صحيفة المثقف

المناقضات والمعارضات والمطارحات

فالح الحجيةالنقائض فن جديد في الشعرالعربي وربما يتعبره اخرون امتداد لشعر الهجاء في الجاهلية وصدرالاسلام وقد تطور هذا الفن من الشعر العربي وتوسع في زمن العصر الاموي على ايدي فطاحل شعراء هذا العصر حتى اصبح فنا او غرضا جديد ا في الشعرالعربي فالنقائض قصائد في منتهى القوة والبلاغة والعاطفة الشعرية تمتاز بطولها وقد قالها فحول شعراء العربية في العصر الاموي في الرد على الشاعر الخصم او الرد على قصيدة الخصم بحيث ينقضون ما فيها من مدح ويحولونه الى ذ م والفخر الى هجاء ويظهر كل شاعر منهم مثالب الاخر ومعايبه ومعايب قومه وينسب الشاعر القائل الفخر والمدح الى نفسه اوالى قومه ومن اليهم.

النقائض قصائد تشترك في الوزن والقافية والروي فكل قصيدتين متضادتين تأتيان من بحر واحد وروي واحد وقافية واحدة كانهما قصيدة واحدة لولا اختلاف المقاصد والاهواء لدى الشاعرين

وقد شاعت النقائض في هذا العصرالاموي نتيجة للصراع الحزبي او القبلي او العداء الشخصي بين الشعراء انفسهم حتى اصبحت فنا جديدا من فنون الشعرالعربي له شعراؤه وفرسانه وقيلت فيه القصائد الطوال الرائعة التي اعجب بها الادباء والنقاد واعتبرت من روائع الشعرالعربي . 

النقائض فن متطور من الهجاء الجاهلي في حقيقة امره حيث يعتبر البذرة الاصلية له والقصيدة في هذا الفن تختلف عن قصيدة الهجاء كونها ملتزمة الرد والنقض لما يرد في القصيدة المقابلة مع التزام القصيدة الناقضة نفس وزن وقافية وروي القصيدة المنقوضة ويمكننا ان نقول انها لم يكن لها وجود في الشعر الجاهلي او شعر صدرالاسلام وانها وليدة هذا العصر فهي فن من فنون الشعر العربي الجديد في العصر الاموي .

النقائض هذه زادت من حدة الخلاف وشدة النزاع الحزبي والقبلي بين الاطراف المتنازعة حيث ذهب الشعراء في البحث عن مثالب بعضهم البعض ومثالب اقوامهم واللهاث وراء معرفة كل مثلبة في الشاعر او في قومه وعشيرته في الماضي او في الحاضر كانت خافية الا ا نها رسمت صورة لحياة المجتمع العربي والقبلي وكانت سببا مباشرا في دراسة المجتمع القبلي من قبل هؤلاء الشعراء واحداث عصرهم فكانت مصدرا مهما من مصادر تاريخ العصرالجاهلي فهي نبش اوبحث في التاريخ وما وراء الاحداث في المجتمع العربي وما تمخض عنها من نوازع وامور تهم هذا الطرف او ذاك انها البحث في التاريخ للقبائل العربية ومعرفة مفاخرها واحداثها ونوازعها وما لها او عليها ومثالبها و قد هيات للشعراء اصحاب النقائض المجال للفخر بها او الطعن في معارضيهن وناقضي قصائدهم ممن اشترك في هذا الخصام الشديد الوطئ .

وفي النقائض يبالغ الشاعر في الفخر بنفسه وبقومه وبقبيلته وينطلق في وصف خصمه وقومه وعشيرته بكل نقيصة يراها او يسمع بها او قيلت بهم وقد وصلت حدا لايطاق اذ يقوم الشاعر بقذف الشا عر الخصم وقومه بكل نقيصة ب بذاءة القول الموغل في الفحش لدى بعضهم وحتى السباب والشتم بما يتنافى والاداب والا خلاق العربية المعروفة والتي قد مقتها الاسلام وكره القول فيها ايضا

ومن اشهر شعراء هذا الفن هم فحول الشعر العربي في العصر الاموي وهم جرير والاخطل والفرزدق والبعيث وغيرهم من الشعراء ممن دخل في هذه المعارك الشعرية وقد وقف كل من الاخطل والفرزدق والبعيث وغيرهم ضد جرير الذي تمكن من التصدي لهم واكمام افواه بعضهم كالشاعرالبعيث

يقول الفرزدق في جرير:

قال ابن صانعة الزروب لقومه

لااستطيع رواسي الاعلام

 

ووجدت قومك فقؤوا من لؤ مهم

عينيك عند مكارم الا قوام

 

صغرت دلاؤهم فما ملاءوا بها

حوضا ولا شهدوا عراك زحام

 

وحسبت بحر بني كليب مصدرا

فغرقت حين وقعت في القمقام

 

في حومة غمرت اباك بحورها

في الجاهلية كان والاسلام

 

اني وجد ت ابي بنى لي بيته

في دوحة الرؤ ساء والحكام

 

وابي ابن صعصعة بن ليلى غالب

غلب الملوك ورهطه اعمامي

 

وترى عطية مغاربا بفنائه

ربقين بين حظا ئر الاغنا م

لاحظ مديح الفرزدق لابيه وقومه فهم من دوحة الروساء والحكام ولاحظ هجاءه المقذع لجرير ووالده عطية البائس الهاجع في حضيرة الاغنام الا ان جريرا يرد عليه بقصيدة بنفس الوزن والقافية ينقض قصيدة الفرزدق هذه باخر ى مثلها فيقول:

خلق الفرزدق سوءة في مالك

ولخلف ضبة كان شر غلام

 

مهلا فرزدق ان قومك فيهموا

خورالقلوب وخفة الاحلام

 

كان العنان على ابيك محرما

والكير كان عليه غير حرام

 

مازلت تسعى في خيالك سادرا

حتى التبست بعرتي وعرامي

 

عمدا اعرف بالهوان مجاشعا

ان اللئام علي غير كرام

 

انب اذا كره الرجال حلاوتي

كنت الذعاف مقشبا بسمام

 

فيم المراء وقد علوت مجاشعا

علياء ذات معاقل وحوا م

 

وجللت في متمنع لو رمته

لهويت قبل تثبت الاقدام

لاحظ كيف رد جرير على الفرزدق وكيف ظهرت معلوما ت جديد ة من تاريخ القبيلتين في الجاهلية وهكذا كانت النقائض تاريخا حافلا بالاحداث التاريخية عند العرب وقد استفاد منها المؤرخون كثيرا ولناخذ مثلا اخر من النقائض بين جرير والاخطل .

يقول الاخطل في نقيضته الطويلة نقتطف منها هذه الابيات:

اما كليب بن يربوع فليس لهم

عند التفار ط ايراد ولا صدر

 

قوم انابت اليهم كل مخزية

وكل فاحشة سبت لها مضر

وكليب قوم جرير. لذا يرد عليه جريربقصيدة طويلة فيقول:

ما كان يرضى رسول الله دبنهم

والطيبان ابو بكر ولا عمر

 

جاءالرسول بدين الحق فانتكثوا

وهل يضير رسول الله ان كفروا

حيث يعيب جرير على الاخطل نصرانيته وهذا غيض من فيض في هذا الفن وما فيه من قصائد كثيرة وقد اكثر الشعر فيه والشعراء من غير هؤلاء الفحول ولم يقتصر عليهم الا انهم الاشهر في هذا المجال

اما المعارضات الشعرية هي قصائد شعرية قالها الشعراء ثم عارضها شعراء اخرون غيرهم والمعارضة تعني القول على نفس النسق أي مثلها.

وفي اللغة عرض\ ظهر، وعارضه\سار حياله، أو أتى بمثل ما أتى به. وعارض الكتاب بالكتاب اي قابله. وقد جاء في معجم لسان العرب أن المعارضة هي المحاذاة.وجاء في مختار الصحاح للرازي عارضه في المسير أي سار حياله وعارضه بمثل ما صنع أي اتى اليه بمثل ما اتى به.

و(اصطلاحا) هي تلك القصائد التي قالها الشعراء فقال مثلها غيرهم معارضة لقصائدهم أي يقول الشاعر قصيدة في موضوع ما، فيأتي شاعر آخر، فينظم قصيدة أخرى على غرارها، محاكياً القصيدة الأولى في وزنها وقافيتها، وموضوعها مع اظهار القدرة على التفوق عليها من حيث اللغة والاسلوب والمعنى والاخيلة الشعرية وانتقاء الصور البلاغية وما اليها من امور التفوق الشعري .

و تقتضي المعارضة وجود حدث فني او نموذج شعري ماثل أمام المعارض ليقتدي به، ويحاكيه و يحاول تجاوزه لغويا وبلاغيا او الاتيان بافضل منه على نفس النسق أي ضمن القافية الواحدة والروي الواحد والبحر الواحد.

واقول انما هي نوع من المباريات الشعرية التي قد تجري بين الشعراء، مع العلم انها تختلف عن التقليد فهي نوع من إثبات الذات والمقدرةعلى الإبداع الشعري وتبدأ بنظم شاعر معين قصيدة رائعة فيأتي شاعر آخر يعارضها بنفس وزن هذه القصيدة وموسيقاها الشعرية وبنفس قافيتها وذلك لعدة اسباب منها الإبداع داخل هذا النوع اذ ان هذا الشاعر أعجبه ذلك مثلا فرغب ان يكتب مثل هذه القصيدة التي اعجبته او نقض معاني هذه القصيدة وأفكارها حيث ان الشاعر ربما يتبنى وجهة نظر مضادة، لكنه إمعانًا منه في التحدي يلزم نفسه أن يبدع في نفس القالب الشعري الذي التزمه الشاعر الأول، فيلتزم نفس الوزن والبحر والقافية او الموسيقى الشعرية كما يسمونها حديثا.

تختلف قصائد المعا رضات عن النقائض حيث ان النقائض فن جديد في الشعر العربي وربما يتعبره اخرون امتدادا لشعر الهجاء في الجاهلية وصدر الاسلام الا انه في الواقع اتخذ طابعا جديدا فالنقائض قصائد في منتهى القوة والبلاغة والعاطفة الشعرية تمتاز بطولها وقد قالها فحول شعراء العربية في العصر الاموي في الرد على الخصم فيها او الرد على قصيدة الخصم بحيث ينقضون ما فيها من مدح ويحولونه الى ذ م والفخر الى هجاء ويظهر كل منهم مثالب الاخر ومعايبه وقومه وينسبون الفخر والمدح الى انفسهم اوالى قومهم ومن اليهم راجع مقالتي (النقائض) المنشورة في موقعي اسلام سيفلايزيشن\ منتدى الشعر .

وان النقائض زادت من حدة الخلاف وشدة النزاع الحزبي والقبلي بين الاطراف المتنازعة حيث ذهب الشعراء في البحث عن مثالب بعضهم البعض ومثالب اقوامهم واللهاث وراء معرفة كل مثلبة في الشاعر اوفي قومه وعشيرته في الماضي او في الحاضر الا ا نها رسمت صورة لحياة الشعراء واحداث عصرهم فكانت مصدرا مهما من مصادر تاريخ العصر الجاهلي فهي نبش في التاريخ وراء الاحداث وما تمخض عنها من نوازع وامور تهم هذا الطرف او ذاك انها البحث في التاريخ للقبائل العربية ومعرفة مفاخرها ومثالبها للفخر بها او الطعن فيها.

اما المعارضات الشعرية يرجع تاريخ ابداعها إلى فترة صدر الاسلام مثل (قصيدة البردة ) لكعب بن زهير بن ابي سلمى في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتي مطلعها \

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم اثرها لم يفد يفد مكبول

وقد نالت هذه القصيدة إعجاب الشعراء كثيراً فأكثروا من معارضتها في اغلب العصور العربية وفي العصر الاموي فان المعارضات اتخذت طابعا اخر مثل حالة الشا عر جميل بن معمر (جميل بثينة)، والشاعر عمر بن أبي ربيعة، فقد قال جميل بثينة:

عرفت مصيف الحي والمتربعا

كما خطّتِ الكفُّ الكتابَ المرجعا

فقال عمر بن أبي ربيعة معارضا:

ألم تسألِ الأطلال َ والمتربعا

ببطنِ حليات دوارس بلقعا.

فقد جاءت الألفاظ في قصيدة عمر بن ابي ربيعة شبيهة بمفردات قصيدة جميل التي تمت معارضتها ، وهذا لا ينقص من قدر القصيدة الثانية. والقصيدتان تعارضان قصيدة الصّمّة القشيري التي يقول في مطلعها \

حَنَنْتَ إلى ريّا ونفسُكَ باعَدَتْ

مزارَكَ من ريّا وشعباكما معا

وقيل أن عمر بن أبي ربيعة قد تأثر بشعر جميل بن معمر فأبدى إعجابه برائيته التي يقول فيها \

أغاد أخي من آل سلمى فمبكر؟

أبن لي أغاد أنت أم متهجر؟

فعارضها عمر بقصيدة رائية ايضا تحاكيها روعة وجمالا من نفس الوزن والقافية ومنها قوله:

أمِنْ آلِ نُعْم أنتَ غادٍ فمبكرُ

غداةَ غدٍ أم رائحٌ فمهجّرُ

وفي العصر العباسي وجدت حالات فردية ايضا تأثر فيها الشعراء بقصائد فحاكوها او نسجوا على منوالها من ذلك قصيدة ابي نؤاس التي يقول فيها:

يا ريم هاتِ الدواةَ والقلما

أكتب شوقي إلى الذي ظلما

 

و قد عارضه الشاعر الخراز بقصيدة التزم فيها ذات الموضوع والوزن والقافية وحركة الروي يقول فيها:

إن باح قلبي فطالما كتما

ما باح حتى جفاهُ مَنْ ظلما

ولم تكثر المعارضات في الشعر العباسي الا انه لا يخلو من نماذج منها

فلما قال أبو تمام قصيدته الرائعة:

السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتب

في حدّه الحدُّ بين الجدّ واللعبِ

عارضه الشاعر القيسراني بقصيدة مماثلة مطلعها:

هذي العزائمُ لا ما تدعي القُضُبُ

وذي المكارمُ لا ما قالت الكتبُ.

أما قصائد المتنبي فقد عارض بعضها الكثير من الشعراء حيث انه كان ولا يزال (مالئ الدنيا وشاغل الناس). كما قيل فيه وهل من شاعر بعد المتنبي ويحق لي ان اقول (كل الشعراء عيال على المتنبي ولم يجاريه شاعر لحد الان ) فعندما قال قصيدته في مدح سيف الدولة:

على قَدْرِ أهلِ العزم تأتي العزائمُ

وتأتي على قدر الكرامِ المكارمُ.

عارضها ابن زريك بقصيدته التي مطلعها:

ألا هكذا في الله تمضي العزائمُ

وتقضي لدى الحرب السيوفُ الصوارمُ

وعارضها الشاعر القائد أسامة بن منقذ بقصيدة مطلعها:

لك الفضل من دون الورى والأكارم

فمَنْ حاتمٌ؟ ما نال ذا الفخر حاتمُ

وعندما قال المتنبي قصيدته الاخرى التي يمدح بها سيف الدولة، ومطلعها:

أعلى الممالك ما يُبنى على الأسَلِ

والطعنُ عند محبيهن كالقبلِ

عارضه الشاعر عبيد الله الموصلي بقصيدة مطلعها:

ظبا المواضي وأطراف القنا الذبل

ضوامنٌ لك ما جازوه من نفل

وعندما قال المتنبي قصيدته في تفضيل الاعرابيات بنات الاعراب على بنات الحضر او بنات المدن او الحضريات التي مطلعها:

بأبي الشموس الجانحات غواربا

اللابسات من الحرير جلاببا

عارضه الشاعر صفي الدين الحلِّي احد شعراء الفترة الراكدة بقصيدة مطلعها:

أسبلن من فوق النهود ذوائباً

فجعلن حباتِ القلوب ذوائبا

وكذلك قصيدة البوصيري في مدح الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وقد عارضها كثيرون بعده ومطلعها:

أمن تذكر جيران بذي سلم

مرجت دمعاً جرى من مقلة بدم

والحقيقة يعد هذا الفن إحياء لفنون الشعر العربي وواحياء لتراث الشعراء في العصور قبلها في كل زمان ومكان، حيث نشطت فيه حركة الشعر العربي وقد شدت وبقوة هذه المعارضات الشعرية ماضي الشعر العربي بحاضره وربما بمستقبله في حالة وجود شعراء يتبعون هذا النسق من القصائد العربية

و أن المعارضات وجدت ايضا في الشعر العربي الأندلسيّ ايضا ، فقد شعر الأندلسيون أنهم أقل من الشعراء العرب في الشرق علماً في علم الشعر فقام كثير من شعراء الأندلس بمعارضة قصائد مشهورة لشعراء في شرق البلاد الاسلامية كما تلقبوا بألقاب كبار شعراء الشرق العربي ، فلقّب ابن درّاج القسطلي بـ (متنبي الأندلس)، لكثرة معارضاته لقصائد المتنبي ، ولقّب ابن زيدون بـ (بحتري الأندلس)؛ لكثرة معارضاته لقصائد البحتري. من ذلك معارضة أبي بكر الأشبوني لرائية أبي فراس الحمداني التي مطلعها:

أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبرُ

أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ؟

فقال الأشبوني:

وليل كهمّ العاشقين قميصُهُ

ركبتُ دياجيه ومركبُهُ وعْرُ.

ومعارضة ابن دراج القسطلي لأبي نؤاس التي يمدح فيها الخصيب، ومطلعها:

أجارةُ بيتينا أبوك غيورُ

وميسورُ ما يُرجى لديك عسيرُ

فعارضه ابن درّ ا ج بقصيدة يمدح فيها المنصور بن أبي عامر، مطلعها:

ألم تعلمي أنّ الثواءَ هو الثرى

وأنّ بيوتَ العاجزين قبورُ

وعارض أبو الحسن البغدادي الملقب الفكيك الشاعر مسلم بن الوليد في قصيدته التي قالها في مدح الرشيد و قال فيها:

أديرا عليّ الكأسَ لا تشربا قبلي

ولا تطلبا عند قاتلتي ذحلي

فقال ابو الحسن معارضا:

لأية حال عن سُنّةِ العدل

ولم أصغ يوما في هواك إلى العذل

كما عا رضها محمد بن عبد ربه صاحب العقد الفريد بقوله:

أتقتلني ظلماً وتجحدني قتلي

وقد قام من عينيك لي شاهد عدل

وعارض أبو بكر بن نصر الإشبيلي أبا تمام في رائيته التي يمدح فيها المعتصم والتي مطلعها:

رقّتْ حواشي الدهر فهي تمرمرُ

وغدا الثرى في حليه يتكسّرُ

فقال ابو بكر الإشبيلي قصيدته:

انظرْ نسيمَ الزهر رقّ فوجههُ

لك عن أسرّته السرية يُسفرُ

وقد عارض الشاعر محمود سامي البارودي عظماء شعراء العربية لمقدرته الفائقة على مجاراتهم وقدرته على الخلق والابداع .

ويعتبر الشاعر الكبير أمير الشعراء أحمد شوقي المتصدر في شعر المعارضات في العصر الحديث ؛ لأنّ قصائده كانت بعثاً وإحياءً لقصائد البحتري في الوصف ، والمتنبي ، وأبي تمام في الحماسة ، والبوصيري في المدائح النبويَّة ، وابن زيدون في الغزل ؛ فحققت معارضاته إنجازاً وقوةً وإبداعاً .

وقبل ان اخرج من القول في هذا الفن الجميل اود ان اذكر نوعا اخر من القصائد الشعرية الا وهي المطارحات و التي هي قريبة من المعارضات وقد ازدهرت المطارحات في مجال الأنس والسمر والشراب، من ذلك قصيدة أبي نواس الهمزية في وصف الخمر، والتي مطلعها:

دَعْ عنك لومي فإنّ اللومَ إغراءُ

وداوني بالتي كانت هي الداءُ

فعارضه الحسين بن الضحاك بقصيدته قوله:

بُدّلت من نفحات الوردِ بالآء

ومن صبوحك درّ الإبل والشاءِ

فثم تابعه الخليع في ذكر الخمر والشعوبية. كما عارضه ابن المعتز في قصيدة يقول فيها:-

أمكنت عاذلتي من صمت أباء

ما زاده النهي شيئاً غير إغراء

وقبل ان اختم هذا الموضوع الشيق اذكر ثلاث قصائد قد راقت لي في هذا الفن وهي قصائد سينية القافية اولها للبحتري و عارضها كل من الشاعر احمد شوقي والشاعر عبد الله بلخير يعارضان فيها البحتري وشوقي احدهما بعد الاخر حيث تعتبر بحق اجمل القصائد المعارضة لبعضها في الشعر العربي لحد الان \

ونقتطف هذه هي القصائد الثلاث بعض الابيات من كل منها \

1- سينية البحتري:

وصف الشاعر العباسي البحتري إيوان كسرى في سينيته المشهورة التي تتوارد في أبياتها العظمة التاريخية للدولة الفارسية انذاك ثم اضمحلت واندثرت بحلول االلاسم وانتصاره عليها يقول فيها:

صُـــنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي

وَتَرَفَّعــــــــــتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ

وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهـر

التِماساً مــــــــــِنهُ لِتَعسي وَنَكسي

بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِـــــندي

طَفَّفَتها الأَيّـــــــــــامُ تَطفيفَ بَخسِ

وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ رِفَـــــــــــــــهٍ

عَلَلٍ شُـــــــربُهُ وَوارِدِ خِـــــــمسِ

وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ مَحــــــمولاً

هَواهُ مَـــــــعَ الأَخَسِّ الأَخَــــــــسِّ

لَو تَراهُ عَلِمتَ أَنَّ اللـــــــــــَيالي

جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ عُــــــــــرسِ

وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ قَـــــــومٍ

لا يُشابُ الـــــــبَيانُ فيهِم بِلَــــبسِ

وَإِذا ما رَأَيتَ صورَةَ أَنطـــــاكِيَّة

ارتَعـــــــتَ بَينَ رومٍ وَفُـــــــــرسِ

وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَــــــــروان

زجي الصُفوفَ تَحتَ الدِرَفــــــسِ

في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ عـــــَلى

أَ صفَرَ يَختالُ في صَبيـــــغَةِ وَرسِ

وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ يَــــــــــــدَيهِ

في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغمـاضِ جَرسِ

مِن مُشيحٍ يَهوى بِعامِلِ رُمـــــحٍ

وَمُليحٍ مِــــــــنَ السِنانِ بِتُـــــرسِ

تَصِفُ العَينُ أَنَّهُم جِدُّ أَحــــــــياءٍ

لَـــــهُم بَينَهُم إِشـــــــارَةُ خُــــرسِ

يَغتَلي فيهِم ارتيِابي حَـــــــــــتّى

تَتَقَرّاهُـــــــــــمُ يَدايَ بِلَــــــــــمسِ

وَتَوَهَّمتُ أَنَّ كِسرى أَبَـــــــرويزَ

مُعــــــــــاطِيَّ وَالبَلَهبَذَ أُنــــــــسي

وَكَأَنَّ الإيوانَ مِن عَجَبِ الصَنعَةِ

جَوبٌ في جَــــــــــنبِ أَرعَنَ جِلسِ

يُتَظَنّى مِنَ الكَآبَةِ إِذ يَبــــــــــــدو

لِـــــعَينَي مُصـــــَبِّحٍ أَو مـــــُمَسّي

1- سينية شوقي\

وصل شوقي إلى بلاد الأندلس بعد رحلة طويلة مضنية في أرجاء البلاد عندما قرر الانجليز نفيه من مصر شاهد خلالها الأطلال والآثار المتهدمة من القصور والقلاع والجوامع، هيجت لديه الأحزان، وجددت به الآلام وهزت فيه الوجدان فأثارت مشاعره وشحذت أحاسيسه، وتجلت في خياله قصيدة البحتري، فانطلقت قيثارة شعره بسينيته معارضاً بها البحتري في خضم الظروف السيئة التي أحاطت به، وآثار الرحلة الشاقة التي زادت من تعاسته وعذابه النفسي،و تطأ قدمه أرض الأندلس التي تضم أروع صور التاريخ الإسلامي وأزهرها وأشرقها،

فأنشأ يقول:

اخـــــتلاف النــــــهار والـــــليل ينسي

اذكــــــرا لـــي الصبا وأيـــــام أنسي

وصـــــفا لـــي ملاوة مـــــن شـــــباب

صـــــورت مــــن تصـــــورات ومس

عصـــــفت كالصبا اللــــعوب ومـــرت

ســـــنة حـــــلوة ولـــــذة خــــــــــلس

وســلا مصر: هل سلا القلب عــــنها

أو أسا جـــــرحه الـــزمان المؤسي

3- و الشاعر عبدالله بلخير كتب سينيته معارضاً البحتري وشوقي

قائلاً:-

ذكرياتي مـــــــــــا بين يومي وأمسي

هي عمري ما بين سعدي ونــــــحسي

ضاع منها ما ضــاع في مهمه العمر

وطواها بين اخـــــــــــــضرار ويبــس

وتبقى منها الــــــــذي رسبت مـــــنه

رؤى لا تــــــــرى بفــــــــكري وحسي

مومضات تشع طوراً وتخــــــــــــــبو

في شريط، في ظلمة الــــــذهن منسي

تتعــــــالى به حياتــــــــي وتكــــــــبو

بين كرب مـــــــن الزمان وأنســــــــي

خــــــــاض أمواجها شراعي يطـوي

البـحر طياً بــــــــه يسير ويــــــــرسي

تتغشاه من أعــــــــاصير الـــــــهوج

مــــــــثال الجــبال (رضوى) و(قدس(

فهو ما بينها يغــــــــوص ويطــــــفو

ثــــــــم يمــــضي على ظهور وغطس

هو عمر مضى وقد أذن العــــــــصر

فأضحى مصــــــــبح العـــــــمر ممسي

وهــــــــو في دورة المحاق فلم تبق

اللــــــــيالي مـــــــن بدرها غير سدس

ما تبــــــــقى من ذكريــــــــاتي عنه

قــــــــطرات عــــــلى حصى منه ملس

جـــــف في بعدها نداها فــــــــلا تبتل

من مســــــــها بنــــــــاني بمــــــــسي

طافت الــــــذكريات بي فــــــــي ذرى

(الحمراء) في عالم على المجد مرسي

عسى ان وفقت في هذا الموضوع الذي اراه شيقا والله الموفق

 

امير البيــــــــان العربي

د. فالح نصيف الحجية الكيلاني

العراق- ديالى - بلـــــد روز

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم