صحيفة المثقف

احمد امين.. رائد الثقافة الجماهيرية

يسري عبد الغنيكان أحمد أمين هو الذي دعا إلى إنشاء الجامعة الشعبية، من أجل تعليم الناس وتثقيفهم، وأحمد أمين أستاذ جامعي وكان عميدًا لكلية الآداب بجامعة القاهرة، ولكنه رأى أن الارتقاء بجماهير الأمة لا نستطيع الوصول إليه عبر باب الجامعة، وعليه يحتاج الناس إلى إنشاء جامعة شعبية تعلمهم وتثقفهم وتوعيهم، وكان أول مدير لهذه الجامعة، في الوقت الذي كان فيه صاحب مفهوم حضاري عصري لمعنى الثقافة .

طالب أحمد أمين بأن نعلم الناس العلوم الميسرة، والفنون البسيطة، والصناعات الفنية .. وبذلك نستطيع جعل رجل الشارع الذي يقرأ ويكتب رجلاً مثقفًا، ولم يكن عند أحمد أمين مفهوم واضح للثقافة، لأن موجة العصر أيام أحمد أمين كانت قد بدأت في الحديث عن الثقافة والرجل المثقف في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبدأت في أوربا حركات فكرية يقودها طائفة من الناس أطلقوا على أنفسهم لقب (الخلصاء)، وسميناهم نحن في اللغة العربية باسم المثقفين !! .

الترجمة خاطئة، والمفهوم خاطئ، وليس لفئة الخلصاء صلة بمفاهيم الثقافة أو التعليم، ولكنهم فئة تدافع عن العقائد والأفكار والأيديولوجيات عن طريق الفكر، وهم صفوة المجتمعات المتصارعة فكريًا بعد الحرب العظمى الثانية، وكان بعضهم من الماركسيين، وآخرون اشتراكيون، وفئة ثالثة من دعاة الرأسمالية الحرة، وهم يغلفون مذاهبهم السياسية بغلاف الفكر والفن، كما أنهم كما يدل عليه اسمهم الفئة المختارة في مجتمعاتهم .

ولكن أحمد أمين فهم الثقافة فهمًا عربيًا، وأدرك احتياجات بلادنا العربية في عصره إدراكًا واعيًا، فأقام الجامعة الشعبية التي تعتبر أساسًا لهيئة قصور الثقافة أو الثقافة الجماهيرية في أيامنا التى نأمل ان تعي دورها المنوط بها من اجل مواجهة خفافيش الظلام التي تريد العودة بنا الى عصور الحهل والتخلف، وكان الرجل بحق صاحب تفكير عملي واقعي، حتى أنه جعل صناعة حياكة الثياب وفنون التطريز وأشغال الإبرة للفتيات من مواد الدراسة في جامعته الشعبية، وكانوا يعلمون في هذه الجامعة فنون الرسم والموسيقى والمسرح وغيرها من الفنون الجميلة، إلى جانب بعض المهن البسيطة مثل النجارة والسباكة والكهرباء .

ويبدو لي اليوم أن هذا الأستاذ كان سابقًا لعصره، لأنه بفكر العالم الأكاديمي المستنير استطاع تحديد المفاهيم الثقافية والشعبية، وكان قد بدأ في كتابة دائرة المعارف الشعبية التي تعتبر من الدراسات الطليعية في دراسة الأدب الشعبي المصري في عصرنا، وهي مرجع أصيل ينهل منه كل من كتب في مجال الأدب الشعبي أو الفلكلور بوجه عام .

ولكن مفهوم أحمد أمين للثقافة كان يرتبط دائمًا بمفهوم التعليم، ويبدو أنه كان يعتبر الثقافة أو تثقيف الناس وتوعيتهم مرحلة موازية لمرحلة التعليم، ولذلك فإنه عندما عقد المؤتمر الثقافي الأول في لبنان خلال سبتمبر 1947، كان أحمد أمين مديرًا للإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، وهو الذي دعا للمؤتمر فأضفى على هذا المؤتمر فكرته، فكانت المحاضرات تدور حول التعليم .

كانت خلاصة التفكير في معنى الثقافة في فعاليات هذا المؤتمر الثقافي الأول للعرب، هو ما قاله الأستاذ / واصف البارودي وهو من أعلام الفكر اللبناني، حيث أكد على أن الثقافة ليست كما يعتقد الكثيرون لتكوين الصفوة ولتكوين مجتمع لائق بها سلبًا وإيجابًا، أي يعرف كيف يتجه معها ما دامت على حق، وكيف يوجهها أو يستغنى عنها متى انحرفت عن المسير، فهي تكون مجتمعًا يعرف كيف يعيش، ولا تعترف بأي مجتمع يصنع من البشر أوثانًا وآلهة يعبدها من دون الله !! .

وهكذا ربط هذا المثقف المتميز في وقت باكر بين الثقافة والأيديولوجية، في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي تلك الأثناء من تاريخ الفكر العربي المعاصر، ألف طه حسين كتابه عن (مستقبل الثقافة في مصر) وحاول ربط مصر ثقافة البحر الأبيض المتوسط، وهاجمه كثيرون (وما زالوا يهاجمونه حتى يومنا هذا)، وقالوا: إن ثقافة مصر ترتبط بثقافة العرب، وليس مع ثقافة البحر المتوسط، هذه التيارات لم تستطع وضع مفهوم للثقافة .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم