صحيفة المثقف

محمود محمد علي: حرب تيغراي بإثيوبيا تشتد: خلفيات الصراع وتداعياته المحتملة!

محمود محمد عليمنذ الرابع من نوفمبر 2020، تعيش منطقة القرن الإفريقي على وقع معارك دامية بين القوات الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والتي أسفرت في فترة وجيزة عن سقوط العديد من الضحايا وتهجير عشرات الآلاف من الأشخاص نحو مناطق حدودية بالسودان، واتهمت جبهة تحرير تيغراي الشعبية دولة إريتريا المجاورة بنشر قوات لدعم الحملة العسكرية الإثيوبية التي تهدف إلى "استعادة سيادة القانون" في المنطقة.

ففي يوليو 2018، وقعت إثيوبيا وإريتريا اتفاقية سلام، ويخطط البلدان لتعزيز "التعاون الوثيق" بينهما. بعد التقارب، تدهورت العلاقات بين رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وجبهة تحرير تيغراي، والإدارة الإقليمية لتيغراي بشكل حاد.

وتعود جذور الصراع في إقليم تيغراي إلى التوترات بين الحكومة الإثيوبية الحالية برئاسة آبي أحمد الحاصل للأسف على جائزة نوبل وجبهة تحرير شعب تيغراي، التي حكمت إثيوبيا على رأس تحالف متعدد الأعراق على مدار ما يقرب من 3 عقود حتى أُطيح بها في احتجاجات شعبية عام 2018.

وتولّى آبي أحمد السلطة في ذلك العام ليكون أول رئيس وزراء إثيوبي من عرقية أورومو، وهي أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، وبدأ آبي أحمد باتخاذ مجموعة من التغييرات الديمقراطية، حيث أتى آبي أحمد بمشروع جديد مختلف عن النظام السياسي القائم على الفدرالية الإثنية التي أسّس لها زيناوي، وتحدث مرارًا بأن هذا النظام يُضعف الدولة ويخلق انقسامات ومشكلات عنصرية، واعتبرها قنبلة موقوتة تهدّد بزوال إثيوبيا. وبدلًا من ذلك، ركز على ضرورة الاندماج الوطني، وإيجاد هوية وطنية جامعة لكل الإثيوبيين، كما يسميها في الكتاب الذي أطلقه في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، MEDAMER، وهي كلمة تعني "التآزر".

ويمثل الكتاب رؤية آبي أحمد لعلاج مشكلة الاندماج الوطني الإثيوبي، ولكن بعض المجموعات العرقية، مثل القوميين الأورومو والتيغراي، أظهروا تخوّفهم من هذا المشروع، ورأوا أنه يعزز حكم المركز على حساب الأقاليم، ويسعى إلى إلغاء الفدرالية الإثنية.

وفي أواخر عام 2019، وفي خطوة فاجأت المراقبين، حلّ آبي أحمد الائتلاف الذي أوصله إلى السلطة: الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا، ودمج الكيانات الأربعة المكوّنة لها في حزب واحد، أطلق عليه اسم حزب الازدهار. وعلى الفور، اعترضت عليه الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ورفضت الاندماج في هذا الكيان، وقطعت العلاقات مع حكومة آبي أحمد.

وانسحبت من ائتلاف الحكومة للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود. ومنذ ذلك الحين، تصاعد الخلاف وتبادل التّهم بين الجانبين. ففي تموز/ يوليو 2018، وجّه مسؤولون من الحكومة الفدرالية إلى الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي اتهامات بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء في مظاهرات حاشدة في أديس أبابا؛ حين ألقيت قنبلة يدوية بالقرب من المنصة، حيث كان آبي أحمد يخاطب حشدًا جماهيريًا؛ ما خلف خمسة قتلى وأكثر من 140 جريحًا،  وهنا أعطي آبي أحمد الأوامر بشنّ هجوم عسكري ضد الإقليم للرد على هذه الهجمات المزعومة؛ باعتبارها تمردًا يجب إخماده، لتبدأ منذ ذلك الوقت معارك ضارية ما زالت تدور رحاها.

بيد أنه في الأسبوع الماضي انقلبت الأمور في شمال إثيوبيا رأسا على عقب، وبالأخص أثناء انتخابات آبي أحمد، حيث تمكنت جبهة "تحرير تيغراي" من تكبيد الجيش الإثيوبي والقوات الموالية له خسائر فادحة، وطردهم من عاصمة الإقليم الذي يشهد نزاعا مسلحا منذ 8 أشهر؛ وذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية آنذاك، أن جبهة تحرير تيغراي حاولت سرقة المدفعية والمعدات العسكرية من مركز القيادة الشمالية الموجود في الإقليم لأكثر من عقدين، لخدمة وحماية سكان تيغراي من أي تهديدات هجومية

كما أعلنت جبهة تحرير تيغراي الإثيوبية أنها استعادت السيطرة على عاصمة الإقليم مقلي، وبدأت بملاحقة القوات الإثيوبية التي انسحبت بالفعل من المدينة بعد إعلانها وقف إطلاق النار من جانب واحد.. الاتحاد الإفريقي دعا في بيان كل الأطراف إلى وقف الأعمال العدائية وضمان دخول المساعدات الإنسانية بشكل آمن... بينما اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأحداث مقلقة للغاية و تبرهن مرة أخرى على أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة.. فإلى أين يمضي الصراع في تيغراي بعد انسحاب القوات الحكومية؟.. وما خلفية الصراع؟

نبدأ بخلفية الصراع حيث نجد الحزب الحاكم في إقليم تيغراي الشمالي، وطرف الصراع مع الجيش الإثيوبي حاليا، هي "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" والتي هيمنت على الحياة السياسية في إثيوبيا لنحو 3 عقود، قبل أن يصل آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، ليصبح أول رئيس وزراء من عرقية "أورومو"..والأورومو هي أكبر عرقية في إثيوبيا، حيث تمثل ما نسبته 34.9% من السكان، البالغ عددهم نحو 108 ملايين نسمة، يليها الأمهرة بنسبة 27% تقريبا، فيما تعد تيغراي ثالث أكبر عرقية بنسبة 7.3%..انفصلت الجبهة، التي تشكو من تهميش السلطات الفيدرالية، عن الائتلاف الحاكم، وتحدت آبي أحمد بإجراء انتخابات إقليمية في سبتمبر/ أيلول الماضي، اعتبرتها الحكومة "غير قانونية"، في ظل قرار فيدرالي بتأجيل الانتخابات بسبب جائحة "كورونا"..من بين الأمور التي تسببت في تفاقم الخلاف بين تيغراي وأديس أبابا، كان تقديم آبي أحمد مسؤولين بالجبهة للمحاكمة في قضايا فساد، وهو ما رفضته الجبهة وقالت إنه جرى بدوافع سياسية.

وفيما يخص السؤال الخاص بكيفية بدء الحرب في تيجراي، فإنه يمكن القول بأنه في الربع من نوفمبر عام 2020، اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي، حكومة إقليم تيغراي بمهاجمة قوات الجيش الاتحادي المتمركزة هناك، وقال إن الجيش سيستخدم القوة لتأمين البلاد، وبالفعل صادق مجلس الوزراء الإثيوبي، خلال اجتماع استثنائي له من قبل، على إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في ولاية تيغراي، على خلفية اعتداء على قوات الجيش ومحاولة سرقة معداتها.

وهنا قام الجيش الإثيوبي المدعوم بقوات من إريتريا وإقليم أمهرة حقق مكاسب سريعة في أرض الميدان، واستطاع إخضاع الإقليم لسيطرته في غضون أسابيع قليلة، ودخل عاصمة تيغراي، ميكيلي، وأعلن الفوز بالحرب، لكنه أكد استمرار القتال.

في أوائل ديسمبر، بعد شهر من بدء الحملة العسكرية، قالت إثيوبيا، إنها أسرت وقتلت معظم قادة القوة المتمردة في إقليم تيغراي بشمال البلاد، فيما رد زعيم محلي هارب بقوله إن المدنيين نظموا احتجاجات على أعمال نهب قام بها "جنود احتلال"، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، اليوم الاثنين، إن القادة المنشقين في منطقة تيغراي فروا إلى الغرب من عاصمة الإقليم بعد أسابيع من القتال، لكنه أشار إلى أن القوات الفيدرالية تراقبهم عن كثب وستهاجمهم قريبا، ومع ذلك، ظل الصراع قائما، لكنه اتخذ نطاقا محدودا لعملياته على مدار الشهور الماضي، والتي كانت سماتها التقرير الإعلامية والحقوقية التي تتهم إثيوبيا بارتكائب مذابح وجرائم حرب في الإقليم، وظل الأمر كذلك حتى تحول بشكل دراماتيكي قبل أيام؛ إذ تفاقم الصراع بشكل مفاجئ، وسيطرت قوات تابعة لجبهة تحرير تيغراي على مدينة ميكيلي، الأسبوع الماضي، ما دفع القوات الإثيوابية إلى الانسحاب من عاصمة الإقليم، وتم طرد قوات أحمد»، فيما دعت حكومة إثيوبيا لوقف إطلاق نار بعد سقوط عاصمة إقليم تيغراي.

ووفق وسائل إعلام رسمية في إثيوبيا، أعلنت أديس أبابا وقف إطلاق النار «من جانب واحد» في إقليم تيغراي، فبعد أقل من أسبوع من الهجوم المكثف الذي شنته قوات جبهة تحرير تيغراي، انسحب الجيش الإثيوبي من ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي الواقع شمال إثيوبيا، اليوم الإثنين، حسبما قال مسؤول في الأمم المتحدة لشبكة «سي إن إن» الأمريكية.

ويتم استقبال الأخبار بهتافات في العاصمة الإقليمية لتيغراي، حيث شاهد صحفيو شبكة «سي إن إن» تدفق المواطنون إلى شوارع إقليم تيغراي للاحتفال، على الرغم من الدعوات لهم بالبقاء في منازلهم حيث لا يزال الوضع متقلبًا، ويمكن سماع الألعاب النارية مع استمرار الاحتفالات في الليل.

من جانبهم؛ قال شهود عيان في ميكيلي إن جنود القوات الإثيوبية شوهدوا وهم يدخلون البنوك والمكاتب الإعلامية ومكاتب الوكالات الإنسانية قبل مغادرة المدينة، حيث قال مسؤول في الأمم المتحدة: إن «القوات الإثيوبية داهمت مكاتب المنظمة الدولية للهجرة واليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي نحو الساعة الرابعة مساء.. وننتظر ما تسفر عنه الأيام المقبلة وللحديث بقية بإذن الله..

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم