صحيفة المثقف

زولوتسكي الذي لم أتذكره

ضياء نافعنشرت صحيفة (ليتيراتورنايا غازيتا) الروسية الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 25/ 11 / 2020 وعلى صفحتها الاولى صورة ملوّنة كبيرة لايغور زولوتسكي بمناسبة بلوغه التسعين من عمره . تساءلت انا بيني وبين نفسي، من هو زولوتسكي هذا، الذي نشرت صورته وبهذا الشكل البارز صحيفة شهيرة مثل (ليتيراتورنايا غازيتا) . حاولت – وانا اشتري الصحيفة – ان أتذكر، اذ كان يبدو لي انه اسم معروف لديّ، ولكنني نسيته (عمر واتعده الثمانين يا مظفر النواب !!!). استلمت الصحيفة، وبدأت رأسا بالقاء نظرة سريعة على المقالة التفصيلية عنه، وتذكرت طبعا، انه مؤلف الكتاب الشهير عن غوغول، الذي صدر ضمن سلسلة روسية شهيرة تسمى - (حياة الناس الرائعين، حسب الترجمة الحرفية، او حياة العظماء، او حياة الاعلام، حسب الترجمة السليمة الصحيحة)، هذا الكتاب الذي تميّز آنذاك فعلا ضمن الكتب الروسية عن غوغول (ظهرت طبعته الاولى عام 1979، والثانية عام 1984، والثالثة عام 1998، والرابعة عام 2005)، والذي جعل من زولوتسكي رأسا ناقدا بارزا شهيرا، وباحثا متميّزا جدا في مجال دراسة غوغول وابداعه، اذ ارتبطت باسمه آنذاك الاستنتاجات الشجاعة (في ذلك الزمن طبعا) عن غوغول، وقد تمّت ترجمة الكتاب هذا الى ثلاث لغات في حينها، وهي – الليتوانية والبلغارية والسلوفينية، حيث تم طبع هذا الكتاب في ثلاث جمهوريات (ليتوانيا وبلغاريا وسلوفينيا)، وهذه ظاهرة نادرة جدا بالنسبة لكتب تلك السلسلة، وليس عبثا طبعا، ان زولوتسكي حصل على جائزة غوغول الادبية في حينه، ثم على جائزة سولجينيتسن عام 2005، وأشارت لجنة تلك الجائزة، الى انها تمنحه اياها نتيجة بحوثة النقدية المتميّزة في تاريخ الادب الروسي بشكل عام وفي دراساته التحليلية المعمقة (ذات النظرة الذاتية المستقلة) في ابداع غوغول بشكل خاص، وهي ملاحظة ذكية جدا من قبل تلك اللجنة لتحديد مكانة هذا الباحث الكبير وقيمته الحقيقية في مجال دراسة الادب الروسي . زولوتسكي الان يشغل منصب رئيس صندوق غوغول في موسكو، الذي يسعى الى تأسيس متحف غوغول، والى تنفيذ وصية غوغول بشأن دفنه، اذ ان الكاتب أوصى الا يضعوا على قبره تمثالا له (انظر مقالتنا بعنوان – حول موت غوغول . هل دفنوه حيّا ؟) . لقد أصدر زولوتسكي (29) كتابا في تاريخ الادب الروسي و أعلامه، (8) منها عن غوغول، وأعدّ برامج تلفزيونية حول الادب الروسي، منها سلسلة برامج عُرضت من عام 1992 الى عام 1996 بعنوان – امسيات في بيت غوغول، وبرنامج آخر تم عرضه عام 2009 بعنوان – تبرير لغوغول ، وباختصار شديد، فان زولوتسكي هو- قبل كل شئ - الغوغولي الاول (ان صحّت التسمية !)، وقد قال مرّة لأحد الصحفيين الروس في حوار تم نشره، ان زوجته كانت (تغار!!!) من غوغول، لأنه كان يقضي كل وقته وهو يدرس ابداعه ومسيرة حياته .

 صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا كرّست معظم الصفحة الاولى لمقالتها عن زولوتسكي، وصفحتين باكملهما داخل عددها ذاك لتلك المقالة التفصيلية عنه، اذ انه ارتبط مع هذه الصحيفة في الستينيات، واصبح أحد محرريها، والمسؤول عن قسم (تاريخ الادب الروسي) فيها، ونحاول في هذه السطور التوقف - ليس الا- عند ابرز المحطات الابداعية لزولوتسكي، كي نرسم للقارئ العربي صورة قلمية (ويجب القول رأسا، انها صورة تقريبية جدا جدا ليس الا) لهذا الاسم الكبير والمتعدد المواهب في دنيا الادب الروسي المعاصر، اذ ان زولوتسكي يكاد ان يكون مجهولا او شبه مجهول في افضل الحالات للقارئ العربي هذا .

ولد ايغور بيتروفيتش زولوتسكي عام 1930 . كان والده عسكريا، ويعمل في الاجهزة السوفيتية الامنية آنذاك، وتم اعتقاله عام 1937 اثناء الحملة الستالينية المعروفة ضد (اعداء الشعب !)، ثم تم اعتقال والدته ايضا عام 1941 لأنها زوجة (عدو الشعب !)، وهكذا بقي ايغور وحيدا، وانتقل الى مدرسة خاصة بالايتام من ابناء اعداء الشعب (حيث كان مبدأ القسوة والقوة سائدا، كما كتب هو بعدئذ)، واستطاع ان يلتحق بعد المدرسة في القسم الروسيي بكلية الفيلولوجيا (اللغات وآدابها) في جامعة قازان بجمهورية تتارستان السوفيتية، وتميّز حتى في سنوات الدراسة بموهبة الكتابة النقدية، وهكذا بدأ ينشر في الصحف والمجلات المحيطة به، وانتقل بعد انهاء دراسته الجامعية الى الصحف المركزية (ومنها ليتيراتورنايا غازيتا كما أشرنا) بعد ان لاحظ كتاباته المتميّزة في النقد الادبي الكاتب السوفيتي كورني تشوكوفسكي في ندوة النقاد الشباب، التي انعقدت عام 1961 .

زولوتسكي – ناقد ادبي روسي معروف، وكاتب، وصحافي له مكانة خاصة في اوساط الاعلام الروسية المختلفة من مجلات وتلفزيون وراديو، و شخصية اجتماعية بارزة يشغل مناصب ادارية كبيرة في المنظمات الثقافية الروسية . لقد قال زولوتسكي مرّة، ان شعلة الحب تجاه الادب كانت تتوهج في روح غوغول، ويمكن القول، ان هذه الشعلة نفسها قد انتقلت من غوغول الى زولوتسكي نفسه ..... 

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم