صحيفة المثقف

صلاح حزام: متى يكون خطابنا علمياً واقعياً ونتخلى عن اللغة الرغائبية؟

صلاح حزامبالرغم من كل التجارب المرّة والهزائم والانتكاسات التي يتعرض لها الشخص، فأنك تجده مصرّاً على مفاهيم قديمة واهداف أثبتت انها غير قابلة للتحقق.

سلوك هذه الاكثرية من مجتمع ما لهذا المسلك في التفكير والتصرف، يتحول الى هوّية لذلك المجتمع والى منهاجٍ عامٍ طاغٍ لايمكن مقاومته والوقوف في وجهه.

القلة التي ترى الأمور بمنظار مختلف ولها اهداف واقعية وعقلانية قابلة للتحقق ( لأن اسباب وعوامل تحققها موجودة)، هذه القلة يتم سحقها وتوجيه التهم الشنيعة لها كالتخاذل والعمالة والاجندة الاجنبية الخ ...

لقد ضاعت اعمار أجيال بأكملها وهي تجري وتُساق كالاغنام وراء سراب من العقائد والشعارات الكاذبة التي لايؤمن بها حتى أكثر المتحدثين عنها وأكثرهم صخباً في الاعلام .

هنالك حقائق في الحياة لايمكن تجاوزها ونكرانها ، والحياة الدنيا ( وانا أخاطب المتدينين هنا)، هي ليست حياة الفردوس الموعود التي يديرها الله سبحانه وتعالى ، بل يديرها أشخاص معظمهم سيئون من وجهة نظر دينية ويبحثون عن مصالحهم ومصالح بلدانهم بأي ثمن .

لاتوجد معجزات ولم يعدنا الله بأن يرسل لنا معجزاته عندما نحتاج اليها .

الله لم يدعم انبياءه عندما قُتِلوا وتم أضطهادهم بل طلب منهم الكفاح والصبر . وقال : (وليس للانسانِ الّا ماسعى ).

اذن من اين جاء النفس غير الواقعي العنيد عناداً يشبه عناد البغال ؟

أقرأ أشياء تنشر في وسائل الاعلام الالكتروني وأعجب من عملية التثقيف المستمرة بالرغم من كل وقائع التاريخ القديم والحديث ..

-  دعوات للقطيعة مع الغرب

- دعوات للاعتماد على الذات ( وكأنما بقيت هنالك ذات)

- دعوات للتحالف مع بقايا المعسكر الشرقي الذي لم يعد موجوداً. والذي دعم كل طغاة العالم في وقته نكاية بالغرب .

- دعوات لاحياء الصراع العربي/ الفارسي الصفوي المجوسي.

- استمرار التبجّح بالماضي الجميل (الذي لم يكن جميلاً) والسعي لاسترداده.

- الاستمرار في خلق ابطال قوميين مزعومين من بعض الرجال القتلة التافهين عديمي الضمير وتمنّي ان نصنع مثلهم مجدداً مع انهم ذبحوا الأخضر واليابس!!

- الاعتقاد بالقدرة على مواجهة كل العالم لاننا اصحاب قيم ومباديء (وكأنما ان الانبياء الذين تم قتلهم والتنكيل بهم لم يكونوا من اصحاب القيم).

- الاصرار على منطق استخدام العنف والقوة مع ان استعمالها في السابق كانت نتائجه كارثية علينا.

- يتناولون التاريخ بشكل مشوّه وحسب امزجتهم دون استعداد لمحاكمته لاستخلاص الدروس كما يفعل العالم العاقل. مع ان التاريخ قد يكرر نفسه.

ذات مرة وأثناء مشاركتي في ندوة علمية في التسعينيات ذكرتُ عبارة "الحضارة الفارسية"، وهنا وقف في وجهي أحد المتشدقين التافهين عديمي القيمة والمعنى محذراً من ترديد هذه التسميات الكاذبة . وقال بالحرف الواحد: هؤلاء ليسوا أصحاب حضارة ابداً، ونحن العرب من نقل لهم الحضارة والتمدن والثقافة الخ .. (يقصد نقلناها لهم من الصحراء)!!!

واردف قائلاً بشكل سخيف ومضحك: كيف ننسب مجداً لعدونا؟؟

لم ارد عليه لانه لم يكن يستحق الرد، ثم ان الرد عليه قد يضعني في خانة اعداء الأمة والمشروع القومي الكبير.

لكن الحضور الاذكياء سخروا منه.

لازال البعض يعتقد "بأن افضل طريقة لمعالجة الصداع هي قطع الرأس"..على حد تعبير أحد الأصدقاء القدامى المحترمين.

لا يستطيع هؤلاء الأشخاص ان يتقبلوا حقيقة انهم ليسوا ذاكرة العالم وان الانسانية لها تاريخها المعروف والمتفق عليه ، على الأقل في خطوطه العامة.

لايمكن هزيمة الاعداء بتلفيق الاخبار السيئة عنهم وتشويه تاريخهم فقط دون قدرات حقيقية .

وماهي القدرات الحقيقية حسب تفكير هؤلاء؟ انها شتائم وبذاءة ومفاخرة بامجاد السلف قبل آلاف السنين، دون انجازات في الوقت الحالي .

يتشدق هؤلاء بأن كل شيء لدى الغرب أخذوه منّا !! ولنفترض ان هذا صحيح ،تجنباً للجدل الفارغ معهم ،

السؤال هو : ماذا نريد من العالم المتقدم؟ هل نريد ان يقدّموا لنا نسبة من الارباح من منتجاتهم لاننا اصحاب الاختراعات الاصلية؟

هل نريد ان يقدّموا لنا الشكر والتقدير؟

نعم كانت لنا حضارة عظيمة، ولكن اعقبتها قطيعة لآلاف السنين ..

لم نكن أمناء على ذلك الإرث الحضاري أبداً.

ختاماً، اذا كان الاوربيون قد ظلمونا واحتلوا بلداننا وسببوا لنا الخراب في الماضي ،حسب رأي هؤلاء ، أذن ما العمل الآن وكيف نتعامل معهم ؟ نستمر بالشتم والنواح على الماضي واستعراض حجم الألم الذي سببه لنا هؤلاء الغزاة؟ ام نبحث عن علاقات جديدة تستفيد منها كل الأطراف ونستفيد من حقائق الصراع في العالم بين الكبار لتحقيق منافع لبلداننا ؟

هل لدينا مشروع وطني مستقل قابل للحياة؟ طردناهم وحصلنا على استقلالنا منذ الخمسينيات ، فماذا حصل؟

الحكم لكم ..

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم