صحيفة المثقف

عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

كاظم الموسويفي يوم العاشر من كانون الاول/ ديسمبر من كل عام يجري الاحتفال بإلاعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1948 ودعت منذاك الى الاحتفال به باعتبار الاعلان، وثيقة تاريخية أعلنت حقوقا غير قابلة للتصرف، حيث يحق لكل شخص أن يتمتع بها كإنسان – بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر. وهي الوثيقة الأكثر ترجمة في العالم، ومتاحة بأكثر من 500 لغة. كما كتبت الويكيبيديا.

يضع الإعلان، الذي صاغه ممثلون من خلفيات قانونية وثقافية متنوعة من جميع مناطق العالم، (بما فيهم خبير عربي من لبنان.. الدكتور شارل حبيب مالك (1906-1987)، القيم العالمية، معيارا للهدف المشترك لجميع الشعوب وجميع الأمم. وهو ينص على المساواة في الكرامة والقيمة لكل شخص. وبفضل الإعلان، والتزامات الدول بمبادئه، تم إحياء الكرامة للملايين ووضع الأساس لعالم أكثر عدلا. وتستفيد منه في وضع أو صياغة اعلانات مشابهة أو مستمدة منه على أسس اخرى، عقائدية أو إقليمية وغيرها. وبالرغم من أن ما يصبو إليه الإعلان لم يتحقق بعد تماما، وهذه غصة كبيرة لدى اغلبية بشرية، تتحمل عواقبها أو أسبابها حكومات الدول الكبرى أو التي تسمي نفسها كذلك،  ولكن في الحقيقة يمكن القول أنه صمد أمام الاختبارات على مدى الزمن وهذا يدل على الطابع العالمي الدائم والقيم الدائمة المتمثلة في المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية. هذه القيم الإنسانية العامة التي تتطلب الاحترام من جميع الدول وان تتمتع بها جميع الشعوب على المعمورة.

والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمنح القوة للجميع. حيث إن المبادئ المكرسة في الإعلان لا تزال تحافظ على أهميتها اليوم كما كانت عليه، حين اتفق عليها واختصرت في الاعلان، في عام 1948. ووضعت في  30 مادة، تلخص رأي الجمعية العامة بشأن حقوق الإنسان المكفولة لجميع الناس.  ومنذ أن تبنته الأمم المتحدة، عام 1948 في قصر شايو في باريس، نال الإعلان موقعاً هاماً في القانون الدولي، مع وثيقتي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من سنة 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من سنة 1966. وتشكل الوثائق الثلاثة معاً ما يسمى "لائحة الحقوق الدولية". وفي 1976، بعد أن تم التصديق على الوثيقتين من قبل عدد كاف من الدول، أخذت لائحة الحقوق الدولية قوة القانون الدولي. وسعت المنظمات المتفرعة من الأمم المتحدة إلى الاعتماد على اللائحة هذه، والترويج لها كتجسيد للتطلعات الإنسانية المشتركة المتأصلة في مختلف الثقافات، والمعبَّر عنها بوضوح في الفقرة الأولى من ديباجة الإعلان، إذ تنص تلك الفقرة على أن "الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكّل أساسَ الحرّية والعدل والسلام في العالم".

كما اشارت اليونسكو في رسالة احتفالها بهذا اليوم قبل عامين، بانه رغم تزايد المصاعب والتحديات. فما زالت مختلف أشكال الكراهية والتمييز والعنف مستشرية. ولا يجد مئات الملايين من الناس، رجالاً ونساءً على حدّ سواء، قوت يومهم، إذ يُحرمون من سُبل العيش والفرص الضرورية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وتنطوي عمليات الترحيل القسري للسكان على انتهاكات جسيمة متواصلة للحقوق لا نظير لها فيما مضى من تاريخ البشرية. وتشتمل خطة التنمية المستدامة لعام 2030 على وعد بألاّ يخلّف الركب أحداً وراءه، ويجب الاستناد إلى حقوق الإنسان في جميع التدابير الرامية إلى مواصلة السعي إلى الوفاء بهذا الوعد.

ويجب أن يبدأ السعي إلى ذلك، على صعيد التربية والتعليم، في أبكر وقت ممكن، إذ يجب تعليم الأطفال حقوقهم منذ نعومة أظفارهم. وتضطلع اليونسكو حالياً بريادة وقيادة المساعي الرامية إلى تعليم حقوق الإنسان لضمان معرفة جميع البنات والبنين لحقوقهم وحقوق الآخرين. وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه عمل اليونسكو في مجال تعليم المواطَنة العالمية من أجل تعزيز احترام التنوع الثقافي استناداً إلى مبدأ التضامن والحقوق المشتركة.

في وطننا العربي تقف القضية الفلسطينية وحقوق الشعب العربي الفلسطيني شاهدة صارخة على التعسف والاضطهاد والإنكار والارتكابات التي تتعامل مع لائحة حقوق الإنسان والقانون الدولي، وينبغي الإلحاح على الإقرار بالحقوق المشروعة واحترام القانون واللائحة الدوليين. ولعل هذا اليوم الذي يأتي بعد يوم 29 من تشرين الثاني/ نوفمبر، من كل عام ايضا، يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، أن يكون يوما اخر للمطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وانهاء اخر استعمار استيطاني في التاريخ العالمي المعاصر.

وتاتي هذه المطالبة، وغيرها من المطالب التي تحرم منها أعداد هائلة من الشعب العربي خصوصا باسباب معلومة، تأكيدا على المعايير والمبادئ، وكي تتردد في وطننا ايضا، كما هي أصداء المادة الأولى من الإعلان في جميع أرجاء العالم منذ عام 1948. والتي تنص على ما يلي: "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق". وتعم المعايير التي تم إنجازها بالتضحيات والكفاح التحرري، معايير الحرية والمساواة والتضامن والاستقلال والتنمية والتسامح والاحترام والمسؤولية المشتركة.‏

في كتابه، (تاريخ إعلان حقوق الإنسان)، اكد أستاذ علم الاجتماع الفرنس البير باييه والذي ترجمه الدكتور محمد مندور وطبع في القاهرة عام 1950 على المبادئ الأربعة الأساسية في الوثيقة، وهي;1- يولد الناس ويظلون احرارا متساوين في الحقوق. 2- يمكن للناس أن يفعلوا كل ما لا يضر بالغير وبناء على ذلك يمكنهم أن يفكروا ويتكلموا ويكتبوا ويطبعوا في حرية.3- للمواطنين الذين تتكون منهم الأمة الحق المطلق في إدارتها. 4-  يجب على الأمة صاحبة السلطان أن تضع نصب عينيها دائما حقوق الأفراد من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى.(ص(8

كما كتبت السيدة إليانور روزفلت، رئيسة لجنة صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( وزوجة الرئيس الأمريكي ) وهي تستعرض النسخة الإنكليزية. من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، عام (1949): “أين عساها تبدأ حقوق الإنسان العالميّة في نهاية المطاف؟ لنقل في الأماكن الصغيرة، القريبة من المنزل – بل لعلَّها في أماكن قريبة جداً وصغيرة جداً إلى حدِّ أنه لا يمكن رؤيتها في أي خريطة من خرائط العالم. […] ما لم تحظَ هذه الحقوق بمعنى في تلك الأماكن، فإن معناها سيكون أقل شأناً في أي مكان آخر. وما لم تتضافر جهود المواطنين لصونها حتى تكون لصيقة بالوطن، فإنه من غير المجدي أن نتطلع إلى تعميمها في العالم أجمع.”

أن تاريخ الاعلان ومعاييره تلزم الجميع على أن تتحقق دون تمييز أو إغفال أو مداورة، وتكون غير قابلة لمناورة، لتكون فعلا للبشرية جمعاء.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم