صحيفة المثقف

الزيارة للسودان.. والرسالة لإثيوبيا

عبد السلام فاروقهى الزيارة الأولى للرئيس السيسي بعد تشكيل المجلس الانتقالى بالسودان.. زيارة تحمل فى طياتها أكثر من مغزى ومعنى ورسالة.. وقد جاءت فى أعقاب عدة زيارات متبادلة تمت مؤخراً بين رؤساء أركان الجيشين المصرى والسودانى، واتفاقيات تم إبرامها للتعاون العسكرى بين البلدين.. وقد جاء فى تصريح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الرئيس السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني عقدا جلسة مباحثات منفردة أعقبتها جلسة موسعة ضمت وفدي البلدين.. وتعد الزيارة تتويجاً لجهود مستمرة لتقوية أواصر الروابط والعلاقات المصرية السودانية وتأكيداً على الدعم المصري الدائم بقيادة السيسي للسودان قيادةً وشعباً، وقد شهدت الزيارة عقد قمة سودانية مصرية سودانية وعدد من اللقاءات الثنائية مع كبار القادة والمسئولين السودانيين لمناقشة ملفات شتى تتعلق بالتعاون المشترك وسبل تعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق لتوحيد الرؤى والمواقف والتباحث حول أهم تطورات القضايا الإقليمية والقارية.

تكمن أهمية الزيارة فى كونها تمهد لحراك دبلوماسي وسياسي أكثر قوة تجاه سياسات إثيوبيا المتعنتة فى ملف سد النهضة مع اقتراب موعد الملء الثانى للسد. كما شهدت الزيارة تباحثاً حول أهم تطورات النزاع على الحدود السودانية الإثيوبية، والمشهد الأمنى فى البحر الأحمر.

إن السودان امتداد طبيعى لمصر منذ الأزل. وهى ليست بمعزل عما تتعرض له القارة الإفريقية من مخططات وأجندات دولية تستهدف زعزعة الاستقرار لخدمة مصالح قوى دولية متربصة من وراء البحار، منذ قررت أمريكا عسكرة سياستها تجاه إفريقيا بإنشاء القيادة الأمريكية لإفريقيا عام 2008، والتدخلات الأوربية والتركية وحلف الناتو فى إفريقيا، بل والتواجد الروسى والصينى سياسياً وعسكرياً وتجارياً.

كان لابد من تعزيز أواصر العلاقات بين الشقيقتين التقليديتين مصر والسودان لمجابهة تحديات شتى تلوح فى الأفق. فلا غنى لإحداهما عن الأخرى، ومصر لم تتخلى عن السودان فى أزماتها؛ لا سيما فى أزمتى جائحة كورونا وأزمة الفيضان، وقدمت ما استطاعت تقديمه فى ظل أزمة اقتصادية تعصف بالجميع بعد وباء طال أمده وتفاقم ضرره. وكان وقوف مصر لدعم السودان واجباً بين أشقاء جمعهم تاريخ ممتد وواقع شائك ومستقبل مشترك.

والسودان كمصر تتمتع بموقع استراتيجى وحيوى وبإمكانيات وموارد كثيرة غير مستغلة الاستغلال الأمثل؛ فهى معبر رئيسي بين شمال إفريقيا وجنوبها، وظلت حتى منتصف القرن الماضى ممراً رئيسياً لقوافل الحجيج والتجارة بين السعودية وشرق إفريقيا، وغالبية سكان السودان الذين يبلغ تعدادهم نحو 42 مليون نسمة مسلمون مع أقلية مسيحية وعدد أقل يدين بمعتقدات محلية، وتشترك السودان فى حدودها مع 7 دول هى مصر وإريتريا وإثيوبيا وليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان.

هذه التوأمة والتعاون المشترك والزيارات المتبادلة بين القاهرة والخرطوم هى عودة للأصل في طبيعة العلاقات.

لقد أكد الرئيس السيسي فى كلمته خلال المؤتمر الصحفى الذى جمعه بالفريق أول عبد الفتاح البرهان رفض البلدين سياسة الأمر الواقع بشأن ملف سد النهضة الإثيوبي وضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم وعادل يراعي مصالح دول المصب وقال إن المباحثات المصرية السودانية اليوم، أكدت على حتمية العودة إلى مفاوضات جادة وفعالة، مع ضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة يراعي مصالح الدول الثلاث - مصر وإثيوبيا والسودان.

وفى تصريحاته أكد الدكتور على يوسف الشريف رئيس المبادرة الشعبية المصرية السودانية أن زيارة الرئيس السيسي للسودان جاءت في وقت تاريخي وحرج، وأنها بمثابة إنذار أخير لإثيوبيا بأن مصر والسودان لا تقبلان باستمرار طريقة عملها المرواغة، وأن عدم التوصل لاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص سد النهضة يضطرنا لاتخاذ أسلوب آخر تصاعدي لحل الأزمة. وقد اشترك مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق لشؤون السودان السفير وائل عادل نصر فى ذات الطرح بقوله: "من الواضح أن إثيوبيا تخطت حدود العقل في كل تصرفاتها، فهى تتحرك وكأنها قوة عظمى لا رادع لها في أفريقيا، وقد مضت سنوات عديدة نتفاوض من أجل الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف فيما يتعلق بسد النهضة".. واعتبر أن أديس أبابا تتفاوض من أجل التفاوض ليس أكثر من أجل كسب الوقت والمضي قدما في عملية البناء وملء السد بصورة أحادية دونما اعتبار للأطراف الأخرى فيما يمكن أن نسميه "عربدة سياسية"، مشدداً على أنه لا يمكن لأحد أن يتصور أن مصر والسودان سوف تقبلان أن تكونا تحت رحمة إثيوبيا.

كانت تلك زيارة تاريخية ذات مغزى ورسالة، ولاشك أن الرسالة وصلت لإثيوبيا، وأن لها ما بعدها.

 

عبد السلام فاروق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم