صحيفة المثقف

أحوالُ كيف ..

كريم الاسديمثنويات ورباعيات عربية*


كيفَ أوقدتَ شموعَ الليلِ فوقَ الراسياتْ 

فمضى الركبُ الذي نوَّرتَهُ عنكَ وفاتْ

**

كيفَ علَّمتَ النخيلْ

أبجدياتِ القمرْ

ومدارات السَمَرْ

ثمَّ قررتَ الرحيلْ

**

كيفَ قدتَ النهرَ في الليلِ الى جنحِ النهارْ

فمضى نجمُكَ ـ  فيما بعد ـ في تيهِهِ في ألفِ مدارٍ ومدارْ

**

كيفَ كانَ الناسُ في غصنِكَ أوراقَ شجرْ

وأساطيرَ ودادٍ وحياةْ

أينعتْ فيهم يبابٌ وفلاةْ

ثمَّ أضحوا طللاً من بعد عينٍ وأثرْ

 

**

كيفَ أصغيتَ لصوتِ الغيبِ ، والكلُ هجوعٌ ونيامْ

بيدَ أنَّ الجمعَ لمْ يقرأْ بريداً منكَ في جنحِ اليمامْ

**

كيفَ أمسيتَ وأنتَ العاشقُ الأولُ والتالي بلا حبٍ ونجوى

 وكلامٌ منكَ لمْ تفقَهَهُ الأسماعُ أضحى دون فحوى

 **

كيفَ أقصوكَ عن السدرةِ والنخلةِ  والدارِ 

وأنتَ الدارُ والأهلُ وأصلُ الشجرهْ

 وصدى الأقمارِ بالأنهارِ ، والأنهارِ بالأقمارِ

والماءُ وأرواحُ الطيورِ الطائرهْ 

**

كيفَ يخفونَ شعاعاً منكَ عن حورِ العيونْ

دونَ أنْ يدروا بأنوارِ قلوبٍ

وبأسرارِ طيوبٍ

ترسلُ الحورَ لجنّاتِ الجنونْ

 

**

كيفَ غارَ الصحبُ من وهجِكَ يا أوفى محبٍ وصديقْ

فأعدوا لكَ كيداً بعدَ كيدْ

حينَ عادوا بعدَ ان القوكَ في الجبِّ العميقْ

لمحوا وجهَكَ من وهجِكَ قد أشرقَ في البعدِ البعيدْ

**

كيفَ أطلقتَ طيورَ الأفقِ للأفقِ وحرَّرْتَ الحَمامْ

مِن سجونٍ هنَّ أقفاصُ حديدْ

وتركتَ الطائرَ القلبي مسجوناً ببردٍ وظلامْ

سجنُهُ يمتدُّ في مُتسَعِ الكونِ المديدْ

**

كيفَ أصبحتَ وحيداً وغريباً في المساءْ

والندامى أنتَ والخمرةُ والشذرةُ في قلبِ الأِناءْ

**

كيفَ مرَّ الزمنُ المسحورُ مِن بينَ يديكْ

والفيافي أزلٌ في مقلتيكْ

**

كيفَ طارَ الماءُ للسحبِ ، وعادَ الغيمُ ماءْ

وتهادى النهرُ للرَحبِ ولمْ تعرفْ لياليكَ ارتواءْ

**

كيفَ فجَّرتَ الصخورَ الصمَّ بالماءِ ، وبالماءِ أهتديتْ

وأمتلكتَ النهرَ والبحرَ ولكن ما ارتويتْ

**

كيفَ أغويتَ بآلائِكَ سربَ الفتياتْ

لغديرٍ أنتَ فيهِ  النورُ والماءُ وبستانُ الثمرْ

ثمَّ جاء الغيمُ مِن سودِ رياحٍ عاصفاتْ

فتغيبتَ عن الأرضِ، وما غابَ عن الأعلى قمرْ

**

كيفَ بادلتَ النجومَ الغرَّ وداً ورسائلْ

ومضى جارُكَ عن نورِكَ لايعطي جواباً أو يسائلْ

** 

كيفَ سمّوكَ  ـ محب الذات ـ  والعالَمُ بعضٌ من همومِكْ

انَّ نجماً خانَهُ الضوءُ بأقصى الكونِ واسيتَهُ فرداَ في نجومِكْ

**

 كيفَ عاشرتَ طوالَ الليلِ واليومِ أميراتِ جمالٍ وجلالٍ في وصالٍ لا يُضاهى

جُمعَتْ فيهِ على الأزمانِ والأنحاءِ أصداءُ قلوبِ العاشقينْ

منذُ أضحى الحبُ في الناس جنيناً وحنيناً وملاذاَ ويقينْ

ثم أمسيتَ وحيداً بعد ان جاوزتَ في الوجدِ النجومَ الزهرَ في أقصى مداها

**

كيفَ فكَّرتَ بكلِّ الأرضِ والناسِ على وسعِ المدى 

وملأتَ الدفترَ الشخصيّ أسماءَ شخوصٍ وهواتفْ

ثم فرَّ الناسُ مِنْ معركةِ الحقِّ وها عادَ الصدى

فأِذا أنتَ فريدٌ صامتٌ صمتَ تماثيلِ المتاحفْ

**

كيفَ حمَّلتَ على كتفيكَ ثقلَ الأرضِ صخراً وحديداً وجبالْ

يا رهيف الطبعِ والقدِّ ويا أروع روحٍ في سماواتِ الجَمالْ

**

كيفَ يعيا جنحُكَ الخافقُ يا أبن الهٍ وكواكبْ

فالردى يذهبُ في الناسِ ، وما أنتَ بذاهبْ *** 

***

شعر : كريم الأسدي

..........................

* مثنويات ورباعيات عربية مشروع شعري يشتغل عليه الشاعر كاتب هذه السطور منذ سنوات، سيقع في ألف قصيدة وقصيدة، كل قصيدة مقطع قصير من المثنوي ذي البيتين أو الرباعي ذي الأبيات الأربعة، وهو حوار مع التراث الشعري للشرق في مثنويات جلال الدين الرومي  ورباعيات عمر الخيام ، تتنوع مواضيعه وتجمع بين الذات والآخر والعالَم والحياة والموت والحب والحرية والذكريات والحنين والوطن والغربة والصداقة والمكان والزمان في الماضي والحاضر والمستقبل ..

** أحوال كيف هو أحد الفصول الشعرية في هذا المشروع .

*** نُشر هذا النص كاملاً مع الملاحظتين السابقتين اللتين تضمنتا التعريف بالمشروع في الملحق الأدبي الأسبوعي لجريدة النهار اللبنانية في الأسبوع الموافق لتأريخ 15 .04 .  2009، ما عدا اضافة جديدة للنص كتبتُها فجر يوم 24 من كانون الأول  2020 وهو اليوم المصادف لولادة عيسى بن مريم ورحيل بدر شاكر السيّاب ..

الأِضافة الجديدة المكوَّنة من ثلاثة مقاطع ـ رباعيين ومثنوي واحد ـ أدرجتها هنا قبل المقطع الأخير في النص .

 وكنتُ قبل ذلك قد أعلنتُ عن هذا المشروع في منابر أخرى وفي القراءات الشعرية التي أقمتُها في برلين وألمانيا أو خارج المانيا ، وأنا  الآن أواصل انجازه واتمامه  كلّما احسستُ ان الكتابة فيه تطاوعني محاولاً ان أجمع فيه كل بحور الشعر العربي العمودي وشعر التفعيلة  أو مانسميه ب ( الشعر الحر) ..

       

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم