صحيفة المثقف

كاظم الموسوي: عن صانعي التاريخ: (2-1)

كاظم الموسويفي كتاب عنوانه (تاريخ العراق المعاصر 1914- 1968 دراسة في الجانب السياسي) منشور على الإنترنت، نسخة إلكترونية، من تأليف الدكتور محمد عصفور سلمان، بدون صورة غلاف ولا رقم طبعة ولا زمانها ولا دار نشر ولا مكانها، معدّ للتدريس وفق مقدمته، وتقسيمه المرحلي حسب مفردات المنهج التعليمي الرسمي، وهو من هذا الجانب يتابع التطورات السياسية بتقليدية مهنية، وطبيعة تدريسية أكاديمية. معتمدا على مصادر ومراجع عراقية غالبا، ومتابعا التطورات تاريخيا عبر مراحل الفترة المحددة في العنوان. وهي فترة غير قصيرة، ومهمة دراسيا وتاريخيا. وفيه جهد ملحوظ واستحقاق لمهمته.

قسم المؤلف الكتاب إلى ستة فصول وملحقين، الأول فهرس عن الوزارات العراقية في العهد الملكي، والثاني معلومات مختصرة جدا عن بعض شخصيات ذلك العهد. وتناول الفصل الأول (الاحتلال البريطاني للعراق 1914-1918)، والفصل الثاني: ثورة العراق التحررية عام1920 وقيام النظام الملكي في العراق، وتضمن الفصل الثالث العلاقات العراقية ـ البريطانية 1922-1932 وموقف القوى الوطنية، ودرس الفصل الرابع التطورات السياسية في العراق وقيام الحرب العالمية الثانية حتى عام 1948 وبحث الخامس الانتفاضات الوطنية وأثرها على الوضع السياسي في العراق 1948-1958 أما الفصل السادس فدرس العراق في العهد الجمهوري حتى عام 1968 .

ما لفتني في الكتاب مصادره ومراجعه، المعتمدة أساسا على دراسات ورسائل وأطاريح دارسين عراقيين، بما يعنيه من اهتمام وتوجُّهات معرفية، وقدرات بحثية وإمكانات متوافرة. وهو ما أدعو له، وأحث مع غيري طبعا، أن تولي المؤسسات التعليمية العليا، وزارة وجامعات وأقسام التاريخ والعلوم السياسية واللغات وكليات الآداب والاقتصاد والحقوق وما يشترك معها في الاختصاص والاهتمام، أن تولي هذه المواضيع أهمية أكبر في البحث والتوثيق والقراءة والتحليل، حفظا للأدوار والمكانة والقدرات التي عملت وقدمت ما تمكنت عليه في ظروفها وأزمانها ووعيها في بناء الدولة العراقية. وأغلب الشخصيات من صانعي التاريخ العراقي، ومراحله في تموجاتها وتطوراتها، والفاعلين في أحداثها ونتائجها.

وفي زمن التطورات التقنية، والإنترنت، وبرامج التحديث والأرشفة وغيرها، لا بُدَّ من الاستفادة منها وأرشفة كل تلك الجهود الأكاديمية في قاعدة بيانات وبحث إلكترونية وفتحها داخل المكتبات العامة والدارسين والمهتمين في التاريخ الوطني، وصانعيه، في مختلف مراحله والتطورات والتحولات التي شهدها وسجَّلها في صفحاته، بكل ألوانها ومواقفها والمواقف منها.

طبيعي يحسب للجامعات وأقسام العلوم الإنسانية، اهتمامها الأكاديمي في قراءة ودراسة المراحل التاريخية، والشخصيات العامة التي لعبت أدوارها في الدولة العراقية، ويبين مكان الجامعة وأهمية البحث والدراسة لبناء ثقافة أكاديمية جديرة بها من طرفيها، الجامعة وأقسامها وأهميتها ودور الأفراد في التاريخ الوطني. وهم أعداد كبيرة، وتسليط الأضواء عليهم، بحثا وقراءة، مهمة جليلة، وكذلك في تقديمهم أمثلة ونماذج في كل الجوانب التي أسهموا فيها، ورد اعتبار لأدوارهم ونشاطهم وتقديرهم بما لعبوه في حياتهم العملية والسياسية، والأهم في احترام شخصياتهم واعتبارهم التاريخي، بما لهم وما عليهم، ومهما كان الموقف السياسي منهم. ومعلوم لم يجر العمل على البحث فيهم وتقييم تجاربهم ومكانتهم التاريخية، بشكل كامل، إذ ما زالت أعداد منهم طي مخازن الأرشيفات أو النسيان، كأغلب قيادات وكوادر التيارات والأحزاب السياسية، والحكومات والقوات المسلحة، ورجال الصحافة والإعلام، والعلماء والكتاب والأدباء، والشخصيات المستقلة والفاعلة في الحياة الوطنية في العراق، على الأقل في التاريخ المعاصر. وما تم لحدِّ الآن يقدر ويثمن، ولكن ما زالت الحاجة مطلوبة للبحث في صفحات وسجلات التاريخ الوطني. وبلا شك أن مثل هذه الجهود الأكاديمية، خصوصا تعبر عن فعاليتها الأكاديمية من جهة وارتباطها بالدروس والعبر للأجيال الحاضرة والقادمة، ولما يخدم التاريخ والاعتبار منه، وما يوفر خلفيات ثقافية للباحث والدارس الأكاديمي والقارئ الاعتيادي والمواطن المهموم بالراهن وتجارب الماضي القريب واختياراته العملية.

من هنا مسؤولية المؤرخين الجادين والباحثين في التاريخ في البحث والدراسة والقراءة الموضوعية، واحترام التاريخ وصناعته، وتقدير صانعيه وتقييم أدوارهم، والتوقف عند محاولات التزييف والاصطناع والادعاء التي تنبت كالأعشاب الضارة في حقول التاريخ الوطني وبساتين الثقة والنزاهة والأمانة وعقبى الضمير.

القراءة في هذا الكتاب واختياره صدفة تسلط الضوء على نواقص البحث الأكاديمي وشروط النشر العلمي للمصادر والمراجع، ومحاكمة المعلومات والوثائق التي تشير لها أو تضمنتها أقسامه، مثالا ومؤشرا، كما تفتح أبواب الانتباه من مزاعم من يستثمر سهولة النشر والعلاقات العامة وشراء البطانات في الاستكتاب الصحفي والإعلان النرجسي، وخداع التاريخ القادم وغش الأجيال.

أمام ميزان التاريخ ومعاييره العلمية الدقيقة توضع الأدوار والطاقات والكفاءات، وتقدم الأبحاث والدراسات بشمول جدارتها وجهود معرفتها والانطلاق منها إلى الأهداف المرجوة في قيمة التاريخ وقِيَم صنَّاعه ومكانة الفرد في أحداثه، وتقدير كل مسعى شريف وعقل نظيف، يهمه فعلا قول الحق والحقيقة، والنظر إلى وقع الكتابة وتأثيرها على القارئ وصفحات التاريخ، ويكون إنسانا جديرا باسمه حتى لو يدفع أحيانا ثمنا له، كما قال الشاعر محمد مهدي الجواهري:

لثورة الفكر تاريخ يحدثنا….. بأن ألف مسيح دونها صلبا

أو كما اقترح عليه الدكتور طه حسين، وطالبه، أن يقوله:

لثورة الفكر تاريخ يحدثنا….. كم ألف ألف مسيح دونها صلبا

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم