صحيفة المثقف

كربلاء: تشريح مأساة

رحيم الساعديبقلم: كولديب كومار

ترجمة د. رحيم الشياع الساعدي

إن مأساة كربلاء حاضرة في الوعي الإسلامي على الرغم من أن المذهبين الرئيسيين في الإسلام - السنة والشيعة - قد استوعبوها بطرق مختلفة. يبدو أنه ما دام الانقسام الكبير قائما، ستستمر مأساة كربلاء في التكرار ولن يُسمح لجراح التاريخ بالشفاء.

لقد وقعت المأساة الأصلية في اليوم العاشر من شهر محرم عام 680 م بعد وفاة محمد، نبي الإسلام، بخمسين عام.

يُعرف هذا اليوم بعاشوراء، وهو التاريخ الأكثر جدية في التقويم الشيعي عندما نقارنه بيوم كيبور أو أحد الفصح، حيث ذبح في هذا اليوم نسل النبي، وتم أسر نساء عائلته وتقييدهم بالسلاسل. ومنذ ذلك اليوم، بدات مناسبة وطقوس حداد شديدة على الحسين حفيد محمد، الذي يوقره الشيعة بصفته سيد الشهداء، الذي قُتل في عاشوراء في صحراء كربلاء، وهي حاليا مدينة في العراق. ويؤكد الشيعة المخلصين أن كل يوم هو عاشوراء وكل مكان هو كربلاء. ولا عجب أنه حتى في الهند البعيدة، فإن كل قرية أو بلدة يعيش فيها الشيعة لديها تمثيل رمزي لكربلاء لإبقاء ذكرى المأساة حية.

وتستمر المأساة في تكرار نفسها بين الحين والآخر كما كان واضحًا في 4 مارس 2004 عندما ضرب تنظيم القاعدة الإرهابي كربلاء في عاشوراء بقسوة وقتل وجرح المئات من المعزين الشيعة الذين تجمعوا في المدينة المقدسة.

لقد أرست المذبحة الأصلية التي وقعت في القرن السابع الأساس للانقسام بين المسلمين، وقد اكتسبت قصتها، التي رويت وأعيد سردها بتنميقات وتغييرات في ملامح السرد، طابع الملحمة على مدى الأربعة عشر قرناً الماضية. . وهي مثل كل القصص الملحمية، لا تزال تعيش في قلوب وعقول مستمعيها وقرائها، حتى ان الكاتب الأسطوري الهندي-الأوردو بريمشاند كتب مسرحية بعنوان كربلاء تروي قصة استشهاد الحسين المؤلمة.

وكما هو الحال في الحرب الموصوفة في ملحمة ماهابهاراتا الهندية، فإن جميع الشخصيات الدرامية لمأساة كربلاء مرتبطة ارتباطًا وثيقًا أو بعيدًا من خلال سلالة مشتركة تظهر نفس الكراهية والقسوة لأفراد العشائر مع  بعضهم البعض.

 إن الطريقة التي بينت عدم احترام وتعذيب نساء البيت المقدس لمحمد في صحراء كربلاء بأوامر من الخليفة يزيد تذكر بالطريقة التي تعرض بها دروبادي للاذلال والطعن بأوامر داريوهانا

ان ظاهرة الدين المذهلة تلعب أدوارًا متناقضة في حياة الناس. وقد قال علي شريعتي، المحاضر الكاريزمي الذي لعب دورًا رئيسيًا في إرساء الأساس الفكري للثورة الإيرانية في عام 1979، إن الدين يمكن أن يدمر أو يحيي، أو ينيم أو يوقظ، أو يستعبد أو يحرر، أو يعلم الانقياد أو يعلم التمرد

وهو يدرك بما فيه الكفاية أن كربلاء كانت رمزًا دينيًا محمّلًا بشكل كبير مع قدرة لا حصر لها على التكيف بالإضافة إلى إمكانيات هائلة للعمل كمنبع للطاقات العاطفية والدينية والاجتماعية والسياسية. في ظل نظام الشاه القمعي، وتردد صدى قصة كربلاء عبر الخطوط الفاصلة بين رجال الدين المتشددين والمفكرين العلمانيين والليبراليين والمحافظين والماركسيين الحضريين واهل الريف على حد سواء. ولا يزال صدى القصة يلقى من خلال نشر رواية بنغالية من القرن التاسع عشر مترجمة إلى اللغة الإنجليزية .

ففي عام 1885، قرر مير مشرف حسين، الذي ينحدر من عائلة زامندار شرق البنغال وعمل في الغالب كمدير فعال لممتلكات الزاميندار، أن يروي قصة كربلاء بلغته البنغالية، مستخدمًا خياله الأدبي إلى أقصى حد. وكتب رواية بعنوان (Ocean of Melancholy) بحر الاحزان،  وحققت نجاحًا فوريًا.و كانت شعبية الرواية - بين المسلمين والهندوس على حد سواء - لدرجة أنه في غضون عام من نشرها، تمت إعادة طبعها إلى خمس طبعات. وقد ولد حسين عام 1847 وألف 35 كتابًا حتى وفاته عام 1911، لكن السند يعتبر أفضل كتاب له.

كان حسين معجبًا متحمسًا للفلسفة الصوفية الانتقائية للمغني باول لالون، وكان يحترم جميع الأديان والممارسات الدينية على قدم المساواة و لقد حوَّل حسين القصة إلى الهند واحتار نقاد الأدب بلغة الرواية حتى يومنا هذا، لأنها نسخة سنسكريتية تماما من البنغالية حيث تتجنب الكلمات الفارسية والعربية بعناية، وحتى بالنسبة للكلمة الشائعة مثل المسجد، فقد تم استخدام كلمة ماندير كما يخبرنا المترجم ألو شومي في السيرة الذاتية الموجزة للمؤلف.

يذكر ان حسين كتب أيضًا مقالًا طويلًا لـ (حياة بقرة) وهو للدفاع عن الممارسة الهندوسية في حماية الأبقار.

وربما ببسبب نزعته إلى السباحة ضد التيار فان حسين صور يزيد الشرير في مأساة كربلاء والذي بأوامره  ارتكبت جميع أنواع الفظائع ضد حفيد النبي محمد (الحسين وعائلته)، صوره بطريقة مخففة .

أن النجاح الهائل شجع مير مشرف حسين على كتابة مقطعين إضافيين بعنوان "Uddhar Parva" (عملية الإنقاذ)، نُشر في عام 1887، و "Yazid Badh Parva" (ذبح يزيد)، نُشر عام 1891.

وفيما بعد طُبعت الأجزاء الثلاثة المنفصلة معًا وأصبح الجزء الأول يُعرف باسم "قصة محرم"وقدمت الترجمة الإنجليزية عرضًا تفصيليًا للجزء الأول مع الفصول الثلاثة الأولى من "عملية الإنقاذ"، كما قدم الباقي في ملخص وكانت الترجمة ممتازة ولها نكهة طبيعية اصلية . 

وإلى جانب المقدمة، أضاف المترجم قسمين مفيدين للغاية للكتاب هما"لغة السند" و "الاتصال الهندي". وقدما موجزًا تاريخيًا عن كيفية قيام حكام البنغال المسلمين برعاية اللغة المحلية لأول مرة وبالتالي ساعدوا في تطوير اللغة البنغالية إلى لغة مستقلة بخطابها اليومي والفكري، بالاضافة الى السؤال عن كيفية مجئ اللغة السنسكريتية إلى هذا الجزء من البلاد في وقت متأخر نوعا ما و ارتباطها الهندي"، ويروي لنا السبب من خلال قصة اولئك البراهمة الذين عاشوا في الأراضي العربية في القرن السابع وقاتلوا في معركة كربلاء وضحوا بأرواحهم من أجل الحسين وقضيته ومن ثم استمر أحفادهم في العيش في أجزاء مختلفة من الهند ويطلق عليهم اسم البراهمة الحسينيين .

 

....................

من صحيفة National Herald

والمقال خاص بالكاتب

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم