صحيفة المثقف

محمود محمد علي: وداعاً "ميثم الجنابي".. عملاق الفلسفة الاسلامية بأرض الرافدين

محمود محمد عليبقلوب حزينة وأعين ذرفت منها الدموع، ودعنا بالأمس الأحد الموافق 18 / 7 / 2021م..  تلقيت خبر وفاة المفكر العراقي الكبير البروفسور الدكتور "ميثم محمد طه الجنابي" - أستاذ الفلسفة الإسلامية  بجامعة موسكو من بوست نشرة أستاذنا "ماجد العرباوي" علي صفحته علي ألفيس بوك .

وعقب قراءتي له صمتّ وحدي عندما قرأت الخبر الفاجع.. تعطّلت قواي، عادت بي الذّاكرة إلى مواقف كثيرة لا تنسى.. تذكّرت مقولة للإمام عليّ بن أبي طالب  -كرم الله وجهه يقول فيها: "أكره الحق، وأهرب من رحمة الله، وأصلي دون وضوء! فسئل: وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أكره الموت وهو حق، وأهرب من المطر وهو رحمة من الله، وأصلي على الرّسول دون وضوء." .

والله إنّ الموت مكروه مع أنّه حقّ على الأحياء كلهم، خصوصا إذا ما اختطف إنساناً أخاً وصديقاً وفيّا كالدّكتور " ميثم الجنابي " الذي ينضح حبّا إنسانيّا قلّ مثيله. رحل الإنسان النّقيّ الذي لم يحمل ضغينة لأحد كما اعتقد، رحل ليترك غصّة في قلب من عرفوه كلهم، فو الله إنّ العين لتدمع وإن القلب ليحزن، "وإنّا لفراقك يا دكتور ميثم لمحزنون".

ولذلك أقول أي الكلمات لديها القدرة أن ترثى عالماً ومفكراً بالغ الصدق والنبل والنقاء، مثل " ميثم الجنابي ؟! أي الكلمات لديها القدرة؟!، فالذين يتسمون بالصدق والنبل في مهنة الفلسفة الإسلامية قليلون، وقد ازدادوا برحيله قلة!.. لا أظن أنه من قبيل المبالغة أن أقول إنه من أكثر الذين قدر لي أن أعرفهم من أساتذة الفلسفة الإسلامية بعداً عن المداهنة أو المتاجرة بالمهنة لحساب أي سلطة من السلطات بما في ذلك سلطة الرأي العام ذاته الذي كثيراً ما يغازله بعض الكتاب على حساب الحقيقة الموضوعية!.

وقد صدق أنيس منصور حين قال :.. ما معني أن يولد العفن في تفاحة ؟.. معناه أن يولد الموت في أحلي كفن .. وفي أجمل نعش ؟... معناه أننا نحمل الموت في كل خلايانا .. فكل خلية هي نقطة ثوب لعزرائيل ..

2648 ميثم الجنابي

غادرنا الدكتور ميثم الجنابي جسداً لكن ذكراه ستبقي طيبة، مثمرة  ما بقيت الجامعة بين طلبته وزملائه وبين محبي الفلسفة والمعرفة . عرفناه لطيفاً، خدوماً، عميقاً في بحثه، جدياً في عمله، موسوعياً في اطلاعه، والله  لهو في نظري نعم الرجل المتميز، والمنهل الثري، والمفكر التقدمي، والمنظومة المتكاملة من العطاء، وهو أيضاً أحد الرموز الثقافية بمصر والعالم العربي ؛ وهو ليس مفكرًا عَادِيًّا  أو باحثاً كان مبتغاه أن يحصل على المعلومة ويحنطها، لقد كان أبعد من ذلك حيث غطت معارفه مجالات مختلفة.

لن أمل من القول بأن الدكتور "ميثم الجنابي"  كان نعم الصديق الوفي، والأخ الكبير، والسند في الدنيا، ومرشدي في كل أموري البحثية ؛ وهنا أقول له  :" صديقي الحبيب.. رحيلك آلمني وأوجعني أشد ما يكون الوجع، وأحاول أن أستعيد قواي ونفسي منذ رحلت عنا ومازالت المحاولات تبوء بالفشل، فحزني عليك عظيم  أيها العالم الجليل .. آه أيها الموت، أعلم أنك الحقيقة الوحيدة علي الأرض، ولكنك مؤلم عندما تفرقنا عن أغلى الأحباب وأعز الناس.. اللهم لا اعتراض علي قضائك .. اللهم أني راضي بحكمك وأدعوك يا ربي يا حنان يا منان أن ترزق أهله الصبر والثبات على ألم الفراق.

رحم الله الدكتور ميثم الجنابي، الذي صدق فيه قول الشاعر: وليس موت امرئ شاعت فضائله كموت من لا له فضل وعرفان.. والموت حق ولكن ليس كل فتى يبكي عليه.. إذا يعزوه فقدان في كل يوم .. ترى أهل الفضائل في نقصان عدد وللجهال رجحان... إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم اغفر له وارحمه واسكنه فسيح جناتك .. شكرًا ميثم الجنابي علي تاريخك المُشرف للفكر والثقافة والتاريخ ..  وداعاً أيّها الأستاذ والمُعلّم  والبحاثه  ...وستبقى ابداعاتك ونحن بعلمك وروائعك نحارب طيور الظلام وخفافيش التزمت.

نعم رحم الله " ميثم الجنابي " الذى رحل عن عالمنا تاركاً لنا إرثاً عظيماً من الدراسات الفلسفية ممثلاً في مئات من الطلبة والعديد من الكتب والمقالات والأبحاث العلمية ... فهل نستفيد من هذا الإرث؟ أم نكتفي بقراءته والترحم على عصر جميل قد مضى؟، أم نستفيد منه لبناء المستقبل؟.

 

أ.د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم