صحيفة المثقف

عقيل العبود: أمنيات صبي

عقيل العبودلم يُجِبْ بسرعةٍ كما يفعل الآخرون حينَ باغت ذهنه سؤالٌ عن امنياته، فقد راودته حيرةٌ، تجمع بين طياتها إجاباتٍ مُستَفِزَّة

جالت في مداركه مشاهد لا حدود لها من الفزع قبل أن ينطق، بينما بقي السؤال ينتظر ردًا، أعقب ذلك نوع من الشعور المفاجئ بالخوف، والغثيان -أمنيتي، أمنيتي، أن لا أرى دبابة، حضر الصوت باهتًا

استرسل السائل في فضاءات ما استقبلته مسامعه، ليرسم تصورات ما قاله الصبي، استجابة لخياله البعيد، متفاعلا مع ذروة المشهد

الكتلة المخيفة، ذات السرفة الثقيلة، ذلك الكائن الحديدي المغلف على طريقة متراس فولاذي أصم، تجتمع فيه أقصى درجات الهلع، والتوجس، بما في ذلك مفردات الإبادة، والفقر، والتشرد

البنادق، والخوذ الفولاذية، والعسكر، مع ما تَمَّ التقاطه لعرضه في التلفاز:

الطفلة التي كانت تحتضن أمها المتشحة بالسواد تعبيرا عن ذعر مكتوم، المعلم الذي غادر صفه المدرسي حين تلاشت صرخاته، وهو يستغيث تحت ركام البنايات المحطمة، الشوارع التي تجري خلف العربات لتنقل معها اسرَّة الموت بصحبة اولئك الذين تساقطوا تباعًا ، دخان الأعمدة المتصاعد نحو زرقة السماء، منتزعا لونها الأزرق

المساكن المغلفة بالظلمة والسواد، المحلات الموصدة، الوجوه الشاحبة، الأصوات المذعورة

الجالسون عند عتبات الأزقة الكالحة، الرجل الذي فقد ذراعيه، المقهى التي فارقت حكايات أحبتها، السيارات التي امست خائفة وهي تعدو بسرعة جنونية، الجثث التي تنتظر دورها في ثلاجات الطب العدلي، حالات الاختطاف وبيع الأعضاء البشرية

الصغير الذي فقد كل ما يحيط بحوله ليغدو في دور الأيتام وحيدًا بلا أهل

تساقطت دموع الصحفي، وانزوى بعيدًا تمامًا عن دائرة البث، بعد ان أدركَ ان لا جدوى لمثل هذه الاسئلة.

 

عقيل العبود

 سان دييغو كاليفورنيا

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم