صحيفة المثقف

وجهـان للقمر..

امان السيد في كهوف غير مُعنونة المكان يبتدعون مغارات لهم.. يكنسون ساحات المدينة بعربات خيول مطهمة بتيجان فارسية، وشبق متعة تمارس أمام بوابات فاغرة الحياء.

ينهبون الأرض بصرامة، فتشهق.. يغدو البشر الذين كانوا منذ قليل بارزين جدا أشباحا شاحبة جدا، لكن أحذيتهم لا يُفسّر كيف تبدو بكل هذا الوضوح.. قد يكون لأنها تودُّ أن تفاخر بإظهار رثاثتها!

رائحة فقر مخمور فيها منذ أن جَرت أولُ عربة خيل، ومنذ أن هبط أول سوط ليصفع الظهر، ليحدودب.. مدينة سكانها مُحدودبون، ولكنهم يُصرّون على التّفاخر، وهم يرتدون إعاقاتهم..

لم يسمع أن صراخا علا، ولا أن نفسًا يُطلق آهاته في طَلاقة، لكنّ كل من يدخل المدينة لا يرى ما على أهلها من إشارات، وكأنها في غمضة حلم تتحوّل إلى حلم، وكل الظهور تتواثب  لتُداني قاماتِ السّرو!

هناك من يهمس أنّ المغارات تَغصّ بالسّراديب، وأنّ في السردايب هياكل لبشر يُعلّقون، لتَسكرَ فيهم السّياط ..

وهناك من يهمس أنّ وجه القمر في منتصف الظلام  يتحوّل إلى نصف ذئب، وإلى نصف شَاة، وأنّ الهياكل تَبتكر رقصات جنائزية، لتُرضي القمر، وأنّ بين الأشباح امرأة تَحشر جسدها بين الجموع، وتشارك بالرقص بشهية، لكن عينًا ما لا يمكنها أن تلمح قدميها العاجيتين المقطوعتين اللتين تمارسان الحب في مغارة أخرى من هذه المدينة!..

من " أبعد من القيامة".

***

أمان السيد - سيدني

....................

* الكتاب صدر مع مجلة الرافد عن دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة عام2014

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم