صحيفة المثقف

يـالَهْـفِيْ عَليْــكَ

عبد الاله الياسريعليــكَ دماً سَـحَّتْ مَـدامعـيَ الحُمْــرُ

قُتِـلْـتُ وما قتـليْ بـرُزءٍ لـــه ذِكْـــــرُ

 

تَصدَّعتُ من لَهْـفيْ عليـكَ، وذابَ ليْ

حديـدٌ تَحدَّى النـارَ، وانْفَتَّ ليْ صخـرُ

 

وخضَّبـتُ نفسيْ بالســوادِ جميـعَهــا

وعذراً إِذاما ابيـضَّ شـيباً لي الشَـعـرُ

 

بكيـتُ بكــــاءَ الطفــلِ حتَّى تعجَّبـتْ

رِبـاطـــةُ جـأَشٍ ليْ، وعَنَّـفَنيْ الكبْـــرُ

 

ولولا شهــودٌ من غضونيْ وشـيبتيْ

عَـلَيَّ، لَظَـنَّ النـــــاسُ أَنّي فتىً غِــــرُّ

 

فلا الحِلْـمُ أَغنَى عن نــواحيَ جازعاً

عليـكَ، ولا أَجدَى عن المدمعِ الصبـرُ

 

كـأَنّيَ لـمْ أَشـهـــدْ نِــــزالَ مصيبـــةٍ

ولـمْ يَمْتَحنِّيْ في مصـائبِــــه الدهـــرُ

 

ومَنْ يَـرَ عمقَ الجــرحِ فِيَّ ونزفَـــه

يَكـنْ عنــد مَـرآه لشــيخـوختي عـذرُ

                     ***

أَبــا أَحمـــدٍ يـاطيـبَ كـلِّ فضيـلــــةٍ

تَرفُّ اخضـراراً في رُبىً نبتُها قفــرُ

 

وياجـذوةَ الثــــوَّارِ رغـــم انطفــاءةٍ

توهَّــجَ منها في الصقيـــعِ لنــا جمـرُ

 

ثبَـتَّ ثبـــاتَ الطـودِ يــومَ تنـكَّسَــتْ

بيــــارقُ أَبــطالٍ، وبَعثــرَهـا الذعــرُ

 

وقاومـتَ أَعـــداءَ الجمـــالِ وأَهلِــه

بأَرضٍ تولَّـى أَمــرَها القبــحُ والشـرُّ

 

وجاريـتَ أَســـدافَ السـجـونِ تَيقُّنـاً

بأَنَّ بطونَ الليــلِ في رحمْها الفجــرُ

 

وهيهـات أَنْ تُنسَى لدُنْــكَ بطـولـــةٌ

تَشــعُّ بدَاجِي الجُبنِ أَنجمُهـا الزُهــرُ

 

وما الوعيُ إِلّا اللُبُّ في كلِّ موقفٍ

ومـا بـدَنُ الواعيــنَ إِلّا لـــه قِشـــرُ

 

مررتَ كأَصـدافِ البحـــارِ بـأُمَّـــةٍ

وظلَّ لدَى الأَجيــالِ مضمونُـكَ الدرُّ

 

بـأَيِّ خصـالٍ فيـــكَ أَفخـرُ شاعــراً

وفي كلِّهـا يَحلـو لقــافيــتي الفخــرُ؟

 

وكيف يُوفِّي الحرفُ قَـدْرَك راثيـاً

ودونَ معاني قَـدْرِك الشعرُ والنثرُ؟

                     ***

أَبـا أَحمـــدٍ إِنْ خانَ جسـمَـك بعضُه

فما خانَ في طولِ البقــاءِ لـك الفكـرُ

 

وإِنْ غَرَبـتْ غَدراً بـ"جائحـــةٍ "يـدٌ

لديـــكَ، فلـمْ يغـربْ لأَفعـالِها الخيــرُ

 

تموتُ ورودُ الروضِ بعـدَ ربيــعِها

ويَهـزأُ، من موتٍ تَغــوَّلَــها، العطــرُ

 

عليـــكَ ســــلامٌ مـاحييتُ، وحَسْـرةٌ

بـهـا مـن عيــونٍ لاتنــامُ أَسىً قَطـرُ

 

فلا طابَ ليْ نــادٍ ووجهُــكَ غائــبٌ

ولاافتــرَّ من حـزنٍ عليـكَ ليَ الثغـرُ

 

كـأَنَّ طعـــامي بعــدَ فقــــدِك عَلقــمٌ

وعَذْبَ شَرابي ـ يا أَخي ـ حَنظلٌ مُـرُّ

 

تناءيتَ عن طرفي بلَحْـدٍ، كما اختفَى

بدَجْنٍ كثيـفِ السُحبِ عن مُدلِـجٍ بَـدرُ

 

فـواأَسـفاً كيـف اســتبـدَّ بـــكَ البِـلَـىٰ

وضَمَّـكَ في أَطباقِــه ذلــك القـبـــرُ؟

 

لقد كنـتُ أَولَى منـكَ بالحَتْفِ قسمــةً

وللحظِّ فيـمـــا ليــس نَعلمُــــه ســــرُّ

 

ومهمـا تَسِـرْ قبْـلاً سيجمعُنــا الردَى

وينــزاحُ عن طيفِ الحيـاةِ بـه ســترُ

 

ومهمـا أَطُــلْ عمـــراً بدنيا تركتَها

فعاقبـةُ الأَعمــــارِ محصولُها صِفرُ

 

ومـانحـن إلّا كـالضيــوفِ بعيـشِــنا

أَأَبطأَ عمـرُ المرءِ  أَمْ أَسـرعَ العمـرُ

***

شعر عبدالإِله الياسريّ

...........................

* في رثاء المناضل الوطنيّ والصديق المربِّي الأُستاذ محمَّد تركي المعمار الذي أَثكلتْني الجائحة إِيّاه

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم