صحيفة المثقف

المعاجم اللغوية

المعجم كتاب كبير يحتوي على عدد من مفردات اللغة المضبوطة ومفسرة ومرتبة ترتيباً خاصاً، ومع كل كلمة ومعانتها اذا كان لها اكثر من معنى، فاذا صادفتك كلمة في اثناء قراءتك لا تعرف معناها او كلمة تعجز عن ضبطها حروفهاوتحتاج الى معرفة ضبطها لقراءتها قراءة صحيحة وجب ان نرجع اليها في المعجم .

نشأة المعاجم:

كان العرب ينطقون لغتهم بغير كن (اي خطأ) ويعرفون معانيها غير استعانة بمرجع لغوي . لما استعنت الفتوحات الاسلامية، واختلط العرب بغيرهم من الامم الأخرى الذين دخلوا الاسلام انتشر الخطأ في الكلام، ومن هنا جاءت الحاجة الى المعاجم، ويقصد بذلك حصراً الالفاظ على وفق نمط معين وترتيب واضح لتفسير ما يصعب على القارئ معرفته من الالفاظ، وسنتناول مجموعة من المعاجم كنماذج:

أولا: معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (نموذج تحليلي):

بـدأت في النصـف الثـاني للهجـرة حركـة تـأليف المعـاجم العربيـة الموازيـة لحركـة الجمـع الموضـوعي بـدأت بكتـاب العـين الذي يعد أول محاولة لحصر ألفاظ اللغة العربية على نحو شامل وفي إطار نظام منهجي واضح له أسس وقواعد مضبوطة . ومن المناسب أن نجري في تناول هذه المدرسة على النظام التاريخي فنتحدث بشـيء مـن التفصـيل عـن رائـدها ونشـأتها، الخليـل بن أحمد الفراهيدي .

1- التعريف بصاحب الكتاب: هـو عبـد الرحمـان الخليـل بـن أحمـد الفراهيـدي الأزدي ولـد في البصـرة ونشـأ وتخـرج علـى أئمـة زمانـه ذكـر مـنهم أبي الأسود الدؤلي عطاء ويحيى بن يعمر وميمون الأقرن وعتبة الفيل . نبغ في اللغة والنحو وكان له براعة في تصحيح القياس واستخراج المسائل النحوية وتعليلهـا، وعنـه أخـذ سـيبويه واسـتمد لكتابـه الشــهير في النحــو وتخــرج عليــه كثــير مــنهم مــؤرج السدوســي والنضــر بــن شــعيل والأصــمعي وعلــى الــرغم مــن شــهرة الخليــل بالبصـري فإنـه قـد ولـد في مدينـة أخـرى هـي مدينـة عمـان علـى شـاطئ الخلـيج الفارسـي عـام 100 هــ ولكـن نشـأته بالبصـرة 3 غلاما وتلقيه العلم ا تلميذا ورئاسته لمدرستها جعلته يشتهر ذا اللقب

. 2ـ منهج الكتاب: وضع الخليل نصب عينه عدة أسس بني عليها منهجه الذي اتبعه في ترتيب معجم العين: الأساس الأول: تجريـد الكلمـة مـن زوائـدها، حـتى يمكـن وضـعها في المكان المناسـب لهـا - حسـب أصـولها - بـين ثنايـا المعجـم، مـع ملاحظة انه إذا كان أحد أحرف الكلمة محذوفا رده إلى مكانه، ,وإذا كان مقلوبا رده إلى أصله الأول . فكلمة (استكبر) جردها من زوائدها وأصبحت (كبر) وكلمة (يد) أصلها (يدي).

الأساس الثاني: تقليب الحروف التي تتكون منها الكلمة على كل وجـه ممكـن، ليـتمكن مـن حصـر جميـع ألفـاظ اللغـة، مـع التنبيـه علـى المستعمل وشرح معانيه، وإهمال المهل، وخاصة في الرباعي والخماسي فإذا كانت أصول الكلمة ثنائية قلبها على وجهـين فقـط مثل (ل ن ون ل) . وإذا كانـت ثلاثيـة قلبهـا علـى سـت صـور مثـل: (ب ك ر) فإنـه يمكـن أن يـأتي منهـا أيضـا (ب ر ك)(ك ب ر)، (ر ب ك)، (ر ك ب)،(ك رب). وإذا كانت رباعية، مثل (جعفر)، قلبها على أربع وعشرين صورة وإذا كانت خماسية - مثل (زبرجد) قلبها على مائة وعشرين صورة، وقد نبه الخليل على ذلك في مقدمة العين .

الأساس الثالث: وضع هذه الأصول ـ التي قلّبها علـى كـل وجوههـا الممكنـة ـ تحـت أبعـد الحـروف منهـا مخرجـا لأنـه اتخـذ الترتيـب الصـوتي أساسا لتنظيم معجمه، حيث رتب الحروف مبتدءا بالحلق ومنتهيا بالشفتين ولذلك جاء ترتيبه للحروف كما يلي: ع ح هـ خ غ/ ق ك/ ج ش ض/ ص س ز /ط د ت / ظ ث ذ /ر ل ن / ف ب م / وا ى همزة .

الأساس الرابع: تقسيم كل حرف من حروفه إلى ستة أبواب:

1ـ الثنائي ومضاعفه مثل:قَّد، دقَّ، عَفَّ، فَعَّ، رَصرصَ، صَرصَر .

2ـ الثلاثي الصحيح وهو ما كانت أحرفه الثلاثة صحيحة مثل:نجم، قتل، برز، ظهر

3ـ الثلاثي المعتل بحرف علة واحد وهو ثلاثة أنواع:ـ

أـ المثال/ ما اعتلت فاؤه مثل: وقف، وعد .

ب ـ الأجوف / ما اعتلت عينه مثل: باع، قال.

ج ـ الناقص / ما اعتلت لامه مثل: عمى، نمى

4ـ الثلاثي اللفيف: ما اشتمل على حرف صحيح، وحرفين من حروف العلة، وهو نوعان:ـ

أ ـ اللفيف المقرون: ما اجتمع فيه حرف العلة مثل: غوى – نوى.

ب ـ اللفيف المفروق: ما تفرق فيه حرف العلة مثل: جعفر، دحرج.

5 ـ الرباعي: ما تكون من أربعة أحرف أصلية مثل: خزعبل، زبرجد.

6ـ الخماسي: ما تكون من خمسة أحرف أصلية مثل: خزعبل، زبرجد

وقد فعل الخليل ذلك لأنه لاحظ أن «كلام العرب مبني على أربعة أصناف على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي » كما لاحظ انه «ليس للعرب بناء في الاسماء ولا في الافعال أكثر من خمسة أحرف فمهمـا وجـدت زيـادة علـى خمسـة أحـرف: في فعـل واسـم، فـاعلم أنهـا زائـدة علـى البنـاء، وليسـت مـن أصـل الكلمـة مثـل: قزعبلانة، إنما أصل بنائها، تزعبل، ومثل عنكبوت، ,وإنما أصل بنائها عنكب.

ثانيا: معجم الخصائص لابن جني (نموذج لساني):

كتاب الخصائص هو أحد أشهر الكتب التي كتبت في فقه اللغة وأسرار العربية ووقائعها، قام بتأليفه ابـن جـني، الـذي يقـول في مقدمـة كتابـه عنـه« كتـاب لم أزل علـى فـارط الحـال، وتقـادم الوقـت، ملاحظـا لـه، عـاكف الفكـر عليـه، منجـذب الـرأي والرويـة إليـه أن أجـد مهمـلا أقيلـه بـه، أو خلـلا أرتقـه بعملـه، والوقـت يـزداد بنواديـه ضـيقا، ولا يـنهج إلى الابتـداء طريقـا، هذا مع إعظامي له، وإعصامي بالأسباب المناطة به، واعتقادي فيه أنه من أشـرف مـا صـنف في علـم العـرب، وأذهبـه في طريـق القياس والنظر.. وأجمعه للأدلة على ما أودعته هذه اللغة الشريفة.

1- التعريف بصاحب الكتاب: هو أبو الفتح عثمان بن جني النحوي الأزدي بالولاء، كان أبوه (جني) روميا وهـو بكسـر الجـيم والنـون المشـددة وهـو الأشهر، وقد تحقق، معرب كني باليونانية كـان أبـوه جـني مملوكـا لسـليمان بـن فهـد بـن الأحمـد الأزدي من أعيان الموصل، ويظهر أنه أسلم، لأن ابنه أبا الفتح قد ربي تربية إسلامية محضة . ولد ابن جني بالموصل ويقول من توجه لـه: غنـه ولـد قبـل الثلاثـين والثلاثمائـة مـن الهجـرة ولا يعنـون مولـده بعـد هـذا إلا أبـا الفـداء في المختصـر فهـو يـذكر أن وفاتـه سـنة 302 هـ،ويقـول ابـن قاضـي شـعبة في طبقـات النحـاة غنـه تـوفي وهـو في سـن السبعين فإذا أخذ بهذا وروعي أن وفاته كانت في سنة 392 هـ فـإن ولادتـه تكـون في سـنة 322 هـ أو سـنة 321 هـ، كمـا أشار إلى ذلك ابن النديم وابن الأنباري . وقـد أخـذ النحـو مـن أحمـد بـن محمـد الموصـل الشـافعي المعـروف بـالأخفش، وقـد أخـذ فيمـا بعـد عـن أبي علـي فـأكثر الأخذ عـنهم وهـو الـذي أحسـن تخرجـه ونهـج لـه البحـث وفـن لـه سـبل استقصـاء والتوسـع في التفكـير وقـد أخـذ عـن الكثـير مـن رواة اللغـة والأدب ومـن هـؤلاء أبـو بكـر حسـن المعـروف بـابن مقسـم، وهـو مـن القـراء وكـان راويـة ثعلـب ويـروي ابـن جـني عنـه أخبار ثعلب وعلمه وابن مروى كثيرا من الأعراب الذين لم تفسد لغتهم: وقد اتبع سلفه من اللغويين وكان لا يأخـذ عـن بـدوي غلا بعد أن يمتحنه ويتثبت من أمره وصدق نجيزته . وقـد ألـف بـن جـني العديـد مـن الكتـب الـتي أحصـاها: اليـاقوت في معجمـه فقـد بلغـت تسـعة وأربعـين كتابـا منهـا: سـر الصـناعة، تفسـير ديـوان المتنـبي الكبـير، تفسـير معـاني ديـوان المتنـبي، اللمـع في العربيـة،كتـاب الألفـاظ المهمـوزة،التهـذيب، وغـير ذلك من الكتب التي تشير إلى طول باعه في علمه

2ـ تعريف الكتاب: يقدم ابن جني الخصـائص علـى بهاء الدولـة الـذي تـولى الملـك في بغـداد ومـع الخضـوع للخليفـة العباسـي سـنة 379 هـ 5 إلى سـنة 403 فكـان تأليفـه أو إظهـاره أو إخراجـه إلى النـور إذن بعـد وفـاة أسـتاذه أبي علـي (377) هـ كمـا أن إشـارته في الخصائص تدل على أنه وصل في قضايا صوتية وصرفية عدة إلى مراحل كبيرة من النضج كما يتجلى ذلك في الخصائص. الكتـاب يبحـث في خصـائص اللغـة العربيـة، يتقـدمها حـديث مفصـل عميـق في قضـايا لغويـة عامـة مثـل حـديث عـن الفصــل بــين الكــلام والقــول وفيــه كثــير مــن سمــات نهـج ابــن جــني وهــي الشــغف بالاشــتقاق والتقليبــات والتصــريف وشــح الـدلالات وبيـان الفـروق الدقيقـة وتقـديم الشـواهد المختلفـة مـن القـرآن، شـعرا ونثـرا، فهـو يطـرح تعريفـات تنشـئ للكـلام والقـول للتمييز بينهما تميزا حـادا واضـحا وفي أثنـاء ذلـك الموضـوع الأساسـي يسـتطرد في مشـكلات صـرفية أو نحويـة أو دلاليـة جزئيـة ثم يعـود علـى الموضـوع المحـور ثم ينتقـل علـى مقـولات متصـلة بهمـا وهـي (القـول علـى اللغـة، ثم النحـو ثم الإعـراب ثم البنـاء)، وهـو تناول منطقي منظم ثم يعرج على قضية فلسفية أثيرت منذ فترة مبكرة من تاريخ الفكر الإسلامي وهـي القـول علـى أصـل اللغـة إلهــام هــي أم اصــطلاح ؟ ويطــرح الأفكــار والآراء الــتي وردت فيهــا وينــاقش هــذه الأفكــار ويظهــر وجهــة نظــره ويســعى في الاستدلال على صواب ما انتهى إليه ثم ينتقـل إلى قضـية تتصـل ببنـاء الأبنيـة الصـرفية والتراكيـب النحويـة في العربيـة وهـي قضـية الاطـراد والشـذوذ، فيعرفهـا أولا ثم يبـين أقسـامها ثم يفصـل كـل منهـا في تفصـيل، ويعـالج أصــول العربيـة الأساسيــة (السـماع والقياس والاستحسان)ويفصل في درس العلـل فقـد أراد أن يبحـث عـن علـل النحـو بحثـا دقيقـا ويكشـف عـن منزلتهـا مـن علـل المسلمين وعلل الفقهاء، ويخرج منه إلى قضايا صرفية ونحوية جزئية ومتعددة كحادثة، في استطراد يكاد على نحو ما يخرجنـا مـن الموضوع الأساسي وينتقل من باب إلى باب ومن فن إلى فن وفي صورة موسوعية متشعبة .

3 ـ منهجه: بعـد أن أهـدى ابن جني الكتـاب إلى بهاء الدولـة كعـادة العلمـاء أنـه ذكـر في مقدمتـه هـذا ... لم أزل علـى عـدد فـارط الحال، وتقادم الوقت ملاحظا له، وأما أن نجد سبيلا أصله به، أو خللا ارتقه بعمله ... واعتقاده فيه أنـه أشـرف مـا صـنف في علوم العرب وأذهبت في طريق القيـاس والنظـر ... وأجمعـه للأدلـة علـى أودعتـه هـذه اللغـة الشـريفة لاحظـا نـص الحكمـة، ونيطـة به من علائق الإتقان والصنعة ... ولم ير ابن جني من علماء البلدين من ذهب إلى ذلك الامتناع جانبـه علـيهم وهـو التعـرض لعمـل أصـول النحـو، علـى مـذهب أصـول الكـلام والفقـه، ,إن ذكــر أبـو بكـر بـن السـراج حـرف أو حـرفين مـن ذلـك في أصـوله، كمـا ألـف أبـو الحسـن الأخفش شيء من المقاييس كتيبا، فأراد ابن جني أن يجمع خصائص العربية في هذا الكتاب . يبـدأ الكتـاب بالفصـل بـين القـول والكـلام، ثم يعـرف اللغـة والنحـو والإعـراب والبنـاء حـتى تكـون مـادة الكتـاب داخلـه تحت هذه التعريفات، تعريف الشيء يدخل ما ليس منه كما أنه يدفع إلى استقصاء الموضـوع عـن طريـق معالجـة هـذا التعريـف، وهي طريقة مبتكرة لعلماء القرن الرابع . بدءا بابن السراج وانتهاء بابن جـني وابـن فـارس ن (395) هـ، ثم يتحـدث عـن نشـأة اللغـة والقـول علـى أصـلها العـام هـي أم اصــــطلاح فيعــــالج موضــــوعه كأفضـــل لغــــوي عرفتــــه العربيــــة في تاريخهــــا القــــديم ومنهــــا إلى ذكــــر علــــل العربيــــة ومــــنهج دراستها،ومقاييسها، وفي تسريح اللفات، وتركب اللغات أو تداخلها وما قيس على كـلام العـرب لينتهـي الجـزء الأول ثم يتنـاول أصل اللغة واختلاف اللغـات وكلهـا حجـة، ثم يعـالج علاقـة اللفـظ بـالمعنى وعلاقـة بنـاء الألفـاظ بمعانيهـا فالاشـتقاق الأكـبر ثم الإدغام، والخصائص الصوتية للغة، فشجاعة العربية ... ثم يبدأ الجزء الثالث بباب في حفظ المراتب وينتهي بباب في المستحيل وصحة قياس الفروع على فساد الأصول . وهذه الموضوعات يعد الكتاب المرجع الأساسي في موضوعاته بما حمله من فكر متأن مستقصـي لعـالم كبـير وهـو ابـن جني .

ثالثا: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (نموذج تحليلي):

المقاييس من الكتب اللغوية التي ظهرت في القر ن 4هـ ومعـنى ذلـك أنـه جـاء بعـد أن جمعـت المـادة اللغويـة في المعـاجم السـابقة عليـه، مـن هنـا اتجـه ابـن فـارس إلى التعميـق في الدراسـة واتجـه إلى وجهـات جديـدة في هـذا المعجـم وهـي الكشـف عـن الأصول كما بين في غرضه من تأليف هذا المعجم .

1- التعريف بصاحب الكتاب: هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمـد بن حبيب الرازي اللغـوي . ولد سنة ست وقيل ستة وثمان وثلاثمائة أي في نهاية العقد الأول من القرن الرابع الهجري وكانت ولادته بقرية كرسـف جياناتاز وهي قريبة من رستاق الزهراء . وكان كما يقول الثعالبي:(من أعيان العلم وأفذاذ الـدهر يجمـع إتقـان العلمـاء وظـرف الكتـاب والشعـراء (وقـد ذكـر الثعالبـي عنـه كـذلك انـه مقيمـا بهـذا، ثم استــدعي إلى بـلاط بـني بويـه عنـدما أشـتهر بعلمـه، وهنـاك التقـى بالصـاحب بـن عبـاد الـذي صـاحبه وأخـذ عنـه اللغـة والأدب وكـان يقـول عنـه) شـيخنا أبـو الحسـين ممـن رزق حسـن التصـنيف وأمـن فيـه التصنيف (كـان والـده فقيهـا شـافعيا لغويا، وقـد روي عنـه ابـن فـارس كتـاب ابـن السـكيت كمـا ذكـر كـذلك في مقدمـة كتابـه، ومـن شـيوخه ابـن خطيـب روايـة ثعلـب، وهـذا يشـير الى أنـه كـان ينـزع إلى مـذهب الكـوفيين ومـن شـيوخه كـذلك ابـن سـلمة القطـان فقـد قـرأ عليه كتاب العين للخليل، كما قرأ (كتاب غريب الحديث) . وحسـن الـذوق وروح الأديـب مـا يبعـد بـه عـن حقـوق المؤلفـات وعنـف ممارسـتها، فأنـت تسـتطيع أن تتخـذ مـن هـذا الكتـاب متاعـا لـك أن تبغـي المتـاع وسـند حـين تصـيب التحقـق والوثـوق، والكتـاب بعـد كـل أولئـك يضـم في أعطافـه وثنايـاه مـا يهب القارئ ملكة التفهم لهذه اللغة الكريمة، والظهور على أسرارها .

3 ـ منهج الكتاب: قلد ابن فارس الخليل في واحد من أسس منهجـه في العـين وتعـني بـه نظـام الأبنيـة بعـد إدخالهـا في شـيء مـن التعـديل عليـه، ولكنه خالفه في النظام الصوتي وأخذ بنظام الألفبـائي العـادي وقلـد بـذلك ابـن دريـد في هـذا النظـام، ولم يطبـق ابـن فـارس نظـام التقاليب بنفس الصورة للخليل وابن دريد لقد أخذ ابن فارس الترتيب عن الخليل فجعل القسـم الأول مـن كتابـه لحـرف الهمـزة وسماه كتاب الهمزة ويليه كتاب الباء وكتاب التاء،.... الخ .  وكان التقسيم الأول عند ابن دريد للأبنية ونظر إلى الحرف الأول مـن كـل كلمـة في هـذه الكتـب، ثم قسـم كـل كتـاب منهـا إلى ثلاثـة أبـواب حسـب الأبنيـة،أولهما بــاب الثنـائي المضـعف وبـاب الثلاثـي وأخـيرا مـا زاد عـن الثلاثـي المجـرد، وطـرح بـذلك الأبـواب الكثـيرة الـتي عنـد ابـن دريـد . والخليـل اكتفـى بهـذا التقسـيم الصـغير كـي لا يفلـت النظـام فيقـع فيمـا وقـع فيـه كمـا رتـب الكلمات في بـابين الثنـائي والثلاثـي بحسـب الحـرف الثـاني والثالـث وبحسـب الحـرف الثـاني منهـا واتفـاق الحـرف الأول فيهـا دومـا لأن الحرف المعقود به الكتاب كما سبق، فالثنـائي مـن بـاب الهمـزة مـثلا يسـتهل بـالهمزة مـع البـاء فـالهمزة مـع التـاء ...الخ وراع في الثلاثي ترتيب حرفه الثالث أيضا فيستهل كتاب الهمزة، بأبت، فأبج ...الخ حتى تنتهي الحروف جميعا . ومن آثاره التي خلفها وكتبه التي صنفها فهي كثيرة وغفيرة ومتنوعة تدل على علم غزير وذكاء نـادر وقـد أحصـاها المحصـون فبلغت عددها ستة وستون كتابا ما بين اللغة والتفسير والسيرة النبوية . ولقد اختلف في تاريخ وفاة ابن فارس في بعض المصادر أنه توفي سنة 390هـ وذكر بعضها الآخر أنـه تـوفي سـنة 395 هـ وهو أرجح الآراء لأن ياقوت الحموي ذكر في معجم الأدباء أنه وجد بخط يديه على كتابـه  (الفصـيح) في سـنة 391 4 هـ وهذا يعـني انـه كـان حيـا في هـذا العـام وقـد تـوفي بـالري بالمحمديـة مقابـل مشـهد القاضـي علـي بـن عبـد العزيـز الجرجـاني وهـو من أبرز أئمة اللغة والأدب في النصف الثاني في القرن الرابع الهجري

رابعا: معجم لسان العرب لابن منظور(نموذج تحليلي):

استقبل آخر القـرن السـابع معجمـا لغويـا مـن أضـخم المعـاجم وأوسـعها وهـو لسـان العـرب للعلامـة أبي الفضـل جمـال الـدين محمـد بـن مكـرم ابـن منظـور الـذي قـام بتـأليف هـذا المعجـم إذ يقـول في مقدمتـه (وإني لم أزل مشـغوفا بمطالعـات كتـب اللغـة والاطلاع على تصانيفها وعلل تصاريفها، ورأيت علمائها بين رجلين، أما من أحسن جمعـه فإنـه لم يحسـن وضـعه. وأمـا مـن أجاد وضعه فإنه لم يجد جمعه، فلم يفد حسن الجمع مع إساءة الوضع،ولا نفعت إجادة الوضع مع رداءة الجمع).

1ـ التعريف بصاحب الكتاب:

ابن منظور هو أبو الفضل جمـال الـدين محمـد بـن مكـرم بـن علـي بـن أحمـد الأنصـاري الإفريقـي ثم المصـري. كـان ينسـب إلى روينـع بـن ثابـت الأنصـاري هـو صـاحب لسـان العـرب ولـد سـنة 630- هـ 1232 م بمصـر وقيـل في طـرابلس الغـرب. وكانـت وفاتـه في سـنة 811 هــ، عمـل ابـن منظـور في ديـوان إنشـاء طـوال حياتـه، وولي قضـاء طـرابلس وكـان ميلـه إلى التشـيع ولكـن دون مغـالاة .، كمـا كـان محـدثا، فأخـذ عنـه الكثـيرون، وكـان عارفـا بـالنحو واللغـة،والتاريخ والكتابـة، فاضـلا في الأدب، ملـيح الإنشاء . والغريب في أمر بن منظور اهتمامه طوال حياته باختصار الكتب المطولة التي صنفت قبله،فقد اختصـر كتـاب الأغـاني وكتـاب الـذخيرة ومفـردات ابـن البيطـار وتـاريخ دمشـق، وكـان لا يمـل مـن ذلـك .قـال الصـفدي: لا أعـرف في الأدب وغـيره كتابـا مطـولا إلا وقد اختصره .وكذلك يقال أن الكتب التي دونها بخطه من مختصراته بلغت خمسمائة مجلد .

2ـ التعريف بالكتاب: يعد لسان العرب في مقدمة كتب المرحلة الثانية من التأليف المعجمي، وقد ألّفه صاحبه ابـن منظـور موسـوعة يسـتفيد منهـا اللغوي، والأديب، وعـالم التفسـير، والفقيـه،والمحـدث،ولقـد ضـم إلى المـواد اللغويـة بعـد تحليلهـا وتوضـيح معانيهـا عناصـر كثـيرة جعلته موضع اهتمام الكثيرين . وقــد جعــل ابــن منظــور بــين يديــه خمســة مصــادر مــن هذه الكتب، جمع منها في معجمه أفضل ما فيها مـن حيـث المـادة والترتيـب وهـذه المصـادر الخمسـة هـي: التهـذيب للأزهـري، والمحكم لابن سيده، والصحاح للجوهري، وحواشي ابن بري . على الصحاح، والنهاية لابن السـعادات بـن الأثـير، وعلى هذه المصادر كانت معولـة في تصـنيف معجمـه،وكأنـه قـام بعمليـة توفيقيـة بـين هـذه المعـاجم وهـو نفسـه يقـول: (فجمعـت منهـا في هذا الكتاب ما تفرق ... فانتظم شمل تلك الأصول كلها في المجموع ... وأنـا مـع ذلـك لا أدعـي فيـه دعـوى فـأقول: شـافهت أو سمعت، أو فعلت أو صنعت، أو شددت أو رحلت، أو نقلت عن العرب العرباء أو حملت،فكـل هـذه الـدعاوي لم يـترك فيها الأزهري وابن سيده القائل مقالا (.. حيث شاء صـاحبه أن يسـتوعب فيـه مـا اتفقـت تلـك المصـادر الخمسـة ً حين طال هذا المعجم حتى صار في عشرين جزء وما تفرد به كل مصدر منها .

3ـ منهجه:

بدأ ابن منظور معجمه بمقدمة تحدث فيها عن هدفـه مـن تأليفـه واهتمامـه بكتـب السـابقين مـن اللغـويين ونقـده لمنـاهجهم 5 ومحاولته أن يجمع بين أفضل وأحسن ما ينبغي، ومنهاجه الذي ارتآه وأمله أن يفي بما وعد .  اختـار ابـن منظـور ترتيـب مـادة معجمـه الـذي سـار عليـه مـن قبـل الجـوهري في صـحاحه، أي نظـام البـاب والفصـل،ومن ثم فلا حاجة بنا هنا إلى تكرار أو وصف هذا النظام، مادام ابن منظور قد طبقه في معجمه بحذافيره،دون تعديل فيه ّ. وقـد صـرح بـذلك في مقدمتـه، حـين قـال: ورتبـه ترتيـب الصـحاح في الأبـواب والفصـول، لحسـن تبويبـه وسـهولة تأتيـه، معـنى ذلـك أنـه قـد جعـل الحـرف الأخـير مـن حـروف المـادة الأصـلية (أي الحـروف الأصـول بعـد تجريـدها مـن الزوائـد) البـاب، ثم روعـي ترتيب حروف الهجاء ج/ث/ت/ب/ء (... الخ) في الحرف الأول (الفصل) وما يليـه. فالكلمـات عـدل،غزل،فضـل، قتل، كفـل،..... هزل،نجــدها جميعــا في بــاب اللام، وفصــول:العــين والغــين والفــاء والقــاف والكــاف .....والهــاء علــى التــوالي. وتوضــح الكلمة الأخيرة تقديم ابن منظور فصل الهاء على الواو، خلافا للجـوهري الـذي قـدم فصـل الـواو علـى فصـل الهـاء وتمثـل الهمـزة الأصلية أو المنقلبة على واو أو ياء مشكلة في ترتيب المعاجم . وفعـل ابـن منظـور صـنيع الجـوهري في جمعـه الكلمـات الواويـة واليائيـة الآخـر في بـاب واحـد وفصـل بـين الكلمـات الواويـة واليائية، ثم اضطرب فكر ر الحديث في المواد التي ترد واويـة ويائيـة، وترتيـب مـواد الفصـول يسـير هجائيـا حسـب الحـروف الثـاني، فالثالـث، فـالرابع، إن كانـت المـادة ثلاثيـة أو رباعيـة أو خماسـية، فالكلمـات سـجد، سـرد، سـهد، سـهو كلهـا في بـاب الـدال حكمت كشلي فواز:دراسات معجمية ولغوية لسان العرب وفصل السين، والباب الأخير معقود بالكلمات المنتهية بـالألف اللينـة الغـير معروفـة الأصـل. وفي مبـدأ كـل بـاب يتحـدث حـديثا طـويلا أو قصـيرا حسـب الاقتضـاء عـن الحـرف المعقـود لـه البـاب، ثم يـذكر الفصـل، وهو الهمـزة ويـذكر جميـع المـواد المنتهيـة بالبـاء والمبدوءة بالهمزة وهي أبب، أتب، أثب، أدب، أذرب، أرب، أسب، أشب، أصـطب، ألـب، أهـب، أوب، أيـب، ثم يـذكر فصــل البــاء الموحــدة،وجميــع المــواد المنتهيــة بالبــاء والمبــدوءة بالبــاء والموحــدة، وهكــذا إلى آخــر حــرف الحــروف متبعــا الترتيــب الألفبائي . وقـد بلـغ عـدد المـواد اللغويـة الـتي ضـمها معجـم لسـان العـرب ثمـانين ألـف مـادة، سـار في ترتيبهـا وفـق المصـدر الـذي ينقـل عنه، يبـدأ بالمـادة المجـردة، ثم ينقـل إلى مشـتقات والصور التي تؤدي المعاني الاخرى، معنى بعد آخر، وهو في تتبعه لسائر الصور والاشتقاقات يسـتطرد في الاستشـهاد،ويطيـل في الحشـو،علـى نحـو يـؤدي إلى اضـطراب صـيغ المـادة وتفـرق تفسـيرها،غـير أنـه في أغلـب مـواده يحسـن جمـع مشـتقات المادة وتصريفاتها وتنسيق شروحه وتعليقاته .

 

اعداد الاستاذ مساعد: ليلى مناتي محمود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم