صحيفة المثقف

ظاهرة ممارسة الأدوار

اياد الزهيريهناك ظاهره أجتماعيه يشكل أنتشارها خطراً على المجتمع بما تفرزه من أسقاطات سلبيه عليه، وذلك بما يلقيه السلوك الاجتماعي من تبعات تلقي بظلالها على كل مناحي الحياة. هذه الظاهره تتمثل بالسلوك المزدوج، والحاله الزئبقيه، والأنتقال السريع في تمثيل الأدوار المتناقضه في الوسط الأجتماعي. فالحاله النفسيه للفرد تشكل عنصراً مهماً بتطور المجتمع سلباً وأيجاباً، لذلك يكون من المهم ملاحقة بعض الظواهر الشاذه والسلوكيات المريضه لدى بعض الأفراد، وهذه السلوكيات تزداد خطورتها كلما أزداد عدد من يتخلقون بها، حيث تصبح ظاهره أجتماعيه مؤذيه ويصعب التصدي لها، ومن هذه الظواهر التي أبتلى بها مجتمعنا، هي ظاهرة البروز الى الواجهه، والعمل على بذل كل الجهود، ولعب كل الأدوار من أجل تحقيقها. طبعاً هناك عدة دوافع تدفع الأنسان لأن يلعب هذا الدور، منها ما هو نفعي، ومنها ما هو معنوي، ومنها ما هو نفسي . فالعامل النفعي هو لأجل السعي وراء المنافع الماديه حيث يعكف الشخص جاهداً من أجل تسليط الأضواء عليه، ولفت الأنتباه نحوه لغرض كسب الشهره، ومن خلال الشهره يستطيع ألتقاط المنافع التجاريه، فترى هذا النوع من البشر يدخل في كل الفعاليات سواء كانت أجتماعيه أو دينيه أو رياضيه من أجل حجز المقاعد الأماميه في كل تجمع، وتبوء مكانه متقدمه في السلم الأجتماعي لكي يوظفها شخصياً، وقد لعب هؤلاء دوراً خسيساً في التملق للآحزاب الحاكمه في محاوله لكسب ود السلطه ولمن على حساب مبادئهم الدينيه والأخلاقيه، كما تشبث البعض منهم في محاوله لحشر أنوفهم في فعاليات دينيه، وخاصه الحسينيه عندنا لما تقدمه هذه الشعيره من فرص أستعراضيه يمكن أغتنامها، وأستثمارها للمجد الشخصي، كما يمكن أستثمار أنشطه أخرى فنيه ورياضيه لما لها من نافذه كبيره يطل من خلالها الفرد على الساحه الأجتماعيه . وكما ذكرنا أعلاه هناك دافع أخر يساهم في رواج هذه الحاله، وهو الجانب المعنوي، حيث ينزع البعض الى بناء كيان وجاهي له في المجتمع عن طريق الشهره، وهذا العامل من أقوى العوامل الدافعه لهذا السلوك حيث أن الفرد العربي يميل الى التفاخر والتباهي ويقدمها على الكثير من الصفات، لذا تراه مستعد لبذل الكثير من المال والجهد من أجل أكتساب هذه الصفة، حتى أحياناً التزاحم عليها يصل الى درجة الأقتتال مع أقرب المقربين من أجل أنتزاع مثلاً لقب زعيم قبيله، أو مختار حاره، وعندنا الكثير من الأمثلة تصل الى حد التنازع على مسؤولية ترأس موكب حُسيني، فترى الشجار والخصومات على أشدها والتي تصل بعضها الى النزاع المسلح، وهذا ما يتنافى مع أبسط قواعد ومباديء القضيه التي يزعمون خدمتها. حتى هناك مثل يجسد النزوع الشديد للهث وراء التفاخر في مجتمعنا، وهو مثل معروف يقول (شيم المعيدي وأخذ عباته)، والتي تعني أستعداد الرجل الى أعطاء عباءته التي يلبسها ومهما تكن ثمينة من أجل أن يُمدح بين أبناء مجتمعه، هذا من جانب وهناك جانب أخر في الأستعداد لهذه العملية وهو الشعور بالنقص عند البعض، حيث يمارس دوراً نشطاً في تمثيل الأدوار التي تدفع به الى الأمام، بغض النظر عن أخلاقية أو عدم أخلاقية هذه الأدوار، وذلك من أجل علاج خلل نفسي يعاني منه، الا وهو الشعور بالدونية، فمثلاً تراه مشمراً عن ساعديه في المساهمة في نشاط ديني فتراه هو محور الأحتفال الديني وداينمو الحركة فيه، فأن شُغل مكانه شخص أخر في هذه المناسبة في وقت أخر تراه لا يتورع من الذهاب الى ممارسة نشاط لا أخلاقي، فأنا أتذكر عندما كنا صغاراً، كان هناك شخصاً يقود تجمع من الرجال والناس وبيده مكرفون يلقي بالقصائد الحُسينيه بعد أستشهاد الحسين ع والتي تسمى بمسيرة بني حيث تقوم عشيرة بني أسد بدفن الأمام الحسين ع بعد أن بقيَ ثلاث أيام بالعراء بعد دفنه كما تنقل الروايات التاريخية، ولكن بعد أن منع النظام البعثي هذه الشعائر فقد رأيت بعد سنين هذا الرجل نفسه لابس البدلة الزيتوني، وهي بدلة الرفاق الحزبين، وأخذ يمارس دوراً أفتقده لكن بأهداف أخرى مناقضه تماماً، وهذا لا يعنيه بقدر ما يعنيه أن هذه الممارسات تشبع عنده رغبة أنطوت عليه نفسه والتي تعاني من أعتلال نفسي خطير. أن الشخصيات التي تمارس هذه الأدوار المتقلبة والغير بريئة هي شخصيات مأزومة وتتسم بالنفاق والتوتر النفسي، وأحساس شديد بالنقص، وللأسف نجد هذه الشخصيات من مختلف التوجهات والطبقات الأجتماعية، فنراها في الفنان والشاعر والأديب، كما نراها عند المثقفين وعامة الناس. من الملاحظ أن هذا النوع من الناس يمثلون خطراً على المجتمع، والدليل فقد أستثمر حزب البعث العراقي هذه الشخصيات المعتلة نفسياً، وقسم منهم من المنبوذين ـجتماعياً، فقد لعبوا دوراً شريراً في بث شررهم وما تحتقن فيه نفوسهم من حقد وكراهية على الناس عندما أنظموا الى صفوف حزب البعث ومارسوا كتابة التقارير الحزبية ذات الطابع الأمني والأستخباراتي، مما تسببوا بأعدام الكثير من الناس الأبرياء، أن هذا النوع من البشر ترى شخصيته هائجة، وشريرة ولا يتوانى بتوجيه الأذى لكل من يقف حجر عثرة في طريق ما يصبو أليه من مغانم سواء كانت معنوية أو مادية. أن ما يمر به مجتمعنا من مأساة، وما تعرض له من تداعيات، نجد لهؤلاء الشخصيات ذات التلون في لعب الأدوار أكبر الأثر السيء فيما يجري، فقد رأينا في فترة ما بعد 2003 الكثير ممن نزع جلده وتحول من رفيق يردد شعارات الحزب العفلقي الى كادراً متقدماً في أحد الأحزاب الأسلاميه، أو تراه يسارياً قحاً لا يظاهيه حتى ماركس في ماركسيته، ينتظم الى حزب ليبرالي له قدم في السلطة، وهناك من كان فقيراً يلوذ بالشيوعيه من فقره أملاً في تغير حاله أصبح اليوم أمريكياً لحد النخاع بعد أن تبسم له الدولار بملء شفتيه.

 

أياد الزهيري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم