صحيفة المثقف

سونيا عبد اللطيف: قصيدة الهايكو منذ نشأتها إلى ظهورها في تونس

سونيا عبداللطيفسافرت عبر عدّة مواقع على الإنترنت في رحلة أبحث عن منشإ قصيدة الهايكو أو ما يسمّى هائيكو فعثرت على عدة دراسات .. بعض الأراء تتفق فيه جاعلة له شروطا مدروسة.. أخرى تتضارب وترفض رفضا قاطعا هذا الجنس الأدبي ولا تصنّفه شعرا، فئة ثالثة تتنازع إذا كان النص في حد ذاته تصحّ فيه تسمية هايكو أم لا... وذلك شأن  كلّ جنس أدبيّ جديد يظهر في السٍاحة الثّقافيّة فإنّه يلاقي الويل ويتعرّض للهجمات والانتقاد من كلّ الألوان كما حدث مع قصيدة النّثر التي مازالت تعاني إلى اليوم ..

إلاّ أنّ جلّ المنظّرين والنّقاد والدّارسين اتّفقوا على أنّ قصيدة الهايكو جنس من الشّعر منبعه اليابان وقد انحدر من قصيدة الرّنغا في القرن الثّامن والتّانكا التي كانت في بدايتها تتكون من 31 مقطعا تتوزّع على خمسة أسطر ( 5-7-5 7-7) وكانت تنظّم في شكل مقطوعات شعريّة تسمّى تانكات أصولها تعود إلى مباراة شعريّة تقام في الأوساط المثقّفة ومجالس النّبلاء وهي لعبة ارستقراطية شاعت في دوائر الإمبراطوريّة حينها، يقوم فيها شاعر ما بإلقاء بيت شعريّ يدعى "هوكو" ويتولّى الباقون بتكملته ببيت ثان وثالث.. وهكذا..

وفي أواخر القرن السّابع عشر شهد قصيد الهايكو تطوّرا وتجديدا وأصبح فنّا حقيقيّا متميّزا يُضفي جوّا من الطّرافة على مجالس أهل الأدب (هائيكائي نو "رنغا") أي شعر التّرفيه.. ولمّا انتشر بين أوساط طبقات المجتمع وصار عامّا فقد شيئا من قيمته الشعريّة فأسقطت منه الأبيات الثّانوية واختصر في بيت واحد أساسي هائيكائي نو هوكو وهايكو أو هائيكو اختصارا لتلك التسمية.. و"هاي" تعني التّرفيه والضّحك و "كو" تعني كلمة او مفردة... فهي كلمة المتعة والدّهشة...

معلّم ومؤسّس قصيدة الهايكو الأوّل هو الشّاعر الياباني مانسو باتشو (1644- 1694) ومعاصريه مثل الشّاعر والرّسّام  بوسا بوسون (1716- 1783)

والشّاعر ماسا أوكا شيكي (1867- 1902) وغيرهم.. فهم الذين وضعوا لها شروطها وخصائصها وحتى مضامينها فضبطوها في 17 مقطع باللّغة اليابانيّة توزّع على أسطر ثلاثة (5-7-5) ومفرداتها كونيّة تعبّر في المطلق لا تحتمل الانزياحات ولا الوصف ولا التّدبير منطلقها عقيدة وفلسفة الزّنّ التّأمليّة التي درسها باتشو على يد الكاهن البوذي بوتشو (1642- 1715) فهذا المذهب هو رحم وروح الهايكو بما تعنيه من استغراق في التأمل إلى حد بلوغ الاستنارة واليقظة.. ومفردات قصيدة الهايكو مختزلة مكثّفة تعتمد على الدقّة والإيجاز والاختصار والبلاغة بكلمات بسيطة وقليلة تعبر عن مشاعر جيّاشة وأحاسيس عميقةٍ غالبا تكون فيها الأسماء نكرة وأفعالها تكتب في المضارع لتشدّ المتلقّي فيعيش الهايكو كما لو أنّ الصّورة تحدث أمامه لحظة قراءته لها... بالتّالي كلّ حرف أو كلمة أو تعريف زائد يفقد قصيدة الهايكو وزنها وقيمتها ويثقلها فالأسطر يجب أن تنساب بنسق مميّز  والمفردات ترد في سلاسة..

ثم انتشر هذا الجنس من الشّعر في أواخر القرن التّاسع عشر والقرن العشرين وتخطّى حدود اليابان الجغرافيةِ بعد أن صار متداولا ومستهلكا بين كلّ شرائحِ مجتمعه وعامّة النّاس كما فقد شيئا من هيبته إذ كان يختصُّ به أهله ومقيمو البلاط ومجالسُ الأدب.. ومن ثمّ عمل الكثيرون على تطويره وتجديده حتى داخل اليابان نفسه.. فأصبح قصيد الهايكو لا يقتصر على مواضيع الطّبيعة والفصول والحبّ والشّوق والهجر والرّوح والإنسان كما وقع الاستغناء عن عدد مقاطعه 17 التي يمكن أن لا تتجانسَ الكتابة اليابانية ولا تتواءمَ مع اللغات والصّوتيات الأخرى في العالم... وتناولوا في قصيدة الهايكو كلٍ المواضيع وطرحوا فيها القضايا بشتّى أنواعها ( الوطنية والاجتماعية والسياسية والإنسانية..) لتعبّر عن حياة الشّاعر ومعاناته...

يقول النّاقد العراقي عذاب الركابي:

" لكل بيئة، الهايكو الذي يمثّلها مادامت الطّبيعة هي مادّته.."

ونجد مثلا الشاعر علي دبدوب في هايكو يقول معبّرا عن قلقه إزاء الحرب:

يحرس الأرض

يقلّم الزيتون

وأفكاري

أبي

وكتب الشاعر قاسم حبابة معبٍرا عن الفقر في المجتمع في هايكو له:

من رائحة الشّواء

يتناول الخبز

فقير

(هذه الهايكو الأخيرةَ يوجد ما يشبهها في قصص البخلاء الطّريفة التي تروي قصّة رجل فقير جعل قطعة خبز وجدها أو تسوّلها قبالة بخار الشواء في مطعم فطالبه صاحب المطعم بثمن الرائحة..)

بعد دخول قصيدة الهايكو أمريكا وبلدان الغرب وترجمتها ومحاكاتها قراءة وكتابة دخلت أيضا بلدان الدول العربيّة بترجمة نصوص الهايكو من اللغة الإنجليزية أو اليابانية... و غيرها إلى اللّغة العربيّة.

ويعتبر الشّاعر والأديب الفلسطيني عز الدين مناصرة أوّل من كتب قصيدة الهايكو وله ديوان من هذا الجنس كتبه سنة 1964 وقد عانى ما عانى من الانتقاد والسخرية من أدباء عصره وهو يعتبر أشهر من كتب هايكو " تانكا" إذ خرج عن إطار التّصوير الشّعري إلى توسيع الهايكو العربي إلى مستوى التّوقيعة الشّعرية التي تتنافى وقواعد الهايكو التّقليدي ويعرّف مناصرة الهايكو فيقول :

" الهايكو قصيدة قصيرة مكثّفة تتضمّن حالةَ مفارقةٍ شعريّة إدهاشيّة ولها ختام مدهش مفتوح أو قاطع أو حاسم وقد يكون قصيدة طويلة إلى حدّ معيّن وقد تكون قصيدة توقيعيّة إذا التزمت الكثافة والمفارقة والومضة والقفلة المتقنة المدهشة...

بمعنى أنها قصيدة تنزع إلى التّضاد والتّقابل"

ويقول عن مهاجمته له عند تجربته في كتابة قصيدة الهايكو وتطويرها :

" رجعت من المنفى في كفّي (خُفّي حُنين) حين وصلت إلى المنفى الثٍاني سرقوا منّي الخُفّين.. "

يقول مناصرة ان الهايكو هو فرع من فروع التّوقيع الشعريّ.. وبذلك صار للهايكو عدّة مسارات وجعلوا له مهرجانات ومجلاٍت وتقام له النّدوات...

ومن هايكاته:

* سلاما آه يا أبتاه إن تعبوا فلن أتعب

وإن ركضوا إلى أعدائهم طمعا

فلن أذهب

 

*انا امير

أنت أمير

فمن يا ترى يقود هذا

الفيلقَ الكبيرْ

 

* الأفعى لا تُخلي حَجَرا إلاّ بالفأس

الأفعى لا ترْحل بالموسيقا

الأفعى لا ترحل إلاّ إن قطع الرّأس

 

كما يعتبر  الأديب الدكتور عبد الكبير الخطيبي المغربي ( وهو مدرس في السّوربون وله عدّة دراسات أدبيّة كما يتقن عدّة لغات وهو مطّلع على ثقافات العالم ) أنّه من أوّل المؤسّسين لقصيدة الهايكو الذي شهد تألّقا على يده عند العرب

يقول في إحدى  هايكاته الشّهيرة :

مثل سيف ينغرز

في أحشاء طفل

إنّه الحزن

فقصيدة الهايكو تكون عفويٍة ومقتضبة تشبه الطّفل الصّغير حين يقول جملته التي تأتي على لسانه عفويّة وفي مقاطع متفرّدة..

يقول الشاعر سامح درويش يعرف الهايكو بهايكو له :

أن تكتب كطفل

بخبرة شيْخ

هو الهايكو

وفي المشرق لم تلقَ قصيدة الهايكو إقبالا وقبولا ولا صدى كبيرا إلاّ من فئة قليلة تناولوها وكتبوها ومن هؤلاء تضلّعت الشاعرة السورية إيناس أصفري في كتابته فتقول في هايكو إنساني نبيل:

أصابعه

ترى وجه حبيبته

الكفيف

قصيدة الهايكو عُرفت عند العرب  بعدّة تسميات مثل التّوقيع، الومضة المدهشة، الشذرة، إضاءة، ومية، تكثيف، برقة، لغة الحاسٍة السّادسة، قصيدة ناعمة، ايبغرام...

وهي قصيدة صنّفوها كونها لا تقبل التّأنق أو التّدبر أو التّفكير..فهي عفويّة وبسيطة تأتي في جمل متضادة كإشارات أو تلميحات.. كصورة خاطفة.. أو لقطة بارقة..

مثال لذلك كتب تشيكي في هايكو يقول:

وبل في الصّيف

المطر يهطل

على رؤوس أسماك السّيوط

 

ويقول ليوسون:

أصبع البنّاء

المجروح

وزهور الآزاليا الحمراء

 

إن كاتب قصيدة الهايكو انسان مُرهَف الأحاسيس، دقيق المشاعر، فطن منتبه للأشياء البسيطة والتّفاصيل الدّقيقة التي من حوله والتي لا يتفطّن لها الآخرون..

يعبّر أونيتسورا عن عمق إحساسه بما يخطف بصره يقول:

تغوص روحي في الماء

ثم تطفو

مع طائر الغاق

ويقول أستاذ الهايكو باشو:

صفصاف أخضر

تتقاطر أغصانه على الطّمي

أثناء الجزر

اختلطت المفاهيم حول كتابة الهايكو فمنهم المدافعين عن خصائصها التقليدية الرّافضين للتّجديد باعتباره جنس أدبي مرتبط بتاريخ معيّن... فئة ترى أنّه يمكن الانطلاق بالهايكو إلى كتابة نصّ شبيه متطوّر مستوحى منه في سياق جديد...

ولكن كيف سيتم الفصل بينهما وماذا ستصبح التّسمية للنّصّ المبتكر عن القديم؟

فئة ثالثة حسب قول الشّاعر عبده فايز الزبيدي وهو الآخر يُعتبر رائد شعر الهايكو في العربيّة وقد وضع لها قوانينها كما جاءت في أصلها التٍقليدي ويرى أنها نصّ شعريّ موزون سطريّ لا يلتزم بقافية.. وتمارس  في نص قصير تكون تسميته هايكو.. ويصرّ على شروط كتابته في 17 مقطع توزّع على ثلاثة أسطر (5-7-5) وقال أنّها قصائدُ إصغاء إلى الطّبيعة والكائنات، إصغاء إلى لغة الأشياء وما تقوله الحياة من كلمات على لسان الرّيح، المطر، البرق، الثّلوج،.. فهي لغة العناصر الموجودات السّاكنة والمتحرّكة، لغة الوردة، لغة النّبع، لغة الطّير. وعبّر عنها باتشو كونها لغةَ الزّاهدين وبالتالي فاللغة فيها تكون متقشّفة تنطوي على جمال سرّ الوجود وعلى فتنة الإدهاش في صورة شفافة رقيقة تعكس طبيعة حياة باطن قائلها وعمق إحساسه...

إنّ قصيدة الهايكو انتشرت واشتهرت عند العرب، خصوصا في المغرب فجعلوا لها مهرجانات خاصّة، قراءة ونقدا وتنظيرا.. ومن أهمّ روّادها المهتمّين بهذه التّجربة نور الدين ضرار الذي له انطولوجيا للهايكو وله إنتاج إبداعي في ذلك الجنس كما له كتاب جمع فيه أعمال عشرة شعراء لكل منهم تناول عشرة هايكوات، وله أيضا كتاب جمع فيه مختارات من الهايكو المغربي.

وفي هذا الصدد يقول ضرار :

" إذا كتبنا الهايكو كما ظهر في القرن 17 فهو استنساخ له ومن باب التّقليد الأعمى فالهايكو بدأ مع باشو بثباتِ بنيته الهندسيّة لكنّه يخضع للتطوّر عبر حساسيّات شعريّة متباينة وتصوّرات إبداعيّة متنوّعة وهو مثل كلّ الفنون قابل للتّهجير والتّصدير انطلاقا من أرخبيله الأصلي لجغرافيات أخرى متاخمة أو متباعدة بلغات مرادفة وجماليّات مغايرة.. "

ويقول الشاعر سامح درويش وهو اليوم علاّمة معروف في تجربة الهايكو كتابة وتنظيرا وتنظيما :

" كتابة الهايكو اليوم لا تعني الرّجوع إلى عهد باشو وإيسا وشيكي وغيرهم من الشّعراء اليابانيّين الذين أسّسوا لهذا النّوع الشعريّ كلّ حسب مرحلته.. الهايكو إذن شهد تطوّرا مستمرّا داخل اليابان نفسه.  إذ لم يعد شَرطا مرتبطا بالطّبيعة بل أصبح يعبّر عن مختلف المواقف الإنسانيّة والمجتمعيّة.. كما أنّ هناك نقاش مستمرّ حول حدود المجاز والكلمة الفصليّة والقواعد الصّوتية في الهايكو ممّا يعني أنّنا اليوم نكتب هايكو مناسبا للّحظة ويعبر عن قضاياها واختلاجاتها الإنسانية.. "

هذا ما عبّر عنه درويش بسبب اختلاف الأدباء في فكرة قبول الهايكو كشعر بين رفض وقبول وسخريّة وتنقيص من قيمته ولجهلهم بفنيّاته وعدم إدراكه واستيعابه خاصّة من قبل دعاة الحفاظ على جنس الشّعر العربي..

أمّا عن الهايكو في تونس.. كيف بدأ ومع من بدأ ومتى بدأ... فلا توجد دراسات كافية وشافية... فلقد تصفّحت عدّة مواقع إلكترونيةٍ فلم أعثر على دراسة حول جنس كتابة الهايكو سوى مقالة للشّاعر التونسي سوف عبيد بعنوان " مدخل إلى قصيد الومضة" فقد أتى على مفهوم كلمة الومضة لغة واصطلاحا عند العرب وتسمياتها المختلفة، مشيرا أن  قصيدة الومضة بدأت في أواخر القرن العشرين مع:

صالح القرمادي

محمد الحبيب الزناد

الطاهر الهمامي

عزوز الجملي

هؤلاء ساهموا في إظهار هذا الجنس الجديد من الكتابة في الشّعر التّونسي.. ويضيف في مقاله أنّ الدّائرة في كتابة الهايكو توسّعت من بعدهم فلحقهم الكثيرين، بعضهم يكتبونها للتّنويع في أعمالهم الأدبية.. وبعضهم تجربة يريدون خوضها..

آخرون اختاروها جنسا تخصّصوا وتعمّقوا في كتابته وعملوا على تطويره... مثل الشاعر سالم اللبان الملقب في تونس بالهكواتي والذي كان ومازال مخلصا لنمط كتابة الهيكات أو الهكوات اليابانية ووفيّا لمبدعها ومعلّمها الأول باشو..

ثم واصل العديد من الشّعراء كتابة الهايكو في القرن 21 فتعاملوا معه كلّ بطريقته معتمدين الإيجاز والتّكثيف والبلاغة والمباغتة والدّهشة في السّطر الأخير منه.. فكلّ شاعر تناولها من زاويته بحسب ارتباطه بمحيطه وعالمه وتأثيره عليه سواء فيما يتعلّق بالإنسان وقضاياه والبيئة التي ينتمي إليها أو المتعلّق بهموم الإنسان وحياته اليوم أو بالتعبير عن ذاته وأحزانه..

كما يمكن القول أن الهايكو أصبح موضة استحسنها البعض، كما نقدها البعض الآخر خاصّة شعراء العمودي.. قالوا أنها جنس أدبي يعود لتراث ليس تراثنا وأن ذلك يسيء إلى مدوّنة الشّعر العربي القديم .. كما يوجد من الشعراء من يقول ويدعي أن العرب قد ابتعدوا هذا الصّنف من الكتابة منذ العصر الجاهلي.. فكتب وقرئ في المجالس الأدبية في حضرة الملوك والسّلاطين في شكل بيت واحد وسميّ ب"البيت اليتيم".. ولهم في كتابته مقاصد وغايات وحكم وعبر...

كما أشار الشاعر سوف عبيد أن الشاعر التونسي الحبيب مرموش قد جرب كتابة الهايكو في مجموعة له أطلق عليها اسم "القصائد المهرّبة" ثم مجموعة أخرى أعطاها عنوان "قصائد البرقيات" .. وجعل لهذه البرقيات أو الومضات عناوين متنوعة معبّرة عن قضايا مختلفة جاءت في صيغة المفردة الواحدة وغير معرّفة.. مثل : حيرة، حلم، قبلة، حنين... وجاءت عناصرها في صيغة المصادر أي عمد إلى الأسماء المشقة وتفيد المطلق والتّجريد... ووزعها كما توزع مقاطع قصيدة الهايكو في أسطر ثلاثة بطريقته وأشار الشاعر سوف عبيد أن الحبيب مرموش حافظ على صفة أو خصوصية الثّلاثة فبعد أن كتب كلّ ومضة في ثلاثة أسطر جعل كلّ ثلاث ومضات مجمّعة في صفحة واحدة تشترك في الفكرة أو في العناصر وكأنه يريد أن يشكّل بها وحدة أو قصيدة طويلة تتكوّن من فقرات..

وقد أطلق بعض الشّعراء في تونس على هذه الومضات اسم نبضات وشذارات و برقيات.. في حين حافظ البعض على التّسمية الأولى لها وهي الهايكو... معتمدين دوما نفس الخصائص في توزيع السطور من ثلاثة إلى  خمسة... وتركوا عناصر الطبيعة فيها محور القصيد..

وفي سياق حديث للشاعر التونسي ناجي الحجلاوي قال للصحفي الذي حاوره أنّ محمد البدوي له عمل تحت عنوان "شعر الثورة" قد ضمّنه جزئين أعطى للجزء الأول اسم "وميض" وللجزء الثاني اسم "بريق"  وهي نصوص قصيرة تحاكي قصائد أحمد مطر إذ يقول أنّ العصر تغيّر وأوجب السّرعة لذلك لابدّ أن تختزل القصيدة في الومضة واللحظة الكاشفة... وأشار الناجي الحجلاوي ان تونس عرفت في العشرينات تجربة في الشّعر شبيهة بالومضة التي تكتب اليوم على يد الشاعر السّعيد أبي بكر (1899 - 1948) الذي أصدر مقطوعاته القصار سنة 1930 بعنوان "الزهرات" وله مجموعة أخرى عنوانها "السّعيديّات" ..

ويضيف الشاعر الحجلاوي أنّه يجوز للشعر ما لا يجوز لغيره فهو وحده مخوّل للهدم من أجل البناء (بناء الذات)، فكل شاعر حالم وحاكم منذ جمهورية أفلاطون والشّعر ملح الأرض والعالم صار غرفة ضيّقة بالتالي فالشّعر هو الذي يحدّد ماهيته وكذلك الأدب، فإذا تحقّق المحتوى الفنّي الإبداعي تحقّق فيه الخطاب وذلك دليل كاف على أن ماهية الأدب قائمة،  وأنّ رسالة الشّعر حركة نابعة من النّفس فهي لا تهدأ أبدا...

في الختام ..

- هل يمكن القول أن كلَّ من كتب هايكو مقلّدا له ومحافظا على خصائصه كما ظهر مع مؤسّسيه يعتبر مبدعا... ؟

- هل يقف المبدع عند إنجازات الآخرين؟

- هل يقتصر المنجز الشّعري على تقديم أعمال مماثلة للسّابقين والوقوف عندهم.. أم أنّ المنجز الحقيقيّ هو الذي يبحث عن التّطوير والتّجديد المبتكر والتّحليق بالنّص بعيدا من أجل الأفضل والأجمل والأسمى...

- وأن يسمّي الشاعر كاتبُ قصيدة الهايكو نفسه "هايكست" أليس دليل على أنّه يبحث عن المغاير والمخالفات، ودليل على التّطوير والتّوسّع والتّنويع وعدم الوقوف عند نقطة رسمها السّابقون..

- وبالتّالي هل سيعمل بيت الهايكو الذي وقع تأسيسه سنة 2020 في تونس العاصمة وجعلوا له نادي في فضاء ابن رشيق الثّقافي على تقديم إضافة للهايكو وتطويره في تونس أم أنّه سيختصر على التّقليد لهايكو باشو القديم والدّفاع عن تراث ياباني ليس لنا... ؟

- أخيرا، هل يمكن اعتبار تلك الحكم والأمثلة والألغاز والتّشنشينات.. المتواجدة في تراثنا وبلغتنا أنها هايكو تونسيّ يمثلنا ويشبهنا فيجب البحث والتّنقيب فيه بتوثيقه أولا ثم الانطلاق منه قصد العمل على إحيائه وتجديده، فالإبداع يجب أن ينطلق من أصولنا وجذورنا... مع الانفتاح بطبيعة الحال على إبداعات الدّول والحضارات والثقافات الأخرى لخلق نوع من الأدب التونسي الجديد اللاّفت للنظر... ويمكن اعتماده وتسجيله في مدوّنة الشعر التونسي..

 

سونيا عبد اللطيف

تونس 27 /03 /2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم