صحيفة المثقف

ليْسَ كُلُّ مُعَارِضٍ خائِنٌ لوَطَنِهِ

علجية عيشلخضر بورقعة في عيون إعلاميين ومسؤولين عرب

 نقف أحيانا على معلومات لم نقرأ عنها من قبل عن حياة ومواقف زعماء عرب او جزائريين، لاسيما الذين كانت لهم علاقات دبلوماسية مع شخصيات عربية وإعلاميين عرب، ولم يتم الكشف عنها حتى بعد رحيل أصحابها، هو ذا ابن الجزائر  لخضر بورقعة  يرحل عن الحياة تاركا بصمته من خلال مذكراته " شاهد على اغتيال الثورة" وهو  أحد مؤسسي جبهة القوى الإشتراكية  "الأفافاس" أكبر حزب معارض في الجزائر، الذي تأسس في 1963، أيْ بسنة  قبل أن تتحول جبهة التحرير الوطني إلى حزب سياسي، يرحل عن الحياة، رغم أن  جل قادة الأفافاس يُحْسَبُونَ على التيار الفرانكوني، إلا أن لغة "الضاد" تسري في دمهم، وعندما يتكلمون فإننا نشم فيهم ريح "العروبة"،  بدليل ان أقلاما عربية أثنت على مسارهم النضالب  ومواقفهم المشرّفة، لخضر بورقعة "الثائرُ الحُرُّ"  كما وصفه البعض الذي روجت بعض المؤسسات الإعلامية في الجزائر عدم التحاقه بالثورة، وسجن لمجرد أنه أيّد "الحراك الشعبي"  يشهد على وطنيته وكفاحه رجال من خارج الجزائر، فهذا الكاتب اللبناني معن بشور في صحيفة "رأي اليوم " التي يرأسها الإعلامي المخضرم عبد الباري عطوان يثني على المجاهد لخضر بورقعة وقال:  "أن وصفي لثورة الجزائر أنها لا تشيخ كله مستوحى من هذا الرجل الذي كلما تقدم في السن تقدم به الشباب أيضا". 

 وأضاف قائلا: فالشباب والثورة لم يغادراه طيلة حياته، فتراه متوجها إلى الجولان مقاتلا ابان حرب 1967، وإلى العراق مناصرا عشية الحرب والاحتلال، وإلى سورية منتصرا لوحدتها وعروبتها وخيارها المقاوم، وإلى لبنان معتزا بمقاومته، ودائما إلى فلسطين التي كانت جرحا لا يغادر قلبه وعقله ووجدانه، رافضا أيّ استقواء بالأجنبي في الصراعات داخلية كانت أو خارجية  حتى أنه اعتذر من عدد من المحامين الفرنسيين الذين جاؤوا إليه في السجن معلنين استعدادهم للدفاع عنه بعد سجنه الأخير في أواخرجوان 2019، بسبب موقفه المناصر للحراك الشعبي في الجزائر الذي كان يرفع أعلام فلسطين مع أعلام الجزائرن، ويستشهد معن بشور ببعض مواقف الفقيد وكلماته التي كان يوجهها لوفد المعارضة السورية إثر زيارته الجزائر عام 2012  عندما قال قولته الشهيرة : " أنا ابن ثورة من أعرق ثورات العالم وأعرف أن كل ثورات العالم تقوم من أجل طرد الأجنبي من بلادها، إلا أنتم ممن تطالبون باسم الثورة بدخول الأجنبي إلى بلادكم"،  يقول معن بشور في مقاله: كانت العروبة في دم بورقعة ولتأثره بالقضايا العربية سمى ابنتاه التوأم عام 1977، بعد سنة على خروجه من السجن الطويل، بسيناء والجولان تأكيدا على ارتباطه بتحرير كل أرض محتلة، ناهيك عن حبه لسوريا وفلسطين ولبنان.

 أما على الصعيد الداخلي، يضيف كاتب المقال أن لخضر بورقعة  لم تكن عروبته الإنسانية الملتحمة بالإسلام والمفعمة بحس تقدمي عال، حاجزا بينه وبين مواطنيه وإخوانه "الأمازيغ" الذي كان الأكثر تفهما لهواجسهم ومطالبهم المشروعة، والأكثر تحذيرا من مخططات تستهدف إخراجهم من وطنهم وأمتهم، لأنه يدرك أن العروبة إذا لم تكن هوية جامعة متحررة من كل أشكال العنصرية والتعصب، لا تكون عروبة خرج من أرضها وبلغتها الإسلام كأحد أبرز رسالات السماء..، أما اسماعيل هنية  رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في فلسطين اعتبر وفاة المناضل لخضر بورقعة خسارة كبيرة لجبهة دعم القضية الفلسطينية، إذ كان يشرف على رئاسة الجبهة الشعبية الجزائرية لمناهضة التطبيع ضد الكيان الصهيوني، وقال إن "المجاهد لخضر بورڨعة رجل من رموز الثورة والنضال ضد الاحتلال الفرنسي، ومقاتل من مقاتلي الحرية الذين اعتبروا الجزائر وفلسطين قضية واحدة، وأن تحرير الجزائر لا يكتمل إلا بتحرير فلسطين، وواصل دعمه للحق الفلسطيني حتى الرمق الأخير من عمره رحمه الله.

هذه عينة فقط، ولو بحثنا في محرك البحث "قوقل" google لوجدنا أقلاما أخرى تشيد بنضال الزعماء الجزائريين ومنهم لخضر بورقعة، ولكن ماذا لو سألنا جيل اليوم من شباب الجزائر وحتى جيل الإستقلال ماذا يعرف عن زعماء الثورة، لوجدنا أن نصفهم يجهلهم، فلا يعرف سوى أسماء لا تتعدى أصابع اليد والتي مذكور اسمها في الكتب المدرسية، لأن الإعلام المأجور لم يؤرخ للرّجال الذين صنعوا الملاحم وقادوا المعارك، لا لشيئ إلا لأنهم اختاروا طريق "المعارضة"، ووقفوا في وجه النظام ندا للند، ودعوا إلى إصلاحات جذرية عميقة، بل تغيير جذري، ناهيك عن "الجهوية " السمّ الذي زرعته أطرافٌ، حتى الذين كتبوا مذكراتهم لا نقل كلهم، بل بعضهم لم يقول الحقيقة وهم يؤرخون لتاريخ الثورة الجزائرية، ثم أن مذكراتهم لم توزع بشكل كافي في سوق الكتاب الجزائري، وبعضها تم حجبه كي لا تصل إلى القراء، فكيف لهذا الجيل أن يعرف تاريخه؟ وكيف له أن ينهض ببلاده ويبنيها وهناك أطراف تعمل لصالح قوى أجنبية وهي تسعى لتدمير البلاد ومكتسابتها سياسيا، اقتصاديا واجتماعيا، وتعمل على ضرب منظومتها التربوية والفكرية الثقافية وحتى مرجعيتها الدينية باسم الإنفتاح والتحرر ومواكبة العصر، بل وصلت بها الوقاحة التاريخية والسياسية أن تشوه صورة مجاهدين ومناضلين نزهاء واتهامهم بالخيانة للوطن، وراحوا إلى أبعد من ذلك بالقول انهم لم يتخرطوا يوما في صفوف الثورة، متناسين الخونة الحقيقيين، الذين باعوا أنفسهم للإستعمار الفرنسي واليوم يغرّدون بالقول الجزائر حرّرها الجميع وتلك هي المهزلة التاريخية والسياسية.

 

​علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم