديد ثلاثة مصادر وتفسيرات متميزة تم دمجها في رواية واحدة: تفسير الـ "J "، وهو الأكثر بدائية و يستخدم اسم يهوى كاسم لله.  تفسير " E "، حيث يُستخدم مصطلح إلوهيم للإشارة إلى الله، والتفسير "P "، وهو تفسير لاحق يعبر عن اهتمامات العنصر الكهنوتي داخل إسرائيل، مفتونًا برموز الأعداد وتتبع تفاصيل القانون والعبادة اليهودية إلى العصور القديمة. تعطينا معرفة هذا  الكتاب؛ بعد ذلك، تفسيرا مختلفًا تمامًا عن طريقة قراءته. كما يقول أحد المفسرين، "أيا كان ... "من يعتقد أن النية الأساسية للمؤلف في كتابه كانت سرد إخبار التاريخ، فإنه سيصل حتمًا إلى بعض الاستنتاجات الخاطئة حول معنى سفر التكوين".[17] '' وبالتالي، هناك بعض الاستنتاجات الخاطئة حول ما هو صحيح وما هو غير صحيح، وماهو خالي من الخطأ في الكتاب.

الخطوة الثالثة هي الإصرار على أن ما هو موحى به وبالتالي معصوم عن الخطأ ليس النص الفعلي أو الكلمات الفعلية بل ما قصده المؤلف أو المؤلفون على أنه معنى الكلمات والعمل نفسه. يصبح هذا أمرًا حاسمًا في تحديد نوع الشكل الأدبي الذي كان يستعمله الكاتب عندما كتب كتابًا مثل سفر أيوب. إذا كان من المفترض أن يكون أيوب تاريخيًا -أيً شخص  موجود فعليا في التاريخ-  فإن الجدل القائم اذن ماذا كان هذا تاريخ حقيقي لأنه موحى به. لكن إذا كان المقصود منها أن تكون قصة مجازية، كتبت في وقت متأخر جدًا من العصر اليهودي ولكن باستخدام حكاية خرافية بدائية مبكرة كإطار لإيجاد نقاش متطور حول مشكلة القدرة المطلقة والمعاناة الإنسانية، فأن هذا هو  المقصد الصحيح  والغاية من سفر أيوب.

كل هذا يمكن أن يجعل الأمر صعبًا للغاية بالنسبة للمؤمن وفيلسوف الدين في محاولة تحديد ما هو ادعاء الحقيقة، بكلمات أخرى ماذا تدعي الحقيقة. ونأخذ مثال على ذلك من العهد الجديد وهو أن العلماء حددوا المدراش كنوع من الأدوات الأدبية التي يستخدمها الكتاب الساميين، وهي قصة تبدو وكأنها سرد وقائعي أو تاريخي ولكنها في الواقع لم يتم تصميمها كتاريخ على الإطلاق بل المقصود بها لنقل رسالة دينية أو أخلاقية معينة. ولكن ما الذي يخبرنا ما إذا كانت قصة الثلاثة حكماء والنجم، في إنجيل متى يقصد بها حقيقة تاريخية أو قصة ميدراشية مصممة لتأكيد النطاق العالمي للتجسد؟ وإذا كان من الممكن تفسير بعض الأجزاء التي تبدو تاريخية أو واقعية من الكتب المقدسة بهذه الطريقة، فلماذا لا يتم تفسير كل أو معظم الادعاءات التاريخية التقليدية للمسيحية مثلا؟

توضح هذه التعقيدات اللاهوتية نقطتين حول التعددية والحقيقة في التقاليد الدينية. أحدهما هي أنه بحكم طبيعة تلك الأديان التي تلجأ الى تدوين مكتوب بوصفه كلمة الله الموحى بها والمعصومة من الخطأ، ستكون هناك عبارات ومذاهب يُزعم أنها صحيحة بينما يُزعم أن البعض الآخر خاطئة. وسيكون هناك عقيدة صحيحة وهناك ماهو هرطقة. والأخرى هي أنه ما لم يكن للتقاليد الدينية مصدر مقبول للتفسير النهائي للنصوص، أو ما لم يتم تبني نظرية شديدة التبسيط للمعنى الواضح للنصوص، فإن نطاق الاختلاف سيكون كبير.

هناك فكرة مثيرة للاهتمام في هذا السياق، طرحها أوغسطينوس، في كتابه " الاعترافات"، وهي أنه يمكن أن يكون هناك تعدد في معاني النصوص، وكلها صحيحة.

عندما يقول شخص ما، "(مؤلف أسفار موسى الخمسة مثلا) " أعتقد أن ما كان يقصده هو ... ويقول آخر، "لا، إن تفسيري هو الذي يمسك بالمعنى المقصود"، أعتقد أنني أستطيع أن أقول، ولماذا لا يكون كلاكما على حق، إذا كانت المعاني التي تقترحانها  صحيحة؟ وإذا كان لشخص آخر أن يقترح معنى ثالثًا أو رابعًا، أو حتى إذا وجد شخص ما حقيقة مختلفة تمامًا في هذه الكلمات، فلماذا لا يُعتقد أنه قد  ميز كل هذه المعاني، وقد استوعب من خلالها كلمات الله المقدسة المفهومة من قبل كثيرين نفسها؛ فمن سيجد أن هناك حقيقية وإن كانت المعاني متباينة؟[18]

لكن لم يقبل أوغسطين التعددية، فلم يوفر مجالًا كبيرًا للتعددية في نص هذه الفقرة، نظرًا للطريقة التي يهاجم بها أوغسطين الآراء الهرطقية واستخدامه الكتاب المقدس لإثبات آراءه.

تقع على فلاسفة الدين بشكل اساس مهمة  فحص العبارات الدينية، سعياً لإثبات حقيقة أو عدم صحة الادعاءات الدينية المقدمة. والأهتمام باثبات حقيقة تلك الأدعاءات أو زيفها، مثل أن هناك كائنًا أعلى، وأن الله يفعل في العالم، وأن النفس خالدة، وما إلى ذلك. وأفضل طريقة للقيام بذلك هي التحليل الدقيق لكلام وعبارات العقائد، وفهمها في سياق نظام المعتقدات المعني. لذلك يجب أن نشك في أي تفسيرات شاملة لمعنى الدوافع والتأكيدات الدينية التي من شأنها أن تجعل الفهم والتحليل التفصيلي للمعتقدات غير ضروريين وتتجاهل المجموعة الواسعة من أنواع العبارات الدينية التي تشكل نظام المعتقد الديني المعني على وجه الخصوص.

من ناحية، هناك نوع من الاختبار لمعنى ملأ المعنى المقترح للعبارات الدينية من قبل الدراسات ذات المنهجية والفلسفة الوضعية وخلفائها (التي ترى أن كل تأكيد مبرر عقلانيا يمكن التحقق منه علميًا أو قادر على إثابته منطقيا وبالتالي ترفض الميتافزيقا). ولكن أحد نقاط الضعف في هذا النهج هي أنه استوعب جميع المعتقدات الدينية في نوع واحد من العبارات ثم اقترح اختبارًا بسيطًا لمعنىيتها. لاحظ باسمور ( Passmore ) هذه المحاولة إزالة العبارات الدينية من اللغة وأعتبر أنه من غير المعقول الأشتراط على أن بعض الكلمات والجمل ليس لها الحق في أن تكون في اللغة. وعلى حد تعبيره، "يشاركون في الجمل ويحصلون على مكان في القواميس، وأن لم يستوفوا الحد الأدنى من متطلبات الدخول ليكون عبارات مفهومة".[19]

برزت حركتان أخريان مؤخرًا في فلسفة الدين. أحدهما الحركة الفيتجنشتاينية الجديدة، التي تبناها فلاسفة مثل دي زد فيليبس أو نارمان مالكولم ( D. Z. Phillips- Narman Malcolm) ، والتي تسعى إلى حماية النصوص الدينية من النقد الفلسفي على أساس أن معايير وضوح والقدرة على الفهم التأكيدات الدينية وحقيقتها حالة داخلية للدين نفسه ولا يمكن انتقادها من خارج "لعبة اللغة". بعبارة أخرى، ضمن ما يُعرف بإيمانية فيتجنشتاين (التي تقوم على العقيدة القائلة بمعرفة تعتمد على الإيمان أو الوحي) ، فإن الادعاء هو أنه نظرًا لأن معايير وضوح النصوص الدينية هي داخلية للدين، يمكن للمؤمنين، بالمعنى الحقيقي فقط فهم معنى المعتقدات الدينية المعنية.  ويلاحظ نينيان سمارت (Ninian Smart):

صحيح أنه يجب أن يكون لدينا خبرة واسعة إلى حد ما في الدين والأنشطة الدينية من أجل الحصول على فهم تقريبي لمعنى الكلام الديني.. ولكن لا يترتب على ذلك أنه لا ينبغي للمرء أن يؤمن بعقيدة ما وفي الوقت نفسه يفكر بطريقة فلسفية من أجل تقديم وصف دقيق إلى حد معقول لما ترقى إليه هذه العقيدة أو أن هذا الاعتقاد سيساعد الفيلسوف بالضرورة. تجعل قوة القناعة الفلسفة تبدو تافهة، في كثير من الأحيان، أو الأكثر خطورة أنها ستغري المرء باستبدال التحليلات  بالدفاع عن العقيدة.[20]

الخطوة الثانية هي إعادة تعريف مضمون العبارات الدينية المعنية. لقد كان من المغري لبعض الفلاسفة أن يستبدلوا التأكيد الديني بنوع مختلف تمامًا من العبارات. لذا فإن تحليل براثويت (Braithwaite) للتأكيدات الدينية كتعبيرات سرية عن نية الفعل وفقًا لنظام معين من المبادئ الأخلاقية التي تحكم "الحياة الداخلية" وكذلك السلوك الخارجي يحيل  عبارات العقائد الدينية إلى مجموعة من القصص التي يتلقاها  المؤمن بترحاب لكنه لا يدعي بأي شكل من الأشكال أنها تمثل الحقيقة.[21] تتمثل الخطوة الأكثر حداثة  ومعاصرة لبعض علماء اللاهوت في التركيز على السلوك بدلاً من العقيدة بحيث تكون السمة المميزة للمسيحي هي السلوك الصحيح–الأرثوذكسي" Orthopraxis''- بدلاً من الاعتقاد "الصحيح– الأرثوذكسي".

قد يكون من الصعب مواجهة عواقب تأكيد الحكم المطلق غير التعددي، واليقين العقائدي، وبالتالي الفعالية الخلاصية. قد يؤخذ البيان العقائدي الراسخ بأنه لا يوجد خلاص خارج الكنيسة - إذا تم تفسيره حرفيًا، لتأكيد أن كل أولئك الذين لا يلتزمون بالإيمان الكاثوليكي ملعونون. كان مجلس فلورنسا (1438-1445) مصرا على أن هذا هو الحال. فلا يمكن لايً شخص أن يبقي أحد خارج الكنيسة الكاثوليكية، ليس فقط الوثنيين، ولكن أيضًا اليهود أو الزنادقة أو المنشقين، يمكن أن يصبحوا شريكاء في الحياة الأبدية؛ أنهم سيذهبون إلى النار الأبدية التي أعدت للشيطان، إلا إذا انضموا قبل نهاية الحياة إلى الكنيسة.[22]

دفع ضغوط التسامح والمسكونية والفطرة السليمة اللاهوتيين إلى تعديل هذه الادعاءات وتغييرها. وهكذا، كانت هناك محاولات لإعادة تعريف أولئك الذين يمكن اعتبارهم ينتمون إلى الكنيسة. يتراوح هذا بين التفريق بين أولئك الذين يحملون إيمانًا كاثوليكيًا صريحًا من أولئك الذين يمكن اعتبارهم مؤمنين ضمنياً،  إلى الاعتقاد بأنه، على الرغم من أنه يمكن إنقاذ المعمدين فقط ، إلا أن "المعمودية بالرغبة" متاحة لأولئك الذين الذين يعيشون حياة خيرة من خلال نورهم الداخلي، الأً أنهم  ليسوا في وضع يسمح لهم بتلقي الرسالة المسيحية. كانت هناك جهود للتمييز بين الأنتماء الظاهر العلني للكنيسة وبين ذاك الكامن؛ كما يقترح كارل رانكر( Karl Rahncr)، لتحديد "المسيحيين المجهولين"؛ وكما يعلق جون هيك على هذا الأمر، "علينا أن نقول أن غير المسيحيين الأتقياء هم، في المعنى الميتافيزيقي، مسيحيين أو مسيحيين دون أن يعرفوا ذلك".[23]

أن تأخذ فلسفة الدين على محمل الجد أدعاءات الحقيقة المتضمنة في التأكيدات والمعتقدات الدينية، وتأخذ في الأعتبار فهم الإلهام وتعقيدات القراءة الصحيحة للنصوص التي يدعي المؤمنون أنها معصومة. تصبح مهمة صعبة على فيلسوف الدين معرفة نوع ادعاء الحقيقة الذي يقدمه الشخص المتدين: ما إذا كان المعتقد المسيحي المعين، على سبيل المثال، في القيامة، يلزم المؤمن ببعض المعتقدات الواقعية أو التاريخية، أو ما إذا كان من الأفضل تفسيره على أنه لا يتضمن مثل هذا الادعاء من النوع التجريبي، كما يؤكد جون هيك. فهناك تعدد في الأصوات حتى ضمن تقليد ديني واحد. ما هو الخيط المشترك الذي يمر عبرالعبارات أو  النصوص المسيحية عن الله مثل "يجب أن نستنتج أن هناك محركًا أول يسمي الله"،[24] "الله موجود بذاته و ... لا يمكن قول أي شيء آخر عن الله باعتباره الله[25] و"الله هو مجموع كل قيمنا، ويمثل لنا وحدتهم المثالية، وقوتهم الابداعية"؟[26] وإذا قمنا بتضمين هذه القائمة في مفهوم الله الذي تناوله المؤمنون "العاديون" او غير رفيعي المعرفة من الناحية اللاهوتية في صلواتهم الالتماسية من أجل الصحة أو الحماية من بعض الشرور، فإننا بالتأكيد نضيف إلى تلك الأصوات المتعددة.

يجب أن تُظهر فلسفة الدين حساسية تجاه سياق التأكيدات الإيمانية والفروق اللاهوتية المتعددة المحتملة في التفسير. إن المكانة المركزية التي تطالب بها العديد من الأديان في مزاعمها بامتلاك الحقيقة، والمتضامنة مع محاولة إثبات مثل هذه الادعاءات بالرجوع إلى نصوص مكتوبة ومُلهمة، تجعل من الصعب الحفاظ على التعددية الدينية. لا يجب أن يؤدي هذا بالضرورة إلى عدم التسامح ما لم يتم التأكيد على أن الخطأ ليس لا له حقوق وأنه يجب تحريمه فقط بل يجب اضطهاده. بالنسبة للمؤمنين الدينيين، لا سيما أولئك الذين ينتمون إلى التقاليد التي يتم فيها تقديم الادعاء بالحقيقة المطلقة، فإن إمكانية التفسيرات المختلفة لنص موحى وبالتالي الصيغ المختلفة والمحتملة بشكل متساوٍ عن العقيدة الأساسية يجب أن توقف أولئك المؤمنين الدينيين الذين يعارضون الذين يختلفون في المعتقدات وبالتالي يرفضون التعددية باسم العصمة.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

........................

[1] Hick, J. and Hebblethwaite, B. (eds.) 1980. Chritianity and Other Religions: Selected Readings. London: Fount paperbacks. p. 177.

[2] Hick, J. and Hebblethwaite, B. (eds.) 1980. Chritianity and Other Religions: Selected Readings.  p. 178.

[3] Race, Al. 1993. Christians and Religious Pluralism. London: SCM Press.

[4] D'Costa, G.1986.Theology and Religious Pluralism:The Challenge of Other Religions. Oxford: Blackwell. 22.

[5] Otto, R. 1958. The Idea of the Holy: an inquiry into the non-rational factor in the idea of the divine and its relation to the rational, trans. by John W. Harvey. Oxford: Oxford University Press. pp.  7, 18.

[6] م، ن، 11

[7] م، ن، 136

[8] Tillich, P. 1955.Ultimate Concern. London: SCM Press.

[9] Toynbee, A. 1953. Christianity among the Religion of the World. New York: Columbia University Press. p. 111.

[10] Hick, J. 1985. Problems of Religious Pluralism. London: Macmillan. 47.

[11] م،ن

[12] م، ن،53

[13] م، ن ، 63

[14] KUng, H. 1986. Christianity and World Religions: Paths of Dialogue with Islam, Hinduism and Buddhism. New York: Doubleday. p. xviii.

[15] Arberry, A. J. 1957. Revelation and Reason in Islam. London: Allen &Unwin., p. 26.

[16]Van, Noort, G. 1961. Dogmatic Theology, Volume 3. Cork: :Mrercia Press. p.70.

[17] Vawter, B. 1957. A Path through Genesis. London: Sheed and ward.  p. 20.

[18] Augustine. 1961. Confessions. Harmondsworth: Penguin., p. 257.

[19] Passmore, J. 1961. Philosophical Reasoning. 83.

[20] Smart, N. 1958. Reasons and Faiths, an investigatim1 of religious discourse, Christian and non-Christian. London: Routledge, Kegan and Paul. p. 17.

[21] Braithwaite, R. B. 1971. 'An Empiricist's View   of   the Nature of Religious Belief’, in B. Mitchell (ed.), The Philosophy of Religion. London: Oxford University Press.

[22] مقتبس من :

Hick, J. and Hebblethwaite, B. (eds.) 1980. Christianity and Other Religions: Selected Readings. London: Fount paperbacks. p. 178.

[23] م، ن .

[24] Aquinas, Thomas. 1952. The Summa Theologica of Saint Thomas Aquinas. 2 volumes, trans. Fathers of the English Dominican Province. Chicago: Encyclopaedia Britannica.p. 57.

[25] Tillich, P. 1951. Systematic Theology, Volume l. Chicago: University of Chicago Press. p. 239.

[26] Cupitt, D. 1984. The Sea of Faith. London: British Broadcasting Company. p. 269.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم